رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم .. السيدة خديجة بنت خويلد

السيدة خديجة بنت
السيدة خديجة بنت خويلد

حظيت السيدة خديجة قبل الإسلام بعدة ألقاب ذات طابع ديني، فهي سيدة نساء قريش، سيدة قريش، ولقبت أيضًا بالطاهرة.

كانت السيدة خديجة من أقارب أسد بن العزى من قريش الذي ظهرت فيه النصرانية وتعمق في دراستها بعض أبنائه ومنهم القس "ورقة بن نوفل " والبطرك " عثمان بن الحويرث" والسيدة قتيلة أخت ورقة بن نوفل التي سميت بالكاهنة والثلاثة أبناء عمومة للسيدة خديجة، وقد ربطت السيدة خديجة بالكاهنة وورقة بن نوفل علاقة وطيدة. 

كان "ورقة بن نوفل" واحدًا من أهم شخصيات تيارالحنيفية الذين رفضوا التعددية الإلهية وآمنوا بالتوحيد واختار النصرانية وقرأ في التوراة والانجيل وتعلم اللغة العبرية.

كانت السيدة خديجة ابنه عم "ورقة" وعلى صلة وثيقة به، وكانت هناك زيارات متبادلة وكانت تقرأ وتكتب وتستوعب أسفار التوراة والانجيل وتحفظها في الذاكرة، وكلها كانت تبشر بقدوم رسول جديد. 

كانت خديجة ترسل الرجال في تجارتها إلى الشام واليمن وكانت دائمة التدقيق فيمن تختاره حتى تضمن سلامة أموالها وعظيم ربحها فلما بلغها من صدق حديث محمد بن عبد الله وعظم أمانته وكرم أخلاقه، تذكرت عندما كانت تجلس مع نساء أهل مكة يوم اجتمعن في عيد لهنَّ في الجاهلية، فتمثل لهن رجل فلما قرب نادى بأعلى صوته: يا نساء تيماء إنه سيكون في بلدكن نبي يقال له أحمد يبعث برسالة الله فأيما امرأة استطاعت أن تكون زوجًا له فلتفعل، فأرسلت إلى محمد بن عبد الله تطلب منه أن يعمل في تجارتها ، وقالت : أنا أعطيك ضعف ما أعطي رجلًا من قومك.

 فخرج مع غلام خديجة ميسرة، وأوصته أن يقوم على خدمته وألا يخالف له أمرًا وأن يرصد لها أحواله، فلما قدما "بصرة" من الشام، نزلا في ظل شجرة، فقال نسطور الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي، ثم قال لميسرة: أفي عينيه حمرة قال ميسرة: نعم لا تفارقه، قال: هو نبي، وهو آخر الأنبياء ثم قال لميسرة: هذا والله نبي تجده أحبارنا منعوتًا في كتبهم.

 وكان ميسرة إذا اشتد الحر يرى ملكين يظلان الرسول من الشمس، فوعى ذلك كله، وكان الله قد ألقى عليه المحبة من ميسرة، فكان كأنه عبد له، وباعوا تجارتهما وربحا الضعف .

ودخل محمد مكة في ساعة الظهيرة فاخبر السيدة خديجة بما ربحا في التجارة فسرت بذلك كثيرًا، ثم  دخل عليها ميسرة فأخبرها بما قال الراهب نسطور.

عندما عزمت السيدة خديجة على الزواج من محمد بن عبد الله بارك ورقة بن نوفل الزواج وتحمس له وكان حريصًا على حضور مجلس العقد.

كانت خديجة أول امرأة يتزوجها الرسول - صلى الله عليه وسلم – في حياته وأنجب منها ستة أبناء: أربعة بنات هن زينب أكبرهن وتزوجت من أبي العاصي بن الربيع بن عبد شمس ابن خالتها، ورقية وأم كلثوم وتزوجتا من عبتة وعتيبة ابني عم الرسول وهما أخان، أمرهما والدهما أبو لهب بتسريحهما بعد إسلامهما فتزوجهما عثمان بن عفان الواحدة بعد الأخرى، فتزوج رقية أولًا وبعد وفاتها تزوج أم كلثوم، وفاطمة تزوجت من ابن عمها علي بن طالب وبذلك تزوجت بناته الأربعة في حياته، وولدان هما القاسم وعبد الله ولقبه الطاهر ولحكمة إلهية توفى الذكور وهما في حجر أمهما خديجة ولم يتبق له إلا أربع بنات.

كانت خديجة أول من علم بالسر الإلهي بعد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بعدما نزل جبريل بوحي على الرسول، وقد هدأت خديجة من الرهبة والخوف في نفس الرسول الكريم، وقالت له: "الله يرعانا يا أبا القاسم، أبشر، واثبت فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة والله لا يخزيك أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل أي تجبر الضعيف وتكرم الضيف وتعين على نوائب الحق".

 ومن شدة حب السيدة خديجة لزوجها وحب الرسول عليه الصلاة والسلام لها أنها قد وضعت كل ثروتها في خدمة الدعوة، وقد كانت أول من آمن بالإسلام من النساء وكذلك فعل أبو بكر الصديق فقد وضع كل ثروته التي يقدرها البعض بأربعين ألف درهم وترك تجارته من أجل الدعوة وكان أول الرجال الذي آمنوا بالإسلام.

كان زواج الرسول – صلى الله عليه وسلم – من السيدة خديجة له حكمة في سن الخامسة والعشرين وهي في الأربعين رغم أن ذلك مخالف للمألوف وقتها، فالمألوف أن الرجل يحب أن يتزوج بمن هي أصغر منه ولكن هدف الزواج من السيدة خديجة لم يكن لمجرد المتعة، فلم يكن زواجًا عاديًا بل كان زواجًا أعده الله بترتيبه ليخلق السكينة والهدوء النفسي والاستقرار للرسول عليه السلام، في الفترة الانتقالية التي سيمر بها من بشرية عادية إلى بشرية تتلقى الوحي من الله.

 وهذا التغير الكبير في حياة الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان يحتاج إلى زوجة لها نضج عقلي وحكمة حتى لا تزعج الرسول في الفترة الانتقالية، فلو كانت زوجته فتاة صغيرة لما قبلت اعتكافه الدائم بالغار ولم يكن عقلها يستوعب عودته من الغار وهو يرتجف بعد نزول الوحي لذلك عندما أخبر الرسول – صلى الله عليه وسلم – خديجة بما حدث له في الغار قائلا: "إني أخاف أن يكون الذي يأتيني رئبًا من الجن" فقالت له: "إنك لتصل الرحم وتكسب المعدم وتعين على نوائب الحق والله لا يخزيك الله أبدًا"

 لقد كانت خديجة نعم الصدر الحنون للرسول والعقل الناضج في استيعاب ما يحدث حولها، وكان الرسول – صلى الله عليه وسلم – إذا ذبح الشاه يقول: "أرسلوا إلى أصدقاء خديجة" ، فقالت عائشة لقد ذكرت ذلك للرسول – صلى الله عليه وسلم – فقال: "إني أحب حبيبها".

وإذا كانت هناك مقولة تقول: "إن وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة" فهذه المقولة تنطبق على السيدة خديجة التي أعانته في الجاهلية على الحياة الطاهرة النقية بعيدًا عن أقرانه من الشباب حيث الخمر والميسر واللهو والشهوات، هيأت له الجو المناسب من حياة التأمل في غار حراء وكانت له عونًا ترعاه أثناء توجهه إلى الغار، ذلك كان قبل الرسالة، أما بعد الرسالة كانت ملاك الرحمة والملاذ لمتاعب الرسول في الحياة وشاطرته متاعب الدعوة.

وقد عاشت السيدة خديجة مع الرسول - صلى الله عليه وسلم – لمدة أربعة وعشرين عامًا لأنها تزوجت منه عام 595م وتوفيت في عام 619م لم يتزوج عليها وعاش معها وفيًا مخلصًا حتى آخر يوم في حياتها.

 وحتى بعد وفاتها كان الرسول - صلى الله عليه وسلم – يذكرها بالثناء والعرفان بالجميل، فقد قال فيها: "لا والله ما أبدلني الله خيرًا منها، وقد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذا كذبني الناس، وواستني بمالها إذا حرمني الناس، ورزقني الله ولدها إذ حرمني أولاد النساء".

وروى أبو هريرة: «قال رسول الله: خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية ابنة مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد»

 وأتى جبريل عليه السلام إلى النبي مرة فقال: «يا رسول الله، هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربّها عزّ وجل ومنّي، وبشّرها ببيت في الجنّة من قصب لا صخب فيه ولا نَصَب».