رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رحلة فى مذكرات راشد الغنوشى.. كيف فشل فى مغازلة الليبراليين والعلمانيين واليساريين؟

جريدة الدستور

في مذكرات راشد الغنوشي والمعنونة بــ"من تجربة الحركة الإسلامية في تونس"، نجد أنه ومع تغير وجهة الغنوشي من ألبانيا إلي سوريا تغيرت خططه الدراسية واختار مادة الفلسفة ليدرسها في جامعة دمشق واختيار الغنوشي للفلسفة التي برع فيها أثناء المرحلة الثانوية، حيث كان يجادل مشايخه حول قضايا الوجود الإلهي واليوم الآخر، ويسلط الشك من وراء دراسته لبعض نظريات الفلسفة، في السنوات التي قضاها الغنوشي في دمشق من١٩٦٤ ٕإلى ١٩٦٨ كان حكم البعث ما زال في بدايته لم يتمكن بعد ولم تزل سوريا تعيش بقايا المرحلة الليبرالية، صحيح أنه لم يكن هناك برلمان ولكن كانت ملامح المجتمع المدني واضحة وكان تراث الليبرالية سائدًا.

فقد عرف عن السوريين ولعهم بالحرية حتى أطفال المدارس كانوا يقومون بمظاهرات ويخوضون في مجادلات سياسية وثقافية حامية فيما بينهم، فلقد كان المجتمع السوري مُسيسًا جدًا ولم يكن حكم البعث قد احتوي المجتمع بعد وكانت الجامعة مسرحا لذاك الحراك السياسي، حيث اعتنق الغنوشي الفكر القومي وانضم للحزب الاشتراكي:"وكان يدور من جهة أخرى صراع شرس بين التيار القومي العلماني عامة وبين التيار الإسلامي الذي كان تيارًا قويًا في وسط الجامعة، وكان يوجد في مركز جامعة دمشق مسجد يحتل موقعا جميلًا جدًا في وسط الحديقة وكان يقوم بدور كبير في توجيه الطالب عبر نشر الكتيبات الإسلامية وعبر الدروس والمناقشات، وكان خطيب المسجد أستاذا معروفا هو أديب صالح الذي كان يصدر يومئذ المجلة الشهيرة "حضارة الإسلام" كما كان هناك أساتذة مشهورون منهم د. سعيد رمضان البوطي ود. وهبة الزحيلي.

وكان الحوار محتدمًا حول موضوعات شتى من أهمها الموضوع الفلسطيني، وما السبيل إلى مقاومة الكيان الصهيوني واستعادة فلسطين، أما الإسلاميون فكانوا يؤكدون أنه لن تتحرر فلسطين إلا بالإسلام والعودة إلى نظامه بإقامة الدولة الإسلامية الجامعة، وأما الآخرون فكانوا يتحدون هذه الأطروحة، مؤكدين أن الطريق إلى فلسطين يمر بتوحيد العرب والقضاء على الأنظمة الرجعية وإقامة المجتمع الاشتراكي، كما كان الموقف من الغرب موضوعًا مهمًا، وكان الطرف العلماني يرى الغرب في صورته الاشتراكية مثالًا أعلى ومنتهى ما توصلت إليه الحضارات الإنسانية، على حين كان الإسلاميون يجتهدون في إظهار عورات الحضارة الغربية وتتبع أمراضها والتبشير بسقوطها، مؤكدين أن الغرب- بشقيه الرأسمالي والاشتراكي- عملة واحدة وأنه حليف للصهيونية وكارثة على المصير الإنساني، فلا بد من التباين معه والاستقلال الكلي عن منظومته ونموذجه، خاصة الوجه الشيوعي الملحد منه.

إلا أن محاولة الغنوشي مغازلة الليبراليين والعلمانيين وتيار اليسار في مجمله باءت بالفشل خاصة مع هزيمة ١٩٦٧ فانضم إلي جماعة الإخوان المسلمين:"وفي بحثنا عن البديل كنا نلتقي مع جملة من التيارات الإسلامية الموجودة على الساحة، كان منها تيار الإخوان المسلمين، وجماعة الشيخ ناصرالدين الألباني، وبعض المشايخ، الذين كانت لهم نشاطات في دمشق،وفي النهاية اطمأنت نفسي تمامًا إلى فساد المنهج القومي وإلى أن عروبة المشرق غير العروبة التي عرفتها في بلادي، واطمأن قلبي تمامًا إلى الإسلام بديلًا عن العروبة يحتويها ويعزها ويتجاوزها، وأدركت في الوقت نفسه أن الإسلام الذي نشأت عليه ليس هو الإسلام الصحيح، وإنما كان إسلامًا تقليديًا بدائيًا مخلوطًا بمواريث عصر الانحطاط، لا يمثل رؤية عامة للكون والحياة ولا نظامًا شاملًا للحياة، وإنما مجرد تدين تقليدي شخصي وخالص فردي بعد الموت، ولذلك اعتبرت نفسي أني لم أكن مسلمًا حقًا، وكان عليّ أن أتخذ قرارًا بدخول الإسلام بعد أن تيقنت أن ما كنت عليه ليس هو الإسلام وإنما تقاليد وعادات وشعائر لا تحمل أي منهاج حضاري أو نظاما للحياة".