رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جابر عصفور يوضح كيف أفرزت طبيعة طه حسين التنويرية مشروعه الحضارى؟

طه حسين
طه حسين

دكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، والناقد المفكر الكبير، والذي تحمل الدورة الثامنة لملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي، اسمه، في الدورة التي تعقد خلال الفترة من 28 نوفمبر إلى مطلع ديسمبر 2022. 

وجابر عصفور واحد من أهم المفكرين خلال النصف الثاني من القرن العشرين في الثقافة العربية والمصرية حاصة، وهو واحد من تلامذة جيل العمالقة، فقد تتلمذ على يد الدكتورة سهير القلماوي، وهي بدورها تلميذة لعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين.

وفي كتابه «المرايا المتجاورة .. دراسة في نقد طه حسين»، يقدم «عصفور» محاولة لتعريف  القارئ، بطبيعة الصيغة التكوينية التي أنبني منها فكر طه حسين، ويسعى إلى اكتشاف الخصائص النوعية لهذا الفكر.

وفي هذا الصدد يقول الدكتور جابر عصفور: «إننا نعرف طه حسين الناقد العقلاني الذي يؤرقه اتزان المنهج… ويتقبل بعض أفكار سانت بيف بعد أن يعقلها ليسعى بهذه العقلانية إلى فهم الأعمال الأدبية بوصفها دوال على مدلولات تقع خارجها.

ونعرف من منظور آخر طه حسين الناقد المحدث، الذي يلوذ بمفاهيم النقد الأوروبي، ويتوسل بأفكار نقاد الغرب، فيري الأدب تعبيرًا عن شخصية صاحبه، وخلاثة لعصره، وتصويرًا للمثل العليا للإنسانية».

ويضيف «عصفور»: «ولكننا في المقابل نعرف طه حسين الناقد القديم الذي يلوذ بمفاهيم التراث، ويتأثر خطي النقاد القدماء من أمثال ابن قتيبة والآمدي والجرجاني وغيرهم، فيري الأدب صنعة يسبق التخطيط فيها التنفيذ، ويستقل المعني فيها عن لفظه، مثلما يراه محاكاة تراعي دقة الوصف وأمانة النقل، وطرافة التصوير وبراعة التشبيه».

كيف وازن طه حسين بين الحداثة والتراث

ويلفت جابر عصفور إلى أن: «أعجب إلي حد الفتنة بالإنسجام والتوازن والاعتدال الذي جمع من خلاله طه حسين بين الناقد المحدث العقلاني، والناقد المستند إلى التراث. 

إن هذا الناقد المحدث اختار المأساة اليونانية فترجمها وعرف بها، ليظهر ما فيها من نزوع أخلاقي وقدرية دينية، وترجم فولتير وراسين وأبرز ما فيهما من انسجام ومغزي أخلاقي متميز».

ويمضي «عصفور» في حديثه عن الدكتور طه حسين: «ويبدو الأمر كما لو كان هذا الناقد المحدث يفتح عقله ووجدانه لكل الاتجاهات والمدارس والمذاهب، فأين يكمن الاتجاه الحقيقي لهذا الناقد؟، ويزيد من إلحاح هذه الأسئلة ذلك التغير اللافت الذي يقابلنا كلما مضينا مع كتابات طه حسين الناقد المحدث.

لو نظرنا إلى الأمر من منظور الأدب العربي، إن الصوت العقلاني الصارم الشاك للناقد في كتاب "في الأدب الجاهلي"، يتبدل ليحل محله صوت عاطفي متعاطف مع "هذا الشعر القديم المسكين"، في "حديث الأربعاء"، ويتبدل نهج تجديد ذكري أبي العلاء بقواعده التاريخية لتحل محلها قواعد مغايرة لنهج مغاير في "مع المتنبي"».

ويتغير الناقد الباحث عن الشخصية والفن في "مع المتنبي"  ليصبح ناقدًا يخلق عالمًا خياليًا، يتحول فيه الناقد إلي أديب، فيتدفق حديث الحب الشجي في "مع أبي العلاء في سجنه"، ونتحول من "صوت باريس" إلى "صوت أبي العلاء" لنواجه مغايرة حادة لا تقل لفتا للانتباه عن تلك المفارقة التي مكنت الناقد من أن يجد أصول الفلسفة العلائية بأكملها في روايات كافكا، بعد أن اكتشف أن عمرو بن أبي ربيعة صورة تناسخت لـ بيير لوني.

طبيعة طه حسين التنويرية

ويشدد الدكتور جابر عصفور على أن: «من المؤكد أن هذا التباين الكيفي يرجع في جانب أساسي منه إلى الطبيعة التنويرية للمشروع الحضاري عند طه حسين، وهي طبيعة تقترن بالموسوعية التي تصل صاحبها بكل نشاط، وتربطه بكل اتجاه، وتدفعه إلى أن يقدم إلى مجتمعه المتخلف كل ما يمكن أن يساعد علي التقدم، ولذلك تعددت أنشطة طه حسين  الثقافية بالقدر نفسه الذي تعددت أدواره الاجتماعية، أستاذًا جامعيًا، وعميدًا، مديرًا للجامعة، ووزيرا للتعليم، ورجل سياسة تنقل من حزب إلى آخر، وصحفيًا، وصاحب جريدة ومجلة، وأديبًا، وناقدا للأدب، ومؤرخًا، ومحققًا، ومترجمًا، وفيلسوف تربية، ومتفلسفًا في الحضارات».  

ويضيف: «هذه الطيبعة التنويرية لا تفرض على الناقد طه حسين اتجاها بعينه، أو استجابة متحدة متلاحمة تتكرر في ثبات، بل تدفعه إلى لون من الموسوعية، يأخد معها من كل الاتجاهات النقدية والنظريات الأدبية والأعمال الإبداعية، الأفكار والآراء والنماذج التي تجدد الإبداع الأدبي وتؤصل درسه في مجتمع متخلف، وتستوي لدي طه حسين كل مدارس الأدب والنقد الأوروبي، وكل مراحل التاريخ الأدبي في الغرب، من حيث إنها نتاج مجتمعات متقدمة، تنقل ثمار تقدمها مهما تنوعت أو تباينت أو تنافرت، أو تضاربت إلي مجتمع متخلف، لتدفع عملية النهضة في هذا المجتمع إلى الأمام».