رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الأعرج»: خرقت القانون بفلسطين.. وجدتي سببًا في تعلمي «العربية»

واسينى الأعرج
واسينى الأعرج

واسيني الأعرج، قاص وروائي، وكاتب صحفي، التقته «الدستور» على هامش المُلتقى الدولي الذي يحمل شعار «جابر عصفور.. التنوير والإنجاز»، مُحاورة إياه «مي زيادة»، فتحدث بالعربية التي تعلمها، وآثر أن يُخلد كتاباته بها.. فجاء نص الحوار كالتالي: 

 

بمناسبة الحديث عن المخطوطات.. البعض قال إن ثمة مخطوطة حقيقة اعتمد عليها «واسيني الأعرج» في كتابته لرواية «مي ليالي إيزيس كوبيا»

 قبل أن أشرع في كتابة الرواية، ذهبت هُناك إلى بلدتها، حيث كانت تسكن عائلة مي زيادة بمنطقة شحتوت بلبنان، وتعرفت على مؤرخ العائلة سرجيوس، وقبل أن أتعرف عليه، وقع في يدي كتاب له عن «مي زيادة»، فسألته باستغراب عنه، كما سألته لما  لم يذكر تفاصيل دخولها لمستشفى الأمراض العقلية؟، فكانت الإجابة أنه من العائلة وأن «ابن عمها» هو من أدخلها المستشفى.

وكواليس الأمر عجيبة، رواها لي «سرجيوس» الذي أشار إلى أنها رغب في العيش بلبنان، فكتبت لابن عمها جوزيف، طالبة حضوره، إلا أن الأخير حصل منها على توكيل عام بإدارة مُمتلكاتها، ومن ثم أودعها مستشفى «العصفورية» للأمراض العصبية.

ولا عجب في ذلك فقد كان أول حب في حياتها من نصيب «جوزيف»، إلا أنه تركها ليسافر إلى فرنسا، وبهذه الطريقة كانت نهايتها على يده، فالوقت الذي قضته بالمستشفى، شرعت خلاله في كتابة مُذكراتها، بحسب ما أشار إليه أمين الريحاني، كما أكدت هي بنفسها الأمر  في الوثائق الموجودة بالجامعة الأمريكية.

فقالت «مي زيادة» في المحاضرة الأخيرة لها بالجامعة الأمريكية: «على المثقف أن لا يصمت أمام الظلم»، وتلك العبارة أدهشتني كونها خرجت من مثقفة حقيقية، وكانت ترمي بهذة الكلمة إلى ابن عمها.

وكان قد كتب أمين الريحاني كتاب «قصتي مع مي»، عقب عودته من الولايات المُتحدة الأمريكية، وسماعه الكثير من الأحاديث حول إصابة مي بالجنون، ولكنه لم يصدق وكان معها حتى عادت إلى القاهرة؛ ليثبت صحة قواها العقلية عبر محاضراته بالجامعة الأمريكية.

 

ما الذي دفع واسيني الأعرج لكتابة رواية عن مي زيادة؟

الصدف تلعب دورًا مُهمًا في كتابة الرواية، والكتابة عن مي جاءت محض صدفة، فكان لدي مُحاضرة عن النسوية العربية بجامعة السوربون بفرنسا، وكنت اشتغل بالوثائق العربية، فوجدت جملة لمي زيادة تقول فيها: «أتمني أن يأتي بعد موتي من ينصفني»، فتعجبت أنه بالرغم من كل هذه العبقرية والتاريخ، إلا أنها تقول مثل هذا الكلام.

شعرت أن هذا الكلام قريب مني وموجه لي، وكان همي تفسير هذا الأمر، ووجدت أن الجملة جاءت في سياق دخولها لمستشفى الأمراض النفسية، وعدم تواصل أي من المثقفين المصريين بها، ومن ضمنهم طه حسين، والعقاد، مصطفي صادق الرافعي، وغيرهم، الأمر الذي كل هذا مثل عبئ نفسي عليها.

 

هل تجاوزت الرواية فكرة السيرة الغيرية؟

حياة مي أكبر من مُجرد رواية، وفي روايتي بحثت عن جانب وزاوية وفترة اعمل عليها، وأخذت مني أكثر من ثلاث سنوات من البحث، عرفت مثلًا أنها ولدت بفلسطين، وكان لدي الفرصة لزيارة فلسطين، مُشاركًا في مؤتمر الرواية العربية برام الله، فتجاوزت القانون هناك، وكان لصديقة مقدسية الفضل في أن أقوم بالمغامرة المرور إلى الناصرة.

وهناك في الناصرة دخلت بيت مي التي ولدت فيه، تعرفت على المكان الذي ولدت فيه ميسون، والغريب أن هناك عائلة تقطن هذا البيت، لاتعرف أي تاريخ مُسبق لمن سكن البيت قبلًا، وهُناك في البيت، وعبر البلكون التي كانت تجلس فيها مي زيادة، عرفت السر في حديثها بانفتاح حول الأديان، فموقع البلكون مُطل على الجامع الأبيض بجوار كنيسة الرحمة، ويبدو أنها نشأت على فكرة تلاقي وتلاحم الأديان مُبكرًا.

وعندما جئت إلى القاهرة ذهبت إلى قبرها الموجود بالقرب من مسجد عمرو بن العاص بمقابر المارونيين، أحزنتني كثيرًا تلك النهاية التي قابلتها مي زيادة، فثلاثة أفراد فقط هم من كانوا يسيرون في جنازتها منهم مدير تحرير الأهرام وقتها أنطوان جميل.

 

لنتحدث عن الحب في حياة مي زيادة.. والعلاقة التي ربطتها بجبران

ثمة مايقرب من 21 رسالة بين مي وجبران، ومي كانت بطبيعة الحال لديها القدرة للسفر، وكذلك جبران وعلى مدار 20 عامًا من كتابة هذه الرسائل، لم يلتقيا ومعنى هذا بالنسبة لي أن مي بطبيعتها مُحافظة، ومايؤكد هذ، هو ما ذهب إليه وما كتبه العقاد عن علاقته بمي، والذي قال فيه: «مرة تحدثنا في موضوعات خاصة جدًا، فكان ردها برفع يدها إلى السماء قائلة إني أخاف الله».

كما أن العقاد في روايته «سارة» انتقم من مي شر انتقام، فالرواية تدور عن علاقته بالكاتبة الصحفية اللبنانية أليس داغر، وهي فتاة منفتحة على عكس مي المحافظة، والتي مثلتها شخصية هند الفتاة التقليدية المنغلقة.

 

أنت مخلص جدا للرواية.. ويبدو أن القصة القصيرة لم تأخذها حقها من كتابات واسيني الأعرج.. أهذا صحيح؟

أوافقك الرأي، ويرجع هذا إلى أن بداياتي مع الكتابة جاءت مع القصة القصيرة، ذلك كون لامجال لنشر الرواية، وكانت القصة تنشر عبر الصحف والمجلات الثقافية المُنتشرة في ذلك الوقت، ثمة فرح سريع وقريب بمنجز ما ننشره، لكن الناقد والأكاديمي العراقي عبد اللطيف الراوي، قال لي: لماذا تقتل قصصك؟، هذا ما أزعجني و أغضبني، ولكن كان لديه كل الحق في ذلك.

وسألني فيما بعد ماذا تكتب، وكنت وقتها قد شرعت في الكتابة عن المهاجرين إلى فرنسا، وكان فيها من نفس والدي، والذي هاجر ولم يتم بعد الـ16 عامًا من عمره، وعاد إلى الجزائر واستشهد في عام 59، فقال لي عبد اللطيف الراوي، أكتب الأشياء كما ترى واتركها لي فيما بعد، وقدمت له 70 صفحة، ونشرت الرواية في مجلة «آمال» عبر عدد خاص، وعندما أقدمت على نشرها فيما بعد كتب مقدمتها وقال: «ولد اليوم روائي يحسب له حساب كبير».

 

بما تصف الفجوة بين النقد والإبداع؟

النقد مُهم جدًا، ومسألة أساسية في أي حركة أدبية، فهو الوسيط بين النص الأدبي والقارئ، وفي أي نص نقدي أكاديمي بحث.

 مثلا ستجد تودوروف انتقد البنية النقدية الأكاديمية، والتي ما زلنا تحت تأثيرها إلى الآن، وتودوروف هو من أوائل من أدخلوا البنيوية في فرنسا، والذي قال: «نحن جئنا حتى نزيح تاريخ الأدب، كون أن تاريخ الأدب صار يتحدث عن الأدب بشكل هامشي، وبدلًا من أن نعلم الناس كيف يحبون الأدب علمناهم أن يعرفوا النقاد واسمائهم»، وهو ما يشبه تصرف جابر عصفور فيما ذهب إليه من الكتابة في التنوير، فكلاهما رؤوا أن ثمة فجوة في تاريخ الإنسان، وبنية تاريخه، وهذه قد تكون محض صدفة.

 

هل النقد الأكاديمي مازال سجين أسوار الجامعات العربية؟

هناك العديد من النصوص النقدية التي خرجت بعيدًا عن أسوار الجامعة، وكان لها صداها وعرفتنا بالعديد من النقاد أمثال سعيد يقطين، والعديد من النقاد الشباب المغاربة، إلى جانب ذلك هناك نقد صحفي ثقافي جيد، ولكن لا بد أن يكون هناك ضوابط عليه.

 

عن واسيني الأكاديمي والكاتب الذي يقيم بباريس ويتحدث الفرنسية ويعيش بها هناك.. هل ثمة إشكالية يواجهها واسيني الأعرج في الكتابة بلغة والتفكير بأخرى؟

 عندما تريد أن تكتب باللغة العربية بشكل مباشر، تدخل في نظام مناخي وصوتي يُعطيك هذه الحالة، ففي اللغة العربية هناك نوع من السيولة، على عكس اللغات الأخرى، لهذا أكتب باللغة العربية.

وعليك أن تعرف أنني ذهبت إلى اللغة العربية اختيارا، ففي الخمس سنوات الأولى من عمري كنت أعيش تحت ظلال البنية الاستعمارية بـ«فرنسا»، ولكون جذوري من الموريسكيين، فكان لجدتي رأي، وفضل في أن أتعلم العربية، كانت تقول لي: «مستحيل أن تعرف تاريخ أجدادك دون أن تعرف اللغة العربية»، وكان أخي الأكبر «حسن» يكبرني بعامين، وكنت أقول لها: «لماذا أنا وحسن لا؟» وكان ردها في منتهى الجمال حسن اخذوه الفرنسيين وتضحك، كل القصص العظيمة أخذتها من جدتي.