رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

1

لماذا سقط المنتخب؟ وكيف يعود؟

جريدة الدستور

فجأة اتفق الرأى العام فى مصر على أننا لا نمتلك لاعبين، فجميعهم دون المستوى، ونالوا أماكنهم صدفة. ودون إدراك منا، تبنت استديوهات التحليل نظرية البرتغالى كارلوس كيروش: «اللاعب المصرى لا يمتلك أساسيات كرة القدم».

صحيح أن خسارتنا أمام إثيوبيا بعد عرض مزرٍ، أمر يشبه الكارثة، وفعل صادم يمكن أن يتبعه أى رأى، ويجعل كل نقد مقبولًا. لكن إذا قررنا استدعاء المنطق للحظات، فإننا سنجد أنفسنا نتجنى على هذا الجيل، ونظلمه ظلمًا بينًا.

لعب منتخب مصر أمام إثيوبيا بدون حارس المرمى الأساسى محمد الشناوى، وبدون قلبى الدفاع الأساسيين أحمد حجازى ومحمد عبدالمنعم، وبدون الظهير الأيسر الأساسى أحمد فتوح، وبدون الظهير الأيمن الأساسى أكرم توفيق، وبدون لاعبى الارتكاز الأساسيين: حمدى فتحى ومحمد الننى، وبدون جناحيه الأساسيين: محمد صلاح «وهذا وحده كفاية» ومحمود حسن «تريزيجيه».

صحيح أن إثيوبيا ليس الفريق الذى يجعلك تتحدث عن الغيابات، لكن علينا بدايةً الاعتراف بأن منتخب مصر لعب بدون المنتخب الأساسى كاملًا. ثم بعد ذلك اضطر لاستبدال كل لاعبى الأهلى: محمد مجدى «أفشة» وعمرو السولية وأيمن أشرف قبل نهاية الشوط الأول.

وحينما نتحدث عن كل هذه الغيابات، والإجهاد والتراجع البدنى الذى وصل باللاعبين إلى تلك الحالة، التى شعرنا معها أنهم يحملون أكياس رمل فى أقدامهم، حسب معلق المباراة على محمد على، فإننا سنقف أمام أهم أسباب ما وصلنا إليه من سوء وتدنٍ.

فاللاعب المصرى هو الوحيد فى العالم الذى لا يحق له الحصول على راحة بين موسم وآخر. اللاعب المصرى هو الوحيد فى العالم الذى تتشابك البطولات التى يشارك فيها بدون توقف. 

بعد نهاية الأجندة الدولية هذا الأسبوع، سيذهب كل لاعبى العالم إلى المالديف وبالى وتايلاند. سيخلد الكل إلى الراحة والاستجمام، سيستمتعون بعطلاتهم ويمكثون رفقة صديقاتهم وزوجاتهم وذويهم. سيفصلون عقولهم تمامًا ويريحون عضلاتهم ويفصلون أنفسهم بعد موسم شاق من الضغط والجهد.

بينما سيعود لاعبو الدورى المصرى والأهلى بالتحديد لخوض ٥ مؤجلات، ثم يستكملون مباريات الكأس والدورى، قبل أن يعودوا لاستكمال مباريات كأس الموسم قبل الماضى!

إن ما يتعرض إليه اللاعب المصرى فى الآونة الأخيرة ينافى أى علم، ويصطدم مع كل القواعد والأسس التى تعتمد عليها اللعبة. إذا أدخلت الأجهزة داخل أجسام لاعبى الدورى المصرى والأهلى خاصة، ستبلغك كم هى مُغتصبة، ستقول لك إنها لم تعد صالحة للاستخدام الآدمى.

إننا البلد الوحيد فى العالم الذى لم يحصل لاعبوه على راحة منذ أزمة «كورونا».

كبرى الأزمات التى جعلتنا فى القاع هى غياب نظام إدارى محكم للمسابقات، حوّل اللاعبين إلى ماكينات مطلوب منها الركوض والدوران دون راحة، فكان بديهًا أن تُصاب تلك الماكينات بـ«التهنيج».

فى حقيقة الأمر، مصر ليست بحاجة إلى لاعبين لديهم أساسيات كرة القدم مثلما قال «كيروش» لكى يتفوقوا على إثيوبيا أو غينيا بيساو، فإن فطرة أى ١١ لاعبًا مصريًا وشخصيتهم كفيلة بأن تعبر مثل تلك الفرق.

إذا سلمنا بما قاله البرتغالى حول أننا لا نمتلك لاعبين، فهل من المنطق أن يهزمنا منتخب أفضل لاعب فيه هو شيمليس بيكيلى لاعب الجونة؟!

إن كل لاعبى منتخب إثيوبيا إذا جاءوا الدورى المصرى، باستثناء لاعبين فقط، ستكون البقية فى أندية القاع ولن يلعبوا أساسيين.

التشكيك فى جودة اللاعب المصرى هى محاولة فاشلة من «كيروش» لتبرير أسلوبه القبيح فى كرة القدم. ذلك الأسلوب الذى قالت عنه صحافة العالم حينما تابعت نهائى إفريقيا بأنه أقبح من أسلوب سيميونى أتلتيكو مدريد.

هل إمكانات اللاعب المصرى أقل من لاعبى منتخب موريتانيا، الذى قدم درسًا فى كيفية البناء والخروج بالكرة واللعب بين الخطوط وهو ناقص لاعب فى أمم إفريقيا أمام الكاميرون؟

هل إمكانات اللاعب المصرى أقل من لاعبى منتخب إثيوبيا الذى لا يمتلك محترفًا واحدًا فى نادٍ كبير، لنشاهد خصمًا ممتعًا وكأنه يلعب بأسلوب البرازيل؟

الأزمة لم تكن فى جودة لاعب، بل كانت فى إدارة رياضية دمرت هذا اللاعب، وفى اختيارات طرق لعب من شأنها مطاردة الكرة لا ممارستها.

قد يكون إيهاب جلال معذورًا، فهو يلعب بدون فريق كامل، والبقية مرهقة، لكنه اختار وقتًا خاطئًا للمقامرة. لعب «جلال» بدون توازن أمام إثيوبيا فى غياب كل العناصر الفاعلة، لذلك دفع ثمنًا باهظًا.

نعم نحن بحاجة كبيرة إلى جرأة فى اختيار طرق اللعب، وعلينا التحول من الأسلوب العقيم الذى أراده «كيروش»، لكن باستخدام الأدوات المثلى، يحدث ذلك فى وجود «صلاح» و«تريزيجيه».

حينما تريد المغامرة يجب أن تمتلك مدافعين قادرين على الخروج بالكرة والبناء السليم مثل «حجازى» و«منعم»، ويكون لديك لاعب ارتكاز يفهم طبيعة هذه الأدوار مثل «الننى»، ومعك هجوم صاحب حلول ومهارات مثل «صلاح» و«تريزيجيه»، لكن للأسف الشديد اختار إيهاب جلال أن يغامر فى الوقت الخاطئ وبالأدوات الخاطئة.