رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«كرداسة».. ثورة يونيو ونهاية 90 عامًا من حكم الإخوان

جريدة الدستور

أحداث اقتحام قرية كرداسة، الواردة في الحلقة السابعة من مسلسل "الاختيار 2"، أعادت للأذهان مرة أخرى حادثة سابقة، لاقتحام قوات الجيش المكان للقبض على إرهابيين، في واقعة اشتهرت في أدبيات تنظيم الإخوان باسم "عروس كرداسة"، حدثت عام 1965، بعد تعدي أهالى القرية على ضابط من الشرطة العسكرية، ونتيجة الضرب سقط مغشيا عليه فظنوه قتل، عندها حضر عمدة القرية وقال في حشد من الناس بصوت يائس: "خربت كرداسة".

"كرداسة"، القرية الواقعة شمال محافظة الجيزة، شهدت في التاسعة من مساء أغسطس 1965؛ حملة موسّعة من الشرطة العسكرية، للقبض على جميع الأسماء التي ذكرها علي عشماوي، عضو تنظيم الإخوان، في اعترافاته الخاصة بقضية تنظيم 1965، الساعي إلى إعادة إحياء تنظيم الإخوان من جديد، وكانت أسرة النقباء في قرية كرداسة، من تلك الأسماء التي ذكرها عشماوي، وعلى رأس الأعضاء فيها، سيد نزيلي محمد العوضية، وأحمد باوة، وجابر رزق الفولي.

في نهاية الشارع، الذي يبعد مسافة كيلو متر واحد عن منزل سيد نزيلي، ترجّلت الشرطة العسكرية من السيارات، وفي الطّريق، لفت انتباه الناس أنّ مجموعة من الغرباء يسيرون في الشارع، يرتدون زيًّا مدنيًا، يسألون عن سيد نزيلي، في البداية، ظنّوا أنّهم رجال جاءوا مباركين، لنزيلي وزوجته فوزية عبد المجيد عبد السميع، فقد عقد قرانهما منذ تسعة أيام خلت، في الثاني عشر من أغسطس 1965، إلّا أنّ الشرطة التي لم تجد نزيلي في منزله، فاصطحبت زوجته معها، حتّى يسلّم زوجها نفسه.

في كتابه "الإخوان وعبد الناصر القصة الكاملة لتنظيم 1965"؛ كتب أحمد عبد المجيد عبد السميع تفاصيل الحادثة، مشيرًا إلى أنّ قوات الشرطة العسكرية دخلت القرية مرتدية زيًّا مدنيًا لا يفصح عن هويتها، ما ألقى الريبة في نفوس أهالي القرية، فاعتدوا عليهم بعد أن شاهدوهم يقتادون زوجة نزيلي عوضية، وهي لم تزل عروسًا في أسبوعها الأول؛ فقد ظنوا أنّهم لصوص يخطفون الزوجة.

إثر المواجهات، أصيب أحد الضبّاط، وفرّ آخرون، وبعد مرور أقل من ساعة على الاشتباكات، حوصرت كرداسة، بالطائرات الحربية والمدرعات؛ بحثًا عن سيد نزيلي وعروسه، في الموقعة التي سطّرت لها أدبيات الإخوان باسم "عروس كرداسة".

ولد نزيلي العوضية في 8 مارس عام 1938، بقرية كرداسة، وتدرج في مدارسها حتى التحق بالجامعة، وحصل على ليسانس الآداب في علم الإجتماع. وفي يناير عام 1976، سافر إلى المملكة العربية السعودية ليعمل مديرًا للنشاط الطلابي بالجامعة الإسلامية لمدة عشر أعوام.

التحق نزيلي العوضية بتنظيم الإخوان عام 1952، على يد إبراهيم عبد الفتاح خليفة، وجابر رزق الفولي، وظلّ يترقّى إلى أن نال عضوية مجلس شورى الإخوان، وكان مرشّح تنظيم الإخوان في انتخابات مجلس الشورى عام 1989، عن دائرة الجيزة. وأصبح أيضًا مسئول المكتب الإداري للتنظيم بمحافظة الجيزة، حتى أحداث يناير 2011 في مصر، غير أنّ القرية التي أصبح أحد أبنائها مسئول الإخوان في أكثر المحافظات نفوذًا للتيار الإسلامي، حدث وأن أخرجت آخرين، كان لهما النصيب الأوفر في طريق التيار الإسلامي إلى داعش!

شعبة كرداسة
كتب عضو جماعة الإخوان، ابن قرية كرداسة، جابر رزق، في كتابه "مذابح الإخوان في سجون ناصر": "إنّ دعوة الإخوان وجدت طريقها إلى القرية، في النصف الأول من القرن العشرين، عندما حضر البنا إلى كرداسة مؤسسًا شعبة الإخوان فيها، وكان نائب الشعبة عثمان عبد الرحمن عثمان، لتصبح واحدة من أكبر شعب الإخوان في مصر"، بحسب ما أورد جابر رزق في كتابه، كرداسة شعبة تتبعها ثماني قرى صغيرة، مثل قرى: ناهيا، وأبورواش، وكفر حكيم، وكفر غطاطي، وبني مجدول.

عن قرية أبورواش يحكي جابر رزق الفولي، في كتابه، كيف كانت تستخدمها الجماعة لتدريبات النظام الخاص، لتميزها بصحراء شاسعة، وجبال تجعل المكان هو الأنسب لمثل تلك التدريبات.

أما عن مؤسس شعبة الإخوان في كرداسة، عثمان عبد الرحمن عثمان، فلا توجد معلومات كافية عنه، غير أنّ الاسم نفسه ذكر ضمن القضية الشهيرة "السيارة الجيب"؛ عندما قبض على مجموعة من أعضاء النظام الخاص "التنظيم المقاتل للجماعة" بطريق الصدفة، في تشرين الثاني "نوفمبر" 1948، ومعهم مجموعة وثائق لعمليات الإخوان المسلحة، وكان من بين من قبض عليهم، الطالب في كلية الحقوق عبد الرحمن عثمان عبد الرحمن، ورغم عدم وجود أيّ ذكر في أرشيف الجماعة لمعلومات توضح هل هناك علاقة بين عضو النظام الخاص ومؤسس شعبة الإخوان في كرداسة، إلّا أنّ استخدام القرية لتدريبات النظام الخاص، ربّما يشير إلى أنّ الاسم هو للشخص نفسه.

ولد في كرداسة أيضًا، أحمد عبد المجيد عبد السميع عام 1933، وأكمل مسيرته التعليمية حتى حصل على ليسانس الحقوق، ليعمل بعدها موظفًا في وزارة الحربية، وتزوّج بابنة محمد يوسف هواش، أحد ثلاثة أعدموا في قضية تنظيم 1965 مع عبدالفتاح إسماعيل وسيد قطب، وتزوّجت أخته فوزية "عروس كرداسة" من السيد نزيلي، وتزوجت أخته الثانية أم حذيفة من علي عشماوي، ثم انفصلت عنه بعدما أشاعت الجماعة أنّ عشماوي انشقّ عنها، وأدلى باعترافات كاملة عن التنظيم، ثم تزوجت من عبد الرحمن بارود، الشاعر الفلسطيني، وأحد مؤسسي تنظيم الإخوان بفلسطين، وكان حينها يدرس الآداب في جامعة القاهرة، في منتصف الستينيات من القرن الماضي.

تولّى أحمد عبد المجيد مسئولية قيادة الوجه القبلي، كما تولّى أيضًا مسئولية جمع المعلومات، والاتصال بالإخوان، بمساعدة جابر رزق، في الفترة بين عام 1957 حتى الصدام مع الدولة عام 1965، في محاولات منهم لإعادة إحياء الجماعة من جديد.

عندما قبض عليهم في قرية كرداسة، صدر الحكم ضدّ أحمد عبد المجيد وصهره علي عشماوي بالإعدام، مع سيد قطب، ومحمد يوسف هواش، وعبد الفتاح إسماعيل، غير أنّ الحكم خفِّف بعد ذلك للأشغال الشاقة المؤبّدة، وفي القضية نفسها صاحبهم في السّجن الشيخ عبد المجيد الشاذلي، وقد سبق أن تتلمذ في الإخوان على يد محمد يوسف هواش.

في منتصف السبعينيات، بعد تصالح نظام السادات مع جماعات الإسلام السياسي، على خلفية تدخّل الملك فيصل بن عبدالعزيز ملك السعودية، خرج عبد المجيد والشاذلي من السّجن. وفي العام 1975، أسس الشاذلي مع أحمد عبد المجيد عبد السميع جماعة "أهل السنة والجماعة"، التي اشتهرت باسم "تيار القطبيين"، وهو غير التيار القطبي الذي سيطر على تنظيم الإخوان المسلمين فى السنوات الأخيرة.
وانطلاقًا من تاريخ 1965، أصبحت قرية كرداسة نقطة التحول الأبرز في تاريخ السلفية الجهادية المعاصر؛ فمنها خرج أحد مؤسسي دعوة "أهل السنة والجماعة"، التي تأثّر بها فى سيناء منتصف الثمانينيات، الشيخ أسعد البيك، الذي قبض عليه بعد ثورة يونيو 2013؛ باعتباره زعيم السلفية الجهادية في سيناء، وكتب عن ذلك الباحث وعضو "الجبهة السلفية"، أحمد فريد مولانا، في بحث نشره المعهد المصري للدراسات التابع لجماعة الإخوان المسلمين، تحت عنوان "من التوحيد والجهاد إلى أنصار بيت المقدس"، لافتًا إلى أنّ البيك كان أحد المقبوض عليهم على خلفية تفجيرات طابا وشرم الشيخ، عامي 2004 2005، التي نفّذتها جماعة "التوحيد والجهاد"؛ فقد كانت دعوته صاحبة التأثير الأكبر في ابن سيناء، خالد مساعدة، مؤسس تنظيم "التوحيد والجهاد"، وهو التنظيم نفسه الذي فرّ أعضاؤه من السجون، بعد أحداث يناير 2011، متوجهين إلى سيناء، ليعيدوا تأسيسه مرّة أخرى، مع آخريين من غزة الفلسطينية، على حدود سيناء، ينتمون للسلفية للجهادية، لكن هذه المرّة أصبح اسم التنظيم "أنصار بيت المقدس"، الذي بايع داعش فى سوريا والعراق عام 2014، "ولاية سيناء".

في التقسيم الإداري لقرى مصر؛ هناك كفور وعزب ونجوع، وهناك توابع أصغر تتبع القرى الأكبر، ومن توابع قرية كرداسة كانت قرى ناهيا، وأبورواش، وكفر غطاطي، وهي القرى الأبرز والأكثر تأثرًا بدعوة الإخوان، وأيضًا كانت تلك القرى حاضنة لجماعات سلفية أخرى، فخرج عبود وطارق الزمر القياديان في الجماعة الإسلامية من ناهيا، ومن أبورواش انطلق الهجوم الأكثر دموية، الذي واجهته الشرطة المصرية بعد ثورة يونيو 2013، حين توجّه سلفيون مسلّحون إلى مقرّ قسم الشرطة في كرداسة، واشتبكوا معهم في معركة انتهت باستشهاد 12 ضابطًا ومجندًا، وكان أحد أبرز المتهمين في اقتحام مركز شرطة كرداسة، عضو جماعة الإخوان، وعضو البرلمان عن التيار الديني، عبد السلام زكي بشندي، ابن زكي بشندي، أحد المتهمين في تنظيم 1965، وأحد أبرز مؤسسي دعوة الإخوان فى كرداسة.

ولأكثر من شهر، أسّس أعضاء التنظيمات الإسلامية في القرية، لجانًا شعبية قامت على إدارة كرداسة، وأقامت الحواجز والستائر الرملية في مداخلها، وانتهت تلك السيطرة في 19 سبتمبر 2013، إثر اقتحام الشرطة وقوات الجيش القرية، وتحريرها من سيطرة الإسلاميين.