رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب «يوميات الاختيار 16»: الخفى والمعلن فى علاقة الإخوان بـ٣ محاولات لاغتيال ياسر برهامى

محمد الباز
محمد الباز

يرصد ضابط المخابرات الحربية خلية نوعية تخطط لاغتيال القيادى السلفى ياسر برهامى، يتجه مع أفراد قوته إلى الإسكندرية لمحاصرة الخلية والقبض على عناصرها، لكن القوة تصل إلى الشقة التى كانوا يقيمون فيها لتجدها خالية تمامًا، لكنهم يعثرون على صور مختلفة لبرهامى. 

ما أجمله مسلسل «الاختيار ٣» فى حلقته الـ١٦، يمكننا أن نجده مفصلًا فى أوراق القضية ١٤٨ عسكرية، والتى تضم ما يقرب من ٣١٠ متهمين ينتمون إلى خلايا بايعت تنظيم داعش وعملت على تحقيق أهدافه وتنفيذ عملياته فى مصر.

فى أوراق هذه القضية نقرأ اعترافات المتهم محمد طارق محمد حافظ الذى كان طالبًا بالمعهد العالى للسياحة والفنادق قبل انضمامه لتنظيم داعش. 

كان الاسم الحركى لمحمد طارق داخل تنظيم داعش هو «أبووصال»، وكان تعاطفه مع تنظيم الإخوان بعد فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة هو دافعه للانضمام إلى داعش. 

بحث «أبووصال» عن طريقة سهلة تمهد طريقه إلى التنظيم، ذهب إلى القنصلية التركية ليحصل على تأشيرة سفر تمكنه من العبور عبر تركيا إلى داعش فى سوريا، وهناك قابل «أبوسفيان» الذى كان يسعى هو الآخر إلى الحصول على تأشيرة لتركيا، لكن موظف القنصلية شك فيه ورفض منحه التأشيرة، لأن جواز سفره كان مدونًا به أنه طالب رغم كبر سنه. 

بعد أيام وجد محمد طارق «أبوسفيان» يتواصل معه هاتفيًا، ويخبره بأنه تعرف على تاجر كبير اسمه خميس النمر يمكن أن يمولهما ويساعدهما فى السفر إلى سوريا للجهاد. 

قبل أيام من سفر محمد طارق إلى سوريا عرف أن هناك من يقوم بتمويل عمليات لتنظيم داعش فى مصر، وعليه فيمكنه أن يجاهد- كما يعتقد- ضمن التنظيم هنا دون أن يضطر إلى السفر. 

تعرف محمد طارق على عبدالله النمر، الذى كان اسمه الحركى «قناص الدولة»، وكوّنا معًا معسكرًا أطلقا عليه اسم «معسكر الغرباء». 

فى معسكر الغرباء، وكما اعترف محمد طارق، كانت هناك أقسام عنقودية، اشترك معه فى القيادة هيثم عبدالعزيز واسمه الحركى «قسورة المصرى»، وقام برصد المواقع المستهدفة عمرو وضاح واسمه الحركى «أبووضاء»، أما «أبوسفيان» فكان دوره غير التنفيذ إرسال الفيديوهات المصورة للعمليات إلى تنظيم داعش ليعيد بثها عبر منصاته الإعلامية، وقد استعانت هذه الخلية بمتخصص فى المونتاج لتجهيز الفيديوهات، وهو محمد رحال الذى قامت الخلية بتجنيده عبر «فيسبوك». 

قامت هذه الخلية بتنفيذ عمليات زرع عبوات ناسفة فى منطقة العوايد والعامرية، واستهدفت بذلك دوريات أمنية، كما رصدت مبنى مكتب بريد فى الإسكندرية، لكنها فشلت فى تفجيره، كما سبق وفشلت فى استهداف الدوريات الأمنية. 

من بين ما فشلت فى تنفيذه هذه الخلية أيضًا كانت عملية اغتيال ياسر برهامى. 

تولى تنسيق هذه العملية مع محمد طارق عضو تنظيم داعش مصطفى البتانونى، الذى كان اسمه الحركى «أبوعمر». 

يقول «أبووصال» فى تحقيقات القضية: كلمنى «أبوعمر» من سوريا، وأعطانى مواعيد ياسر برهامى، وعرفنى على طبيعة دروسه الدينية ومواعيدها فى المسجد، وقال لى إنه سيصلى العيد قريب مننا، وطلبت منه أن يوفر لى موتوسيكل لتنفيذ العملية. 

بالفعل وفّر «أبوعمر» لمحمد طارق كل ما يحتاجه لتنفيذ عملية اغتيال ياسر برهامى، وأرسل له ١٤ ألف جنيه، لكن العملية فشلت. 

كانت أجهزة الأمن قد رصدت نشاط الخلية، ووضعت يدها على مخطط اغتيال برهامى بالفعل، وتواصلت معه وأطلعته على المعلومات، وطلبت منه ألا يغادر بيته، الذى ظل فيه بالفعل لأسبوعين متواصلين، ولم يخرج منه إلا بعد أن عرف أن الخلية فشلت فى استهدافه وأنها تخطط لعمليات أخرى. 

لكن لماذا حاول داعش اغتيال ياسر برهامى؟ 

المعلن، وكما جاء فى تحقيقات القضية ١٤٨ عسكرية، أن التعليمات صدرت من قيادات التنظيم إلى أعضاء خلية الإسكندرية لأن برهامى كما قيل لهم كان يحارب فكر الدولة الإسلامية ولم يفدها بشىء مما يتمتع به. 

من واقع مشاهد «الاختيار ٣» التى وثّقت فشل خلية الإسكندرية فى محاولة اغتيال برهامى، يمكننا أن نفهم أن الرغبة فى قتل القيادى السلفى كانت متمكنة من داعش لأنه لا يفيده بشىء، ولعل المقصود بذلك أن برهامى كان يمكنه أن يقنع كثيرين بالانضمام إلى تنظيم الدولة، لكنه تقاعس عن ذلك، بل على العكس هاجم فكر التنظيم بما صرف عنه من يفكرون فى الانضمام إليه من أبناء الحركة السلفية. 

تقصير ياسر برهامى رصده تنظيم داعش. 

لكن كان هناك آخرون يدعمونه، وهناك معلومات موثقة بأن شبابًا مصريين كثيرين انضموا إلى داعش بعد تزكية من أبوإسحاق الحوينى ومحمد عبدالمقصود، فلم يكن التنظيم يقبل انضمام جدد إليه من مصر إلا بعد أن يطمئن بأن الحوينى وعبدالمقصود وافقا وتأكدا من أن هؤلاء الشباب يصلحون. 

لكن يظل لدينا سؤال مهم، وهو: أين كانت جماعة الإخوان من هذه المحاولة؟ 

أعتقد أن الجماعة لو عرفت بأمر هذه المحاولة، فإنها حتمًا كانت ستباركها. 

ولو لم تعرف بها وقدّر لها أن تنجح، فإن الجماعة كانت ستفرح حتمًا باغتيال ياسر برهامى الذى لم يكن على وفاق مع محمد مرسى والإخوان فى الشهور الأخيرة لحكم الجماعة، بل فضح محاولتهم تكوين حرس ثورى بديلًا لوزارة الداخلية، وفضح الأمر. 

لم تكن خلافات ياسر برهامى مع جماعة الإخوان دينية على الإطلاق، كانت سياسية، وهو ما يجعلنا نعتبر أن الصراع الذى دار بينهما كان دنيويًا بامتياز ولا مكان فيه لا للدين ولا للآخرة. 

قد لا يكون لجماعة الإخوان دور ولا علم بما جرى فى محاولة اغتيال ياسر برهامى الأولى، لكن شباب الجماعة كان لهم الدور الأكبر فى محاولة اغتيال برهامى الثانية. 

نحن الآن فى نهايات العام ٢٠١٣، تم الانتهاء من كتابة الدستور، وتم تحديد الاستفتاء عليه خارج البلاد يومى ٨ و٩ يناير وداخل البلاد يومى ١٤ و١٥ يناير ٢٠١٤. 

كانت الجماعة السلفية تتبنى الموافقة على الدستور والتصويت بنعم، واجتهدت فى عقد مؤتمرات حاشدة لدفع الناس إلى تأييد الدستور، استفز ما فعله السلفيون جماعة الإخوان، وبدأت معركة إلكترونية بينهما عبر صفحات التواصل الاجتماعى، حيث تبادلا الاتهامات والشتائم. 

المشاجرة الإلكترونية بين الإخوان والسلفيين لم تكن كافية، حيث قام مجموعة من شباب جماعة الإخوان بمحاصرة منزل ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، وهددوه بالقتل إن لم يتوقف عن دعم الدستور. 

لم يكن تهديد شباب الإخوان بقتل برهامى عندما حاصروا منزله مجرد تهويش بالكلام، فقد وصلت للأجهزة الأمنية معلومات عن محاولة لاغتيال برهامى فى مؤتمر تعقده الدعوة السلفية فى المنوفية، لكنهم أجهضوا المحاولة بإجراءات مشددة حالت دون وصول شباب الإخوان إليه. 

المحاولة الثالثة لاغتيال ياسر برهامى كانت فى العام ٢٠١٧، وقتها لاحظ المتابعون لنشاط الدعوة السلفية أن نائبها اختفى لما يقرب من شهرين، لم يخرج من بيته، ولم يبث دروسه، ولم يستقبل أحدًا، وأشارت المعلومات وقتها إلى أن برهامى تلقى تهديدات بالاغتيال، وأن اختفاءه كان لحمايته. 

لم يكن ياسر برهامى يتمنى بالطبع أن تفشل تجربة الحكم الإسلامى- كانوا جميعًا ينظرون إلى وصول الإخوان إلى الحكم على أنه بداية الحكم الإسلامى بالفعل- لكنه كان يرفض حكم جماعة الإخوان وما فعلوه بعد أن وصلوا إلى السلطة، ولذلك عمل على إنهاء هذا الحكم ولم يسانده. 

لقد حاولت جماعة الإخوان الاستعانة بالسلفيين فى الشهور الأخيرة التى سبقت إسقاط مرسى، وذهب محمود عزت مع وفد من أعضاء مكتب الإرشاد، وجلس إلى ياسر برهامى ورفاقه، وطلب منه أن يساند الجماعة، لكنه رفض.

وفى مذكراته التى حذفها من على موقعه «أنا السلفى»، يوثّق برهامى هذا الاجتماع الذى قال للإخوان فى نهايته: لقد توسعت العداوة حتى أصبحت مع كل قطاعات المجتمع، وهذا لم يفعله الرسول، صلى الله عليه وسلم، قط فى سيرته، فرد عليه عزت: نحن نتوكل على الله وننتظر المدد من السماء، فقال له برهامى: والتوكل على الله لا ينافى الأخذ بالأسباب، ولا يمكن أن نتمكن من قيادة بلد نعادى كل من فيه. 

ويضيف برهامى: فى الأسبوع التالى لهذا الاجتماع تمت الدعوة لمليونية رابعة العدوية، وبدأ الاعتصام المأساوى. 

لا يزال مسلسل «الاختيار» يضع بين أيدينا خيوطًا كثيرة لأحداث جرت ولم يكن الكثيرون يعرفون عنها شيئًا، فنحن لسنا أمام مسلسل درامى، بقدر ما نشاهد عملًا نقوى به ذاكراتنا الوطنية ونحافظ عليها.