رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

 شعراء ونقاد العامية: جهل الأكاديميين سبب فى ندرة النقد.. ونرفض النظرة الفوقية

يبدو أن النظرة الفوقية من قبل النقاد والأكاديميين وصولًا للمؤسسات الثقافية تجاه شعر العامية لم تتغير، وبرغم احتفاء معرض القاهرة الدولي للكتاب باسم صلاح جاهين كأحد أعلام شعر العامية المصرية، إلا أن كتاب وشعراء العامية المصرية يرون أن الطريق ما زال طويلًا لتكون لدينا حركة نقدية مواكبة لم يتم إنجازه في شعر العامية المصرية.

وفي التقرير التالي نرصد ردود أفعال شعراء ونقاد العامية المصرية تجاه غياب وندرة نقد شعر العامية المصرية.

 

 

 

الحلواني: ندرة منابر النشر  سبب غياب نقد العامية 

 يرى الشاعر والناقد محمود الحلواني، أن غياب وندرة نقد شعر العامية يرجع إلى عدة أسباب، أولها غياب منابر النشر والتي بالرغم  من كثرتها إلا أن مردودها  المادي الضئيل، والذي لا يتناسب كليًا مع ما يتم إنتاجه من مواد نقدية يجعل النقاد ينسحبون ويفضلون النشر عبر دوريات عربية غير مهتمة بنقد العامية المصرية.

ولفت الحلواني، إلى أن نقاد شعر العامية غالبًا هم كتابها مسعود شومان، محمد على عزب وبعض من الأجيال الجديدة، وهم ليسوا نقادًا متفرغين  للعمل النقدي، وغير معنيين بالإلمام  بما يتم طرحه من جديد  إلا في سياق الهم الفردي.

وأشار إلى أن غياب المؤسسات النقدية المنوطة بدراسة ونقد الفنون بما فيها شعر العامية في حالة ثبات وغياب حقيقي طوال الوقت، وربما كان لجوائز مثل أحمد فؤاد نجم، والأبنودي  لها دور في أن يكون هناك إقبال، ودفعت كثيرًا من الأكاديمين إلى  الذهاب لنقد الشعر العامية.

وتابع: بما أني كنت محكمًا بجائزة أحمد فؤاد نجم اتضح لى أن ما يقدم من دراسات نقدية من قبل أكاديميين لا يساوي  ثمن الورق الذي كتب عليها، لغياب وجهل حقيقي  للأدوات النقدية لشعر العامية.

وعن هل ما زالت النظرة الفوقية تطارد شعراء ونقاد العامية من قبل المنحازين للفصحى؟، أكد الحلواني: "لم تغب أبدًا تلك النظرة، نتيجة سيطرة الأكاديميين على المناهج في الجامعات وابتعادهم عن شعر العامية، ونادرًا ما نجد ناقدًا حرًا في التعاطي فيما يقدم  على الساحة، وربما يكونون معذورين، وبالتالي هو بعيد عن مجال دراستهم.

 أما عن تكريم اسم صلاح جاهين شاعر عامية وأن يكون شخصية معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته القادمة، أوضح أن صلاح جاهين وفؤاد حداد فرضت أسماؤهم على الساحة الثقافية، وهو ليس جديدًا هو احتفاء موسمي، وليس هناك ما وراءه، وغياب مؤسسة نقدية فاعلة  تواكب الإبداع .

وختم الحلواني بالتأكيد على أن الواقع النقدي الآن هناك أفراد لهم انحيازاتهم، والواقع الثقافي مغلق على  شلل بعينها.

حداد: اختيار صلاح جاهين لشخصية معرض الكتاب انتصار للهوية المصرية 

وفي ذات السياق، يقول الناقد والشاعر أسامة حداد: "جاء اختيار صلاح جاهين كشخصية العام في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2023  متأخرًا، حيث إن جاهين ساهم في تشكيل الوعي الجمالي للمصريين .

وتابع حداد لـ الدستور: "جاء المنجز الشعري لجاهين متفردًا من خلال ما يبدو بسيطًا وعاديًا، فالرباعيات وعلى اسم مصر والليلة الكبيرة جميعها نصوص فارقة سكنت وعي البسطاء، على الرغم من المعمار الخارجي للنصوص والتشكيلات الجمالية وشبكة العلاقات المعقدة داخل نصوصه، حيث المفارقات النصية واللغوية التي تكشف متناقضات الحياة ففضاء النص يحمل مرموزات اجتماعية وسياسية ويشتبك مع الواقع والتاريخ ويسعى إلى انتهاك ما هو ثابت بنعومة فائقة وبساطة تكسر أفق التوقع". 

ولفت إلى أن اختياره يمثل انحيازًا للهوية المصرية وتقديرًا لقيم جمالية أهملتها حركة النقد، على الرغم من التجارب الشعرية الباذخة التي قدمها شعراء العامية المصرية وفي مقدمتها العم فؤاد حداد مسحراتي مصر، وفؤاد قاعود وعبدالرحيم منصور وسيد حجاب، وهم أكثر اقترابًا من الروح المصرية وقدموا منجزًا شعريًا يستحق الكثير من الدراسات ومثلوا صوتًا خاصًا داخل المشهد الشعري المصري، لا يمكن تجاهله بعيدًا عن التمييز بين القصيدة العربية بأشكالها المتعددة وقصيدة العامية فالشعر كبناء متخيل ورؤية مغايرة للذات والعالم يمثل قيمة جمالية في ذاته دون التفرقة بين لهجة وأخرى أو الانحياز إلى لغة فالتحية والسلام إلى جاهين ونصوصه التي يحفظها البسطاء ويرددها الشارع دون أن يعي الكثيرون صيرورتها التأويلية وآفاقها الجمالية غير المحدودة.

محمد على العزب : نحتاج إلى نقاد يدركون ماهية الشعر 

بينما يرى محمد على العزب، أن مشكلة نقد قصيدة العامية ليست في قلة من يكتبون عنها من النقاد والشعراء فقط، بل هناك إشكالية أخرى ذات أهمية، وهي الوعي النوعي بقصيدة العامية وبنائها الجمالي وتراث أشكال الشعر العامي وعلاقته بقصيدة العامية الحديثة، والوعي بشعرية العامية ذاتها التي تختلف عن شعرية الفصحى ليست فقط في نوعيته المفردة، ولكن فيما تحمله المفردة من تاريخ إيحائي ودلالي.

وتابع العزب لـ "الدستور": البعض إن لم يكن الكثيرون يتعاملون في كتاباتهم مع قصيدة العامية على أنها مجرد ترجمة عامية بقصيدة الفصحي، متجاهلين طبيعة المفردة العامية وأداءها الشعرى، مشيرًا إلى أن هذا بالإضافة إلى الخلط بين الشكل الفني لقصيدة العامية وقصيدة التفعيلة الفصحي: "كنت أول من أشار إلى ذلك في كتابي عن تحولات الشعر العامي بين التراث والمعاصرة".

وتابع: "قلت إن قصيدة العامية شعر حر لا يلتزم بتكرار تفعيلة واحدة طوال النص علي عكس قصيدة التفعيلة الفصحى، وتأتي إشكالية نقد شعر العامية بمثابة إشكالية نوعية قبل أن تكون كمية، فقصيدة العامية تحتاج نقادًا يدركون ماهية الشعر العامي وتراثه وحاضره واختلاف شعرية العامية عن شعرية، مع الإقرار بأن هناك تمايزًا وتجانسًا بين شعرية العامية والفصحى، فالتجانس هو أن كلًا منهما تنتمي الشعرية العربية".

ولفت العزب إلى أن التمايز هو أن لكل منهما أداءه الشعري وشعريته الخاصة، وتراثه الشعرى وشكله الفني الخاص، إذ إن  التراث هو المعيار الذي يقاس عليه اختلاف الجديد عن القديم وما قدمه من إضافة والشكل الفني هو انعكاس البنية اللغوية والجمالية.

وختم: "خلاصة القول إن أزمة نقد قصيدة العامية ونقد كل الأشكال الأدبية هي أننا نريد نقدًا حقيقيًا ناتجًا عن وعي ورؤية حقيقية بعيدًا عن السطحية وعدم إدراك الخصائص النوعية للشكل أو اللون الأدبي".