رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فهمى عمر .. وأن نتذكر ما روى فى يوم ميلاد إذاعتنا المصرية

اليوم ومصر تحتفى بالذكرى الـ88 لإنشاء الإذاعة المصرية، يوم انطلاق «هنا القاهرة» عبر الأثير لأول مرة بصوت الإعلامى القدير «أحمد سالم» يوم 31 مايو 1934، والذى تقرر أن يكون عيدًا للإعلاميين، ينبغى تحية رموز الإذاعة المصرية بيت الخبرة الإعلامية العظيمة.

«اجتازت مصر فترة عصيبة فى تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش وتسبب المرتشون والمغرضون فى هزيمتنا فى حرب فلسطين، وأما فترة ما بعد هذه الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد وتآمر الخونة على الجيش وتولى أمره إما جاهل أو خائن أو فاسد حتى تصبح مصر بلا جيش يحميها».
إلى آخر نص البيان التاريخى الذى تتكرر إعادة إذاعته عبر الأعمال الدرامية والأفلام الوثائقية التى تسرد بدايات انطلاق الحدث التاريخى ثورة 23 يوليو 1952.

وكان من شهود الحدث وفى مقدمتهم المذيع الرائع والرائد «فهمى عمر»، و كان عليه الدور فى صباح ذلك اليوم لتقديم مواد وردية عمل افتتاح الإذاعة المصرية، وحسب روايته التى لا ينسى أبدًا دقائق وقوعها ويكرر سردها بحب وتدفق، يذكر أنه عندما وصل إلى الاذاعة فى السادسة صباحًا وجدها مُحاصرة بقوات الجيش، وفى صالة الاستديوهات وجد مجموعة من الضباط يجلس بينهم أنور السادات.

ويقول فهمى عمر، وهو الشاهد الحى الذى عاصر جميع هذه الأحداث ولم يسمع من فلان أو علان أنه سجل بخط يده هذا الكلام فى تقرير المذيعين صباح ذلك اليوم، فقد كان على المذيع أن يدون كل شيء يقدمه للناس.

يتذكر أبناء جيلى من العاشقين للساحرة المستديرة «كرة القدم»، تلك الدقائق القليلة التى كنا ننتظرها مساء كل يوم عبر أثير الإذاعة ــ وبالطبع قبل ظهور الشاشة الصغيرة ــ صوت فهمى عمر وهو يستعرض أخبار الرياضة المصرية بشكل عام والكرة بشكل خاص بلغة وعبارات رشيقة جاذبة مختصرة ووافية ضافية، وبأداء بديع مشوق محايد كتقرير يومى لا يخلو من معلومات هامة وتحليل بديع لأهمها.
عن الرياضة والكرة، ومن دفتر ذكرياته يقول فهمى عمر إنه خلال فترة دراسته الجامعية، نظم فريق نادى الاتحاد وجامعة الإسكندرية رحلة إلى القاهرة بقيمة خمسين قرشًا تشمل تذكرة السفر بالقطار والعودة ودخول المباراة التى جمعت «الاتحاد» و «فاروق» ـ الزمالك حاليًا ـ على كأس الملك فاروق عام ‏1948، التى فاز‏ بها «الاتحاد» بنتيجة ‏2/1.

كان للقدر لعبته لتغيير مجرى حياة «فهمى عمر» بعد تخرجه بعام واحد، حيث لم يلتحق بسلك النيابة العامة، فتقدم لاختبارات الإذاعة المصرية، والتحق بوظيفة مذيع خارج الميكروفون عام 1950، وبسؤال قادته فى مبنى الإذاعة عن سبب التحاقه بهذه الوظيفة وليس بميكروفون داخل الاستديو، أكدوا له أن لهجته الصعيدية السبب وعليه التخلص منها سريعًا.

وكان الأمر هينًا على المذيع الشاب لما كان يتمتع به من ملكات ومواهب طبيعية وأخرى مكتسبة، حيث النطق السليم والتمكن الهائل من حفظ وتطبيق قواعد اللغة العربية،‏ وحنجرة متميزة تطاوعه وتستجيب لتلوينات الأداء الناجح‏، وقد أتاحت له تلك المهمة التى استمرت 15 شهرًا، فرصة للتعرف على كبار المثقفين وقادة الرأى وقتها، فكان يلتقى بالمتحدثين من كبار الكتَّاب والمفكرين قبل دخول الاستديو، فتعرف على عباس محمود العقاد، سليمان نجيب، محمد فريد أبوحديد، فكرى أباظة، زوزو نبيل، سميحة أيوب، شهرزاد، لورد كاش، وغيرهم.

«هنا القاهرة».. كانت عبارته الشهيرة وبأداء بديع التى انطلقت فى عام 1951 .. خرج الصوت الإذاعى الجديد فهمى عمر  للنور وظل يعمل بالإذاعة ويتعلم الفنون الإذاعية وينتقل من منصب إلى الأعلى منه، حتى ذاع صيته وهو يحافظ على تلك السمات التى ميزته على أقرانه وأبناء جيله من الإذاعيين الرواد، فحقق بنجاحه ودقته الكثير من الشهرة ما جعلته يطوف أغلب بلدان العالم.
ويتذكر فهمى عمر شيخ الإذاعيين، الأيام الجميلة التى شهدت بداية عمله فى الإذاعة‏ المصرية،‏ قائلًا: «لم يكن مسموحًا لمذيع أن يخطئ ومن يخطئ يُرفع من جدول المذيعين أسبوعًا أو اثنين ليتدرب على أصول اللغة‏،‏ ولكن لم يكن مسموحًا أن تدخل الاستديو بالقميص والبنطلون فقط بل لا بد من ارتداء الزى الكامل وتربط الكرافتة وتضع الطربوش على رأسك‏،‏ وكان أستاذنا حافظ عبدالوهاب يقول لنا:‏ إن المستمع أذكى من المذيع، ‏فلا تجعل المستمع يحس أنك لم تحلق ذقنك أو تهذب شعر رأسك ولا تجعله يحس أن حذاءك غير لامع‏،‏ وقلنا له كيف هذا يا أستاذ؟ فقال إذا لم تؤد عملك بنشاط وحيوية، ‏وإذا لم تكن قد راجعت نشرة الأخبار مثنى وثلاثًا،‏ وضبطت وقفاتك وأحسنت تشكيل الكلمات‏،‏ فأنت مذيع مبهدل فى ملبسك ولست على سنجة عشرة كما يقول».‏
ولعله من المفيد ونحن نحتفى برمز رائع من رموز الإذاعة المصرية أن نستدعى ونتذكر عددًا من ملاحظات «فهمى عمر» المهنية ووصاياه لشبابنا من الإعلاميين ومواقفه للتاريخ ذكرها فى تصريحات صحفية:
• كثير من مقدمى البرامج فى التليفزيون يحرك جسمه ويديه كثيرًا، وهذا خطأ لأنه مذيع وليس مؤديًا.
• أستعجب من ظاهرة «المُعد» الذى يقوم بكل شيء بينما لا يعمل المذيع شيئًا! 
•  تراجع الراديو لا يعنى افتقاد الإذاعة لمكانتها لأنها ستظل وسيلة الإعلام الأولى.
• أحمد سعيد تعرض لظلم كبير بسبب بيانات حرب 67 وهو بريء لأنه كان يقرأ ما يرسله مكتب الوزير.

• وقعت حرب أكتوبر أثناء تعليقى على مباراة بين الترسانة والمحلة وفوجئنا بشخص من جمهور الدرجة الثالثة يخترق الملعب وهو يصيح «الحرب قامت ... رفعنا العلم».
• لقد فتحت الإذاعة أبوابها لكل الفنانين والمبدعين للتعبير عن فرحتهم وليس صحيحًا أننا منعنا دخول بليغ ووردة لتسجيل أغنية «الربابة» لعدم وجود ميزانية، بل دفعت الإذاعة كل مستحقات الفرقة.
• عشت لحظات حصار بورسعيد على الطبيعة أثناء العدوان الثلاثى، وساعدنى المقدم إسماعيل على فى تدبير خيمة للنوم، لأكتشف أنه نفسه المشير أحمد إسماعيل القائد العام للقوات المسلحة ووزير الحربية المصرى خلال حرب أكتوبر.
•  بسبب ارتباكى وأنا أقدم حفل أم كلثوم قلت لجمهور الإذاعة: «الآن أيها الستارة تنفرج السادة عن أم كلثوم !!».
• كنت نائبًا بمجلس الشعب المصرى لكنى لم أجد نفسى إلا كإعلامى، وكرهت السياسة بعد مقتل ابنى.
تحية لإذاعتنا المصرية ورموزها وصناع إبداعاتها التاريخية الرائدة.

.‫[email protected]