رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«شعر عبثي».. التفاصيل الكاملة لمعركة العقاد وحجازي وعبد الصبور

عباس محمود العقاد
عباس محمود العقاد

خلال مسيرته الأدبية والفكرية، خاض الكاتب الكبير عباس محمود العقاد، العديد من المعارك الفكرية والأدبية مع عشرات الشعراء والأدباء، ومن بينهما معركته الشهيرة التي تناولتها عشرات الصحف والمجلات وكتب عنها الكثير من الكتاب والشعراء مع الشاعران صلاح عبدالصبور وأحمد عبد المعطى حجازي، منذ 60 عامًا وبالتحديد سنة 1961، كان موضوع المعركة هو الشعر الحر.. أو كما سماه العقاد "الشعر السايب" هو وصديقه أحمد عبد المعطى حجازي، وصف شعرهما بالعبثى.

تحويل الشعر للجنة النثر

وعندما كان العقاد مقرر لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للفنون والآداب وكان يرفض تمامًا قبول ومناقشة أى قصيدة تنتمى إلى الشعر الحر، الذى كان يمثله فى ذلك الوقت صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطى حجازى، وكان العقاد يقوم بتحويل هذه القصائد إلى لجنة "النثر" التي كان يرأسها الدكتور مهدى علام وكان بدوره يحولها إلى لجنة الشعر.

فوقف العقاد بالتصدى لهما وحاول عدم ظهورهما في أي محفل من المحافل الشعرية، فكلما سافر وفد من شعراء مصر إلى مهرجانات الشعر فى العواصم العربية، يهدد على الفور العقاد بتقديم استقالته أحيانًا كثيرة، وعندما علم العقاد أن أحد هؤلاء سيلقى قصيدة فى مهرجان دمشق الشعرى فى ذكرى البحتري، ثار العقاد وغضب، وأرسل العقاد برقية إلى السكرتير العام للمجلس الأعلى للفنون والآداب يوسف السباعى تقول: أرجو اعتبارى مستقيلاً من لجنة الشعر وحذف كلمتى من مهرجان الشعر بدمشق إذا سُمِح لكل من صلاح عبدالصبور وأحمد عبد المعطى حجازى بإلقاء شعرهما فى المهرجان أو الاحتفال بذكرى البحترى.

 واحتد العقاد بتصريحاته المتصلبة تجاه هذا النوع من الشعر ووصفه "بالعبث النثريّ"، ونتج عن هذا الاختلاف ما بين البناء الشعري الحديث الذي ينتهجه حجازي وعبد الصبور والشعر التقليدي الذي كان مؤمنًا به العقاد إيمانًا وثيقًا، خصومة شديدة، ووصف "حجازي" فيما بعد في حواراته أن الحوار الذي دار بجانب زملاء جيله مع العقاد كان حادًّا وقاسيًّا ووصل الأمر إلى خلافات كبيرة وصراعات أدبية فيما بينهم وبينه. 

وتفاقمت تلك الصراعات، بالحوار الذي أجراه العقاد حينما سأله أحد الصحفيين: هل قرأت الشعر الحديث؟ واحمر وجه العقاد، وانتابته ثورة الغضب واحتد صوته وقال للصحفى: قرأت ماذا؟ هل تريد منى أن أقرأ الكلام الفارغ الذى يكتبه البتاع اللى اسمه صلاح عبدالصبور إننى أتحدى عبدالصبور هذا أن يقرأ عشرة أسطر من النثر دون أن يخطئ فى تشكيل أو نطق بعض كلماتها.

ماذا يبقى منهم للتاريخ؟

وانطلقت شرارة المعركة، وفى تلك الأيام كان صلاح عبد الصبور يكتب فى "روزاليوسف" سلسلة بعنوان: "ماذا يبقى منهم للتاريخ"، تناول فيها بقلمه إبداع طه حسين وتوفيق الحكيم وإبراهيم المازنى والعقاد على مدى عدة أسابيع، ولم يهتم صلاح بهجوم العقاد عليه وكتب فى مقالاته عن العقاد يقول بموضوعية شديدة: "العقاد شاعر بلاشك، أولا لأنه يملك المقدرة على الوزن وثانيا لأنه يحفظ كثيرًا من الشعر ويعرف الجيد من الرديء".

ولكن كلام عبد الصبور الجيد على العقاد لم يقابل إلا بالسخرية القسوة، فكنت مقاله الشعر السايب تأباه السليقة الشعبية! فى جريدة أخبار اليوم، يوم10 يونيو سنة 1961، وقال فيها:"من الحجج الواهية التى يتمسح بها أنصار "الشعر السايب" وأعداء الوزن والقافية أنهم يتعللون بالغيرة الشعبية فيزعمون أن إلغاء الوزن والقافية يقرب الأدب من الشعب، ويقولون ويعيدون أن الشعر الموزون المقفى ترف برجوازى يتعالى على المدارك الشعبية ويصعب على السامع "الشعبى" أن يتتبعه بالفهم أو بالحفظ والرواية إلى أخره".

ويعاود العقاد الكتابة فى مقال نارى بعنوان: شغلة لا تفلح أو لعبة لا تسلى "أخبار اليوم 24 يونيو 1961، فيكتب قائلا: إذا صح أن إخواننا المجددين يعتبون علينا لأننا نقصر فى توجيههم، فمن حق النصيحة إذن أن نهمس فى آذانهم ليتركوا هذا الشعر السايب من ألفه إلى يائه لأنه شغلة لا تفلح أو لعبة لا تسلى! ولن يستمع إليهم أحد فيما يتغنون به من حديث الشعر بلا وزن ولا قافية".

وكتب العقاد هذا المقال بعد مقال صلاح عبدالصبور الذي كتبه بأخبار اليوم مقسما فى عنوانه على أن الشعر الحر موزون والله العظيم.. وحسنا صنع بالقسم لأنه كلام لا بينة فيه غير اليمين. 

وعلق العقاد على هذا المقال قائلًا:" إن السيد عبد الصبور يقول إن التفعيلة هى أساس الوزن فى شعره وأشعار زملائه وأن كل ما فيها من مخالفة للنمط الشعرى المتوارث هو اعتبار التفعيلة الواحدة بنيانا عروضيا متكاملا.. إلى آخر ما قال"، وظل يرد العقاد على كل كلمة في المقال مما لاحظ الجميع هجومه القاسي.

 

أحمد المعطى حجازى: لست عاجزًا عما يكتبه العقاد

على الجانب الآخر، أثناء بداية المعركة كان أحمد عبد المعطى حجازي، كان مسافرًا وعندما عاد كتب قصيدة هجاء للعقاد فور عودته حيث كان غاضبًا مما حدث وكانت القصيدة مضبوطة وزن وقافية على بحر الوافر ولكنها كانت صريحة إلى حد كبير وشديدة الحدة، ليقول ويثبت للعقاد بأنه قادر على كتابة القالب الشعري التقليدي الذي يريده وليس عن عجز كما أشار العقاد، وكتب حجازي:

من أى بحر عصى الريح تطلبه ... إن كنت تبكى عليه فنحن نكتبه

يا من يحدث فى كل الأمور ... ولا يكاد يحسن أمرا أو يقربه

أقول فيك هجائي وهو أوله، وأنت آخر مهجو وأنسبه/ تعيش فى عصرنا ضيفا وتشتمنا، إنا بإيقاعنا نشدو ونطربه، وكانت القصيدة تشير للعقاد بأنه لا يمكنه منعهم من كتابة نوع الشعر الذي يفضلونه ويحبونه فيما يفيد بأن "هذا الزمن زماننا" وأن على العقاد أن يحترم هذا، وإذ بعدها بالعقاد في أحد حواراته يرد عليهم: "إنهم هم الذين يعيشون في عصر العقاد وضيافته".

 

بنت الشاطئ: العقاد يستغل نفوذه لمحاربة الشعراء

وعندما اشتدت الأزمة، دخلت على خط الدفاع، عائشة بنت عبد الرحمن الملقبة بـ"بنت الشاطئ"، حينما قام العقاد، إزاء محاولة العقاد منع الشاعرين صلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطى حجازى من السفر ضمن الوفد المصرى إلى دمشق لحضور المهرجان الشعرى فى ذكرى البحتري حيث واصلت تصديها لهذا الأمر الذى اعتبرته استغلالاً للنفوذ فى التحكم فى أقدار الأدباء ومصائرهم تبعاً لهوى العقاد، وكان لهذه المعركة آثار ملموسة، أولا على القارئ، حيث بدأت الأهرام تنشر كل جديد مهما كان اتجاهه الأدبي.