رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحروف القاتلة


ذكر فيلسوف المسيحية تعبيراً يقول أن الحرف يقتل لكن الروح تحيي .

ومن متابعتي لمعاني الكلمات في اللغات المختلفة، نجد في العربية معاني مثل يقتل ويدمر وينتحر، وفي اللغة اللاتينية والانجليزية تذكر قواميسها أن هناك مائة وستين كلمة منها ما يفيد قتل القريب، وقتل الآخرين، وقتل الحيوان، وقتل الحشرات، والدواء القاتل للأمراض، أو قاتل النباتات، والقتل بالخطأ.

وهناك ثلاثة عشر كلمة تعني القتل الأسرى، تبدأ بقتل النفس، ويليها قتل الوالد وقتل الوالدة، وقتل الآباء، وقتل الشقيق والشقيقة، والزوج والزوجة، وقتل الابن أو الابنة، وقتل الأقرباء. وعلى ذات القياس تأتي باقي القائمة الطويلة. والملاحظ أن الفارق بين كل هذه الكلمات القاتلة يكون في التغيير في حرف أو أكثر للدلالة على نوع العلاقة الأسرية، أو لتعريف النوع، كالرجل أو المرأة، أو للدلالة على درجة القتيل أو عمله، مثل قتل المسئولين أو الأنبياء أو العلماء، أو الجانب الفلسفي أو الديني.

أما تعبير قتل الحيوان فيبين نوع الحيوان، إذا كان حيواناً متوحشاً أو أليفاً، أو لغرض الغذاء، أو للتخلص من حشرات مختلفة الأنواع.

أعود إلى تعبير فيلسوف المسيحية بولس في قوله أن الحرف يقتل، وهل كان كفيلسوف يتخيل هذا الكم من الكلمات الدالة على القتل وفقاً للنوع، أم أنه كان يقارن بين تمسك رجال الدين في اليهودية بتعبيرات حرفية، ناسين الجوهر والمعنى، وقيمة الانسان التي تفوق كل التعقيدات والقوائم الطويلة للأوامر.

ولأن لغتنا العربية فضفاضة وغنية وتقود إلى عمق المعنى، وهكذا تعلقنا بها، ما حببناها، ومهما درسنا من لغات شرقية أو غربية فستبقى لغتنا هي الأكثر عمقاً وحباً، حتى نقول أن الفرق بين العربية والغربية نقطة واحدة أضيفت إلى البعد الجغرافي الفاصل بين الشرق والغرب.

والتحذير من الحرف القاتل بهدف الابتعاد عن التمسك الحرفي، فالبعض يقضون أغلب الأوقات بحثاً عن الأمور الصغيرة، وقد يظن البعض أن مثل هؤلاء شديدي الدقة في الأشياء متناهية الصغر. كثيرون يتعثرون في الأحجار الصغيرة لأنهم يصروا على خط سير ملئ بمثل هذه الأحجار، وهم يعلمون طبيعة الطريق ومشكلاته، إلا أنهم لا يرضوا أن يغامروا في طريق جديدة أكثر رحابة وأكثر أمناً وأوفر نوراً.

وقبل أن ندخل في حوار أي الطرق نختار في أقوالنا التي هي بالتأكيد طريقها أكثر اتساعاً وأجمل معنى وأوضح فكراً، علينا أن نتذكر دائماً من نحن، وما هي رسالتنا التي اخترناها بإرادة حرة، وأصبحت هي المكون الرئيسي في حياتنا. كما أنه من الضروري في مسلكنا أن نتسلح بالصدق وبالحق، مذكرين أنفسنا دائما أننا أعطينا رسالة واضحة ومحددة المعالم، قد تكون قدراتنا مختلفة، وهذا تنوع يمكن استخدامه استخداماً جيداً و وجوبياً.

وتجمع الجسد الواحد يكمل بعضه بعضاً، إذ لا غنى عن أي جزء من أجزاء الجسد، ومهما بلغت دقة الأجهزة التعويضية فلن تصل إلى دقة الجسد الطبيعي بكل عضو فيه.

أما رسالة الأعضاء الجسدية فهي تتحقق من تكامل الجسد الواحد بكل تنوعاته، فللمرأة مكانها الذي لا يقل أبداً عن مكانة الرجل، بل أن للطفل الصغير مكانته في مراحل النمو المختلفة.

والجسد بكل تعددياته يحقق بنيان الجسد الواحد، حتى أن الأعضاء غير الظاهرة فينا لها رسالة لا تقل عن رسالة أكبر الأعضاء.

وبتكامل أعضاء الجسد نصبح قادرين على أداء الرسالة المنوطة بنا على أفضل الصور وبأقل تعب أو معاناة، مع تفوق كمي ونوعي في الإنتاج والقدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، مع الاحتفاظ بالجميل من الموروثات، والتخلص من الرجعي والمتخلف منها.

وفي حكمة الخالق أنه ميز البشر عن سائر خليقته ، فالحيوان يأكل ويشرب ثم يُؤكل وتنتهي رسالته، بعكس الانسان الذي لا يتوقف عقله عن العمل والإنتاج حتى يستريح.

وفي تصوري أن محاولات إزاحة الآخرين من الطريق ليست بهدف فكري أو ديني، وإنما – في نظري – تزاحم على الجزء الأخضر المحدود وسباق المتنافسين، فلماذا لا نقلل عدد المشاركين في هذا السباق، ولعلي تحديد سن التعليم يمثل صورة حقيقية لما يدور في فكر أصحاب الرؤية الأحادية.

لقد اخترع المجتمع الحواجز العازلة أو الفاصلة بسبب العرق أو الدين، ولم يكن السبب في ترك الدراسة أو العمل.

وعودة إلى عنوان المقال، نجد أنه من الوسائل المعوقة للمشاركة البحث عن حروف أو كلمات تعوق الآخر، وتفسح المجال للغته دون غيرها تحت بنود اللون أو العرق أو الجنس أو البيئة.

كما أن التمسك الحرفي القاتل له مبدعيه ومدعيه الذين ينطبق عليهم ما قيل عن الممسك في كفه عصفوراً صغيراً، وطلب من رفاقه أن يخبروه إن كان العصفور لا يزل حياً أم أنه مات، فقال أحكمهم أنه في قبضة يدك، إن شئت موته فبقبضك عليه يموت، وإن شئته حياً حررته من كفك لينطلق حراً وحياً.

وما أكثر المبدعين في التلاعب اللفظي حتى أن هناك من المحامين البارعين الذين اشتهروا بإجادة البيان واستخدام الحجة المقنعة التي أعتقت كثيرين من حبل المشنقة.

وقد يكون إضافة حرف أو حذفه سبباً كافياً لالتفاف الحبل حول رقبة متهم آخر.

رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر