رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ريشار أنطوان.. أول أجنبي أوروبي يتزعم خلية إرهابية (2 ــ 3)

روبير ريشار أنطوان
روبير ريشار أنطوان

في كتابه «سلفي فرنسي في المغرب» الصادر عن دار رؤية للنشر، كشف إدريس الكنبوري عن كواليس تجنيد الفرنسي ريشار أنطوان في صفوف السلفية الجهادية٬ وكان على رأس من سجنوا على خلفية تفجيرات الدار البيضاء التي استهدفت عدة أماكن في المغرب عام 2003.

ساعد استقطاب الأجانب٬ الذين اعتنقوا الإسلام٬ إلى تيارات التطرف والتكفير على لعب دور مزدوج. في الوقت الذي يتحركون داخل تلك الجماعات فإنهم يتوفرون نسبيا علي نوع من الحصانة٬ ذلك أن كونهم أوروبيين يبعد عنهم شبهة الإرهاب٬ أما الدور الثاني الأكثر أهمية٬ فهو تحويلهم إلى طعم لاستقطاب مقاتلين محليين٬ عبر جعلهم مثالا يحتذي بالنسبة لهم٬ وكأن لسان حال قيادات تلك الجماعات يقول: إذا كان شخص أجنبي وهب حياته للدفاع عن هذا الدين٬ وهو لم يسلم إلا حديثا٬ فأحري بالمسلمين أن يكونوا في الصفوف الأولي٬ وهذا هو نفسه ما حصل مع روبير ريشار٬ إذ يعترف في حواره مع المؤلف بأنه كان نموجا للآخرين٬ لأن كونه فرنسيا جاء من فرنسا باسم الجهاد ومحكوم عليه بالمؤبد٬ جعل أفراد السلفية الجهادية الآخرين يرون فيه مثالا يقتدي به ودفعهم إلي القول إنه طالما أن هناك شخصا فرنسيا بينهم فليس مهما لنا إذا حوكمنا.

تزامن وصول روبير إلى بيشاور عام 1994 مع أول ظهور لحركة طالبان أو طلاب الشريعة٬ وبعد الإقامة في بيشاور دخل روبير إلي أفغانستان والتحق بجماعة المقاتلين العرب في معسكر "خلدن" الذي كان يشرف عليه جماعة من المنظرين للفكر الجهادي٬ ويتلقي فيه الأفغان العرب تدريبات عسكرية لمدة من الزمن تتراوح ما بين أسبوع أو أسبوعين إلي ستة أشهر٬ بحسب استعداد الشخص وقابليته٬ وكان معسكر خلدن واحدا من المعسكرات التي أقامها المجاهدون العرب في أفغانستان ليكون معملا لصناعة المقاتلين ودفعهم إلي ساحة القتال ضد الروس٬ وقد أنشأه عبد الله عزام في مدينة بكتيا الأفغانية عام 1989 وكان معسكرا مفتوحا للجميع٬ قبل أن يدب الخلاف بين الفرقاء٬ ويقدر عدد الذين تدربوا فيه من العرب بالآلاف. إلي جانب هذا المعسكر كانت هناك معسكرات أخري مثل صدي وجاوة والفاروق وجهاد وأبو الحارث.

وعلاوة علي التدريبات العسكرية٬ كان الأفغان العرب يتلقون دروسا في الفقه والشريعة٬ إنما بالمعني الضيق للكلمة٬ إذ كانت تلك الدروس عبارة عن مبادئ في التكفير والتبديع وتعكس الموقف السياسي للجهاديين من خلال التسويغ الفقهي لموقف رفض الأنظمة القائمة وتكفير الحكام. وعلي هذا الأساس شكلت تلك المعسكرات المحاضن الرئيسية التي تشرب فيها الأفغان العرب القادمون من جميع الأصقاع القناعات السياسية ضد الأنظمة الحاكمة في بلدانهم٬ وكانت بمثابة مدارس لتخريج الإرهابيين العرب الذين سيتفرقون بعد ذلك في البلدان العربية. وقد كانت تلك المعسكرات خاصة بالمقاتلين القادمين من بلد عربي معين٬ مثل الليبيين والمصريين والسوريين والجزائريين٬ وأنشأوا فيما بعد جماعاتهم لقتال الأنظمة الحاكمة داخل بلدانهم.

ــ التكوين العسكري لــ روبير بمعسكر "خلدن"
في معسكر "خلدن" تلقي روبير تكوينا عسكريا وتدريبات لمدة أربعة أشهر على كيفية استعمال الأسلحة النارية وتفكيكها وتركيبها٬ خاصة الكلاشينكوف والآر بي جي والمورتييه ومسدسات مكاروف٬ وتخلل هذه الفترة تدريبات إضافية في الرماية بالأسلحة المذكورة٬ كما تدرب شهرين ونصف علي صناعة واستعمال المتفجرات تحت إشراف شخص يدعي "أبو بكر الفلسطيني" ومن بين تلك المتفجرات حسب ما ذكر روبير في اعترافاته البالستيك والقنابل اليدوية٬ إضافة إلي دروس أخري نظرية وتطبيقية في كيفية استعمال تلك المتفجرات٬ وحضر تجارب المتفجرات في منازل مهجورة٬ كما شارك في تجارب وضع الألغام المضادة للأشخاص وكيفية استخدامها.

خلال تواجده بمعسكر خلدن أصيب روبير بالملاريا فنقل إلى باكستان حيث خضع للعلاج على يد طبيب مصري لمدة شهر كامل٬ وبعد شفائه عاد إلي إسطنبول بتركيا مرورا بإسلام آباد بعدما حصل على مساعدة مالية من "مضافة الشهداء" في بيشاور. وعندما وصل لتركيا وكان ذلك عام 1995 أقام لدي نفس الشخص الذي أقام معه قبل رحلته لباكستان.

بينما في مدينة قونيا التركية حصل روبير على عمل في شركة "اتفاق هولدينج" للاستيراد والتصدير كمترجم٬ واستأجر شقة مستقلة وخلال هذه الفترة تعرف على شخص تركي يدعي "شمس الدين كوسكان" متزوج من مغربية من مدينة طنجة٬ وبعدما توطدت صداقتهما٬ طلب منه روبير أن يبحث له عن فتاة للزواج منها شريطة أن تكون "مسلمة وملتزمة دينيا" فاقترح عليه التركي صديقة زوجته المغربية٬ وأعطاه رقم هاتفها للاتصال بها٬ وبعد الاتصال حدث التفاهم بينهما في عام 1996.

في الحوار الذي أجراه "الكنبوري" يقول روبير إنه عندما كاشف صديقه التركي برغبته في الزواج٬ فأخبره الأخير بأنه يعرف فتيات مغربيات "يردن الزواج من سلفيين" إن هذا المعطي يظهر الحقيقة أن روبير كان قد تم تحضيره سلفا ليكون ضمن واحدة من الجماعات التي تشكل تيار السلفية الجهادية٬ وجند في هذا الاتجاه للمرة الثانية٬ بعد اعتناقه الإسلام٬ والذي كان تجنيدا في الأصل. ولذلك فإن الزواج هنا لعب الدور الذي كان مطلوبا منه٬ فالمصاهرة والزواج يشكلان أحد مكونات عملية الاستقطاب والتجنيد لدي تيار السلفية الجهادية بشكل عام٬ إنهما يحققان نوعا من الاختلاط ويضمنان ارتباط الفرد بالجماعة.

كان من الطبيعي والحالة هذه أن يجد روبير نفسه داخل مربع السلفيين في مدينة طنجة٬ حيث كان نشاط السلفيين على أشده٬ متحلقين حول شيخهم "محمد بن محمد الفيرازي" خطيب مسجد "الداخلة" في المدينة وصاحب جمعية "أهل السنة والجماعة". في طنجة تعرف روبير على أشخاص ينتمون للسلفية الجهادية٬ ونسج علاقات معهم لكنه في العام التالي 1998 عاد إلى فرنسا بصحبة زوجته٬ وفي مدينة "سانت إيتان" كان يأخذ زوجته إلي نساء جمعية أنشأها السلفيون التقليديون٬ وبعد عودته للمغرب لاحقا أقام شركة خاصة لبيع وشراء السيارات المستعملة٬ وأخذ يعمل بين سبتة وسانت إيتيان والمغرب٬ واستمر على هذه الحال إلى حين اعتقاله عام 2003.

واعترف روبير بأن علاقته بزوجته ساءت بسبب تشدده الديني وإغلاقه البيت عليها أثناء وجوده في الخارج ورفضه السماح لها بزيارة أفراد عائلتها لإبعادها عن "الغرباء" ففكر في الزواج من أخري٬ وفعلا دل بعض السلفيين في طنجة على تلميذه "أحمد وفيقي" في فاس٬ المعروف بــ"أبي حفص" وهو أحد من يسمون شيوخ السلفية الجهادية في السجون المغربية٬ علي أساس أن يساعدوه في إيجاد زوجة جديدة سلفية٬ ولاحقا طلق زوجته الأولي.