رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاختيار.. واستضاءات إعادة الوعى

يقول العارف بالله حقًا، وبجوهر الدين، عبده الفقير عرفات:
أنا ما أعرفش حاجة
كل اللي أعرفه إن اللي يحب ربنا يحبه
وإن فلوس الجامع.. الفقير أولى بيها
وإن القلب له وضوء زي ما فيه وضوء لليدين والراس وللرجلين
واللي ينفع الناس هوه اللي يخدمهم واللي تحتيهم مش اللي فوقيهم
وإن اللى ما عايزش تدّوه
واللي عايز ويطلب بعّدوه
واللي ينصح الناس بالفقر وهوه غني يبقى شيطان
واللي شاغل نفسه مين قاعد مع مين
ومين قال إيه
ومين لبس إيه
يبقى ناقص أدب
وإن ربنا رحيم
ربنا رحيم (يبكي)
هوه حنان منان كبير
ما عينساش حد
هوه اللي يغفر للمذنبين
وأنا أولهم
هكذا ــ وببساطة ــ عرف الكاتب والسيناريست البارع "عبدالرحيم كمال" العلاقة بين الخالق والمخلوق كما ينبغي أن تكون في عمله الدرامي المعروض حاليًا "جزيرة غمام" على لسان "عرفات" الذي لعب دوره الرائع "أحمد أمين".. وهو ما يكشف المعاناة من القيم السلبية التي خلفتها قوى وتيارات التشدد الديني وجماعات الشر وجرائمهم..
ذكرني ذلك المشهد الرائع بطفل فيلم "بحب السيما" والكاتب والسيناريست المتميز"هاني فوزي".. بطل الفيلم "نعيم عدلي" طفل مسيحى فى السادسة من عمره في حقبة الستينات يحب السينما؛ لأنه يعشق كأي طفل الحكي والإبهار والحركة والإثارة الدرامية والإيقاع المتسارع، ولكن والده والذى يجسد دوره "محمود حميده" يمنعه بشدة وغلظة وحسم من ممارسة ما يحب ويهوى، ويفهمه أن مشاهدة السينما ضد تعاليم الدين ومعاداة شيطانية للإيمان الجاد، وأمر لا يحبه المسيح ويغضب من مشاهديها، فكلما كنت متأثرًا بدروس الدين فأنت أكثر إيماناً، الأب يمارس عملية تدين وتلقين ابنه على أن الله نعبده بخوف ووجل أكثر منه حبًا، هلع يصنع مسافة فاصلة بين العابد والمعبود تعيق التواصل الروحاني المأمول، يجذب الأب طفله مهددًا بأن رؤية السينما ستجعله يُشوى في جهنم لتطارده الديدان وتلتهم بقاياه وفتات جسده النتن، ويقتنع الطفل تحت التهديد بأنه في النار، فليمارس إذن ما يحب ومش فارقه!!..
إنها القراءات المتشددة لآيات الكتب المقدسة، والتي تبعدنا عن صورة الله الحنان المنان الغفور الرحيم الطيب الأب والراعي المحب وكل الصور المحفزة لإشاعة حالة حب..
وعليه، كان انتشار مثل تلك المفاهيم التي عرضنا لها في العملين الدراميين وحالة تراجع الوعي بالقيم الدينية والثقافية، وهو ما حاول ونجح بالفعل فريق صناعة دراما "الاختيار" في  كشف تلك الحالة من اعتلال الوعي الجماهيري والتي بات من الضرورة التعافي منها بعد أن وصل الأمر إلى التساهل في أمر الدفع بأهل الشر لدخول البرلمان بـ88 عضوًا، ثم اعتلاء كراسي الحكم، حتى كانت ثورة 30 يونيو المجيدة وإسقاط حكم المرشد بأمر الشعب، وصحوة إعادة الوعي، وإن كان وما زلنا نعاني من تبعات ما زرعه أهل الشر من بشاعات تمثلت في نشر مفاهيم مغلوطة في جنبات الشارع المصري، بل للأسف في عمق تربته الطيبة على مدار الحقب الأخيرة..
ولاشك أن إعمال مفاهيم التنوير ليس فقط لتصويب الخطاب الديني والثقافي، فإن ما كشفته الحلقات من نوايا ذلك الكائن الديناصوري الإخواني، يكشف لنا العديد من المخططات الشاملة لهدم الاقتصاد والأمن القومي والإضرار بحالة الانتماء والولاء للوطن، والعمل على تراجع الاعتزاز بالهوية، وضرب حالة الاندماج الوطني والسلام الاجتماعي، والكشف عن مدى خطورة العمل السياسي بمرجعيات دينية قشرية يدعي أهل ذلك الكيان السرطاني أنها ثوابت الدين..
وهو ما أدركه الرئيس عبدالفتاح السيسي وعرضته الحلقات منذ أول لقاء مباشر مع قيادات ورموز تلك الجماعة الخائنة بشكل توثيقي، وما أوجزه في كشف نواياهم في عبارة "إنتم يا تموتونا يا تحكمونا"، وأعتبرها كمشاهد للعمل أول رسالة كاشفة وتلتها العديد من الرسائل التي أكدت على أهمية تخليص الكيان المصري الوطني من آثار وجودهم المجرم والخبيث في منظومات الاقتصاد والتعليم والتربية والثقافة والإعلام، وإلى حد نفاذ فكرهم المضل وثقافاتهم الهادمة بين عناصر في الجيش والشرطة (ولعلنا لا ننسى تعليق الرئيس في هذا الصدد أن لدينا من تلقيا نفس التعليم والتدريب، أحدهما  صار"المنسي" البطل الوطني والآخر "عشماوي" الضال المُضل الخائن) !!
وعليه، تنبهنا حلقات "الاختيار" لأهمية تضافر كل القوى المعنية بدعم الوعي التنويري، بداية من الأسرة المصرية التي يجب أن تساهم بشكل حقيقي وفاعل في إقامة جسور تواصل للطفل مع بيوت الإبداع والتثقيف والتنوير.. والتواجد في بيوت الثقافة والفنون ومعارض الفنون التشكيلية وقاعات العزف الموسيقي وندوات الشعر والإنتاج الفكري، وتنويع مصادر معارفه الآمنة وبشكل خاص في مجال دعم الوعي الديني المستنير والدروس الروحية التي تصل بفلذات الأكباد إلى حب الله لا الخوف منه..
ولا بد من مقاومة كل ما من شأنه إقصاء أولادنا عن محيطهم الثقافي، بينما نتابع ذلك الهجوم المجنون والمتدافع لوسائل التواصل الحديثة التى تحولت إلى وسائل للانفصال الاجتماعي، وليست وسائل للتواصل الاجتماعى، ولم يتم التعامل المثمر مع الزوايا الإيجابية لتلك الوسائط في دعمها لحرية الحوار والتفكير، وتشكيل خصوصية لمستعمليها لكي تلعب دورها كمحفزة للإبداع..