رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«تعالى معانا فيه واحد بيشرح لنا أحاديث وغزوات النبي وبيدينا جوائز».. مذكرات شاب إخواني منشق (4)

جريدة الدستور

ينشر «أمان» على مدار سلسلة من الحلقات اعترافات لشباب منشقين عن تنظيم الإخوان الإرهابي، يكشفون فيها كيف انضموا للجماعة وسبب تركهم لها، بالإضافة إلى العديد من الأسرار التي تمكن الشباب من مواجهة فكرهم المتطرف وتحصين أنفسهم من الوقوع فريسة للإرهاب.

وفى الحلقة الرابعة يسرد عبدالمعطى أحمد رجب، المنشق حديثا عن الإخوان، تجربته قائلا: «الجماعة الإرهابية كانت تنظر لمخالفيها من داخل التيار الإسلامي نفسه بأنهم «أمنجية»، فلك أن تتخيل نظرتها تجاه التيارات غير الإسلامية.. فقد كانت مرحلة مليئة بالزيف والادعاءات الكاذبة».. وإلى نص اعترافه كما أرسله لـ«أمان»:

على غرار كثير من أهل القرى والأرياف كانت النشأة في جو أسري محافظ يكسوه الالتزام الديني الفطري، حيث كان والدي، رحمه الله، يعمل بالسعودية، وكان مغرما بسماع بعض المشايخ المشهورين في تلك الفترة كالشيخ عبدالحميد كشك، والشيخ محمد حسان، وكان يقتني الكثير من شرائط الخطب الدينية، وكنا نحب الاستماع إليها ونحن صغار حتى ولو لم نكن نفهم كثيرا من التفاصيل فيها.

وكان والدي، رحمه الله، يواظب على اصطحابنا للمسجد في أيام إجازته البسيطة، وكنا نداوم أنا وإخوتي على هذا الأمر في شهور سفره، وفي إحدى المرات لفت نظري بعض الأطفال الذين لم يتجاوزوا العاشرة من العمر يصطفون في إحدى زوايا المسجد وبينهم أحد الشباب الكبار الذي يقترب عمره من الخامسة والعشرين يتكلم معهم ويضحك وسط أصوات مرتفعة أحيانا ما يثير غضب بعض رواد المسجد، واقترب مني أحد الأطفال وقال لي: "ماتيجي تقعد معانا فيع واحد بيشرح لينا أحاديث وغزوات النبي وبيدينا جوائز".

أثار الموضوع فضولي خاصة أن أعمار هؤلاء تقترب من عمري، ومن بين هؤلاء زملاء لي في المدرسة، وبالفعل وفي إحدى المرات ذهبت للجلوس بينهم، عندها بدأ الشاب المسئول عن تلك الحلقة بتلاوة بعض آيات من القرآن ويتلوها أحد الصغار الموجودين، ثم يتلو القرآن فقرة التعارف، وهي أن يستحضر المسئول الآية الكريمة "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"، ثم يبدأ الأطفال بذكر أسمائهم فردا فردا، يسبق الاسم كلمة "أخوكم في الله فلان الفلاني"، كان عندي رهبة من هذه الجملة، وأذكر أني بدأت تعارفي دونها وذكرت اسمي مجردا دون أي مقدمات، وقتها ابتسم المسئول وشعر بتحفظي فإذا به يحاول أن يزيل رهبتي مستشهدا بقول الله تعالى: "إنما المؤمنون إخوة"، و"وأصبحتم بنعمته إخوانا"، حتى تولد لدىّ إحساس بأن مجرد ذكري كلمة "أخوكم في الله" يعطيني مزيدا من الأجر والثواب.

انتهت الجلسة الأولى وإذا بالمسئول يخرج معي ويصطحبني للتعرف أكثر علىّ عن عائلتي وأسرتي وهوياتي، وكنت وقتها ذكرت له أني أحب كتابة موضوعات التعبير، وقتها طلب مني أن أكتب شيئا وأن آتي به المرة القادمة، وبالفعل كتبت له موضوع تعبير بسيطا، وإذا به ينهال علي بسيل من التشجيع المبالغ فيه، وأعطاني وقتها "باكو" من البسكويت كمكافأة حتى أستمر وأكتب له باستمرار، وسط سعادة من داخلي ونشوة تغمرني والعزم على المداومة معه حتى أتحصل على مزيد من الهدايا.

وهذا كان ديدن المسئول عن جلسة من الأطفال يصطحب دائما هدايا تسعدهم من البسكويت والشيكولاتة، من هنا كانت البداية للالتزام معهم والحرص على الحضور باستمرار والعمل على دعوة مزيد من زملائي لحضور تلك الجلسة.

لم يكن حضور هذه الحلقة الأسبوعية هو العمل الوحيد للإخوان معنا، لكن صاحب ذلك الدعوة لحضور ما يسمى "اليوم الرياضي"، وهو أن نتجمع في صباح أحد الأيام في أحد الأندية لنلعب الكرة، ويتخلل اللعب بعض المسابقات الثقافية والهدايا الكثيرة، كنا في البداية نقف جميعا في دائرة كبيرة بها ما يقرب من 50 طفلا، يبدأ أحد مسئولي الاخوان بالقرآن الكريم ثم بفقرة التعارف المعتادة، ثم نقوم بتشكيل فرق خماسية أو سداسية حسب الأعداد الموجودة، ويتسمى كل فريق باسم صحابي أو شخصية بطولية، ليقف كل فريق قبل بدء اللعب وبعد إحراز الأهداف في حلقة هاتفين وبأعلى الصوت "حمزة حمزة أسد الله" أو "خالد خالد سيف الله" كإحدى وسائل الاحتفال حسب الاسم الذي اختاروه لفريقهم.

وسط تلك الألعاب والضحك تتوطد علاقتنا نحن الأطفال ببعضنا البعض، كانت هذه المرحلة من عمرنا يطلقون عليها "الأشبال" أي أبناء الأسود مما يضفي علينا مزيدا من الحماسة، وتزداد الحماسة أكثر وأكثر عندما يتم اقترانها باسم التنظيم فيقال "أشبال الإخوان".

لم يكن هذا اليوم الرياضي فقط مقتصرا على القرية بل كنا نتجمع كثيرا في يوم رياضي على مستوى عدة قرى، ويكون يوما حافلا بالألعاب والمسابقات، حتى نتعرف على غيرنا من الأطفال في المناطق المجاورة.

مرت الأيام رويدا رويدا ونحن نزداد تمسكا بلقاء المسجد، ويزداد الحرص على الحضور والإصرار على عدم الغياب، وأصبح هذا اللقاء جزءا من عاداتنا اليومية كالمدرسة والدروس الخصوصية وغيرها.

• تلك كانت بدايات النشأة ولنا تعليق:

- جماعة تجنيد الأطفال

لم يكن ترفا من الأمر أن تجد شابا عشرينيا أو ثلاثينيا يتوسط جلسة من الأطفال أعمارهم لا تتجاوز العاشرة، ويصبر عليهم ويحاول احتواءهم ويتحمل شغبهم، بل كان ذلك بناء على خطة وتنظيم وعقد دورات علمية مكثفة لكيفية استقطاب الأطفال وطرق اجتذابهم.

كان قوام هذه الخطة أن الجماعة عبارة عن هرم، كما أن له قمة فلا بد وأن يكون له قاعدة، وكانت القاعدة هذه هي الأطفال الصغار، فهم المفرخة التي ستضخ عناصر إخوانية في أقسام الهرم التنظيمي، سواء أقسام الثانوي أو أقسام الجامعة، ولذلك كان الاهتمام بقسم الأشبال- رغم صغر سن الأطفال- لا يقل أهمية عن أقسام الجماعة الرئيسية.

أطفال في عمر البراءة والزهور لا يستطيعون تمييز الخطأ من الصواب يتم استخدامهم في عملية التجنيد الهادئ، ويتم زرع أفكار التنظيم بداخلهم دون أن يعوا أو يعلموا، فيكبر الطفل مؤمنا بقيمهم، متشبعا بأفكارهم دون أدنى تعقل أو تفكير أو دراية.

هؤلاء الأطفال المساكين الذين لا ذنب لهم أن يأتي إليهم شخص أو جماعة تتحكم في تحديد مصائرهم وتشكيل وجدانهم.. لو كانت أفكار هؤلاء صادقة ومخلصة لاكتفوا بتربية هؤلاء النشء وترسيخ مفاهيم الإسلام المعتدلة، بعيدا كل البعد عن هدف استقطابهم وتجنيدهم، لكن كان في احتواء الأطفال مآرب أخرى من توسيع قاعدتهم والتباهي بانتشار جماعتهم ونفوذهم لكل شرائح المجتمع، وكأنهم حققوا إنجازات وأحرزوا بطولات، لكنها في الحقيقة لا تعدو إلا أن تكون بطولات من ورق.