رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الراقصة والخمورجى.. قصة أكبر «اشتغالة» عُرفت بالمراجعات الإسلامية

الفلسطيني صالح سرية
الفلسطيني صالح سرية

من خلال سرد تاريخي لحقبة السبعينيات والثمانينيات في مصر، نلاحظ نموًا سريعًا وواسعًا للجماعات الإسلامية الجهادية فى شكل 3 تنظيمات رئيسية هى الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد وجماعة التكفير والهجرة.

كانت الجماعة الإسلامية أكثرها نفوذًا وأوسعها انتشارًا حتى يقدر البعض أعضاء الجماعة في نهاية التسعينيات بما يقرب من 40 ألف عضو، في حين يأتي في المرتبة الثانية تنظيم الجهاد الذي بلغ عدد أعضائه في نفس الفترة قرابة 6 آلاف عضو، وأخيرًا تنظيم التكفير والهجرة وهو بالمقارنة بالجماعتين السابقتين فهو أصغرهما حيث بلغ عدد أعضائه ما يقرب من ألفين.

فبدءًا من ظهور الفلسطيني صالح سرية الذي جاء إلى مصر ولم يكن هناك سوى عدة تنظيمات جهادية لا يجمعها كيان واحد نجح سرية في تجنيد عدد كبير من الشباب بينهم عدد من طلاب الكليات العسكرية، ولم يؤسس سرية العمل السري ولا الخيار المسلح٬ إلا أنه طرح على الجماعة التغيير الشامل والاعتماد على الخيار الانقلابي لتنفيذه.

انتهت حياة صالح عندما قاد محاولة انقلاب فاشلة 1974 اشترك فيها كوادر التنظيم الذين يدرسون بالكليات العسكرية، وقد حوكم وأعدم وعرفت هذه القضية باسم "قضية الفنية العسكرية".

ثم ظهر شكري مصطفى عقب خروجه من السجن على خلفية اتهامه بتوزيع منشورات لجماعة الإخوان "الإرهابية" وبعفو جمهوري أصدره الرئيس السادات 1973 ليخرج شكري مصطفى ليبادر فورا للتحرك في مجال تكوين الهيكل التنظيمي لجماعته "التكفير والهجرة" وأمر أعضاء الجماعة بالخروج إلى المناطق الجبلية واللجوء إلى المغارات الواقعة بدائرة مركز أبو قرقاص بالمنيا بعد أن تصرفوا بالبيع في ممتلكاتهم وزودوا أنفسهم بالمؤن اللازمة والسلاح الأبيض، تطبيقًا لمفاهيمه الفكرية حول الهجرة.

وهيأ شكري مصطفى لأتباعه بيئة متكاملة من النشاط وشغلهم بالدعوة والعمل والصلوات والدراسة، حيث اعتبر المجتمع خارج الجماعة كله كافرًا ومن ثم يتم تعقبه وتصفيته جسديا.

وقامت جماعة التكفير والهجرة باختطاف وزير الأوقاف الشيخ الذهبي 1977 ومن ثم قتله، إلى أن نصل إلى مشهد 6 أكتوبر 1981 ليسقط السادات في دمائه على أيدي مَن ساهم في خروجهم علينا من الجحور.

وتأتي حقبة التسعينيات لتشهد هى الأخرى فصلًا جديدًا من سيناريو الرعب الذي فتحته فتاوى التكفير والقتل باسم الله وحاكميته وكان من أشهر تلك العمليات: اغتيال رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب، حادثة قتل السياح في الأقصر 17 نوفمبر 1997 التي راح ضحيتها أكثر من 62 سائحًا، حيث وقعت مذبحة الأقصر في الوقت الذي كانت تجري فيه المراجعات الشهيرة بين الدولة والقادة التاريخيين لتلك الجماعات، ومن أبرز تلك المراجعات الوثيقة الشهيرة التي قام بها مفتي الجهاديين الدكتور سيد إمام الشريف (واسمه الجهادي عبد القادر بن عبد العزيز واسمه الحركي دكتور فضل) الذي يعد شخصية رئيسية في الحركة الجهادية العالمية، وكتابيه: "العمدة في إعداد العدة"و"الجامع في طلب العلم الشريف" يعتبران مرجعان جهاديين في مخيمات تدريب قاعدة الجهاد في أفغانستان، وقد وردت تقارير تفيد بأنه أول أعضاء المجلس الاستشاري الأعلى في القاعدة وكان الشريف قد حكم عليه غيابيا بالبراءة في قضية اغتيال السادات.

وفي أكثر من لقاء إعلامي مع الدكتور فضل أعلن أن كتابه العمدة في إعداد العدة تعرض للتحريف من قبل أيمن الظواهري وإخفاء لبعض أجزائه حيث نشره الظواهري قديما تحت مسمى كتاب الهادي إلى سبيل الرشاد ونسبهُ إلى سيد إمام، لكن بعد تحريفه، وهذا من أحد أهم أسباب الخلاف بين سيد إمام وأيمن الظواهري، انتشر الكتاب الأصلي لسيد إمام بعد ذلك وأصبح معروفا مشهورا بين الناس واختفى تدريجيا كتاب الهادي الذي حرف فيه الظواهري كتاب الجامع.

وهذه المراجعات أعلنت خطأ الجماعة ومنهجها فى الخروج على الحاكم والنظام ومقاومته بقوة السلاح، ودعت إلى وقف العنف بشكل نهائي، والعودة إلى العمل الدعوى فقط، استنادًا إلى تأويلات جديدة معتدلة للأحكام الفقهية فيما يتعلق بفكرة الحاكمية والطائفة الممتنعة وغيرها من المفاهيم التى كانت الجماعة تتبنى بشأنها في الماضي تفسيرات متطرفة أدت بها إلى مواجهة مسلحة مع النظام.

ولم تكن هذه المراجعات سوى فترة التقاط أنفاس وتجميع للقوة مرة أخرى حيث ثبت بالدليل القاطع أن الجماعة لن تتنازل عن حلمها تحت أي ظرف من الظروف أو تحت أي ضغط، في تكوين دولة الخلافة٬ فلم تختلف خطتهم الآنية في المراجعات عن خطتهم السابقة وقت سيد قطب الذي أسس الخطاب تكفيري مستندا إلى رؤى ونظرات أبو الأعلى المودودي٬ بل وعندما خرج سيد إمام من السجن ممن أفرج عنهم عقب ثورة 25 يناير وفي أحد لقاءاته الإعلامية على قناة العربية نت في برنامج الحدث المصري 2013 قال سيد إمام: إن الجهاد فرض على المصريين منذ 1810 وحتى الآن٬ تلك الفترة التي بدأ فيها محمد علي إدخال القوانين الوضعية لمصر٬ وأن ما نعيشه الآن سببه الحقيقي سكوت المصريين على تغيير المنكر.

وتابع الشريف ردا على سؤال حول اعتراضه على تنفيذ عمليات جهادية أثناء وجوده في أفغانستان داخل مصر: لم أعترض لأن الجهاد حرام أو غلط٬ فالجهاد واجب ومازال واجبا٬ لكن لم يكن هناك"استطاعة "والجهاد في هذا الوقت معناه تدمير جماعة الجهاد"!

ويسأله الورواري: ولو فيه استطاعة؟ فيجيب:"آه طبعا قلت لهم اعملوا جماعة وادعو الناس٬ عشان تعرف الواجب عليها٬ بالبلدي ليه نشيل الشيلة دي وحدنا٬ الجهاد واجب على الراقصة والخمورجي٬ فهما لم يخرجا من الإيمان٬ وعليهم واجب الجهاد كل باستطاعته٬ هذه أعمال تخصصية بمعني أن اللي يعرف في الدين يقول واجب أو مش واجب٬ وبعد كده ييجي الراجل المتخصص في الشئون العسكرية يقولك إزاي تنفذ الواجب ده٬ قال ابن تيمية إذا سقط الجهاد للعجز وجب الإعداد له٬ جماعة الجهاد بدأت في مرحلة إعداد وضع التصور له شخصية عسكرية متخصصة هو المقدم "عصام القمري" والذي أراد أن يمزج بين العسكريين والمدنيين٬ فقد جند التنظيم عسكريين داخل الجيش٬ ومدنيين تدربوا تدريبا عسكريا مكثفا خصوصا على المدرعات وبدأ هذا الأمر في أفغانستان٬ لكن الاستعجال والتعجل أجهض كل هذا "ما الذي كشفه؟٬ يقول سيد إمام: عصام القمري قبل اغتيال السادات كان لديه تصور لهذا الموضوع٬ بمعنى القيام بانقلاب عسكري من عسكريين مدعومين بمدنيين٬ كان يريد تدريب 100 فرد مدرعات٬ 200 فرد شرطة عسكرية وحوالي 400 فرد أعمال مشاة متخصصة ومن 100 إلى 200 صاعقة ومعظم هذه التدريبات حصل عليها الإخوة في أفغانستان٬ وكان هناك واحد كويتي جاء لمصر 1980 اسمه "محمد حبيب بنعويف" والتقي مع كل الحركات الإسلامية الموجودة في القاهرة أو الموجودة في مصر بوجه عام وقال لعصام القمري إن الكلام اللي قولته أحسن مشروع إسلامي سمعه من الخليج إلى المغرب٬ وعصام القمري طلب منه دعم مالي والراجل وعد بالدعم المالي٬ وكان هذا الدعم يدخل إلى مصر تحت غطاء شركة توكيل سيارات وأشياء زي كده٬ لكن حين وقعت أحداث 81 وقتل السادات أوقفت الدنيا وخربت كل حاجة".

وحول رأي سيد إمام في حكم مرسي قال:"كل حكام مصر من محمد علي إلى الآن فهم كافرون٬ ومن لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر بالإسلام كله لا يصح إلا بمجموع أركانه، لكن ينقض كله بناقض واحد٬ وليس مرسي وحده الكافر ده هو واللي اختاره أو إختار غيره٬ وحكم هذا الباطل هو اعتزاله فالجهاد غير ممكن الآن".

ومما يؤيد الرأي القائل بأن تلك المراجعات لم تكن إلا من باب فقه الضرورات الذي تعتنقه جماعة الجهاد التي أقدمت على المراجعات ما أشار إليه سيد إمام في نفس اللقاء الإعلامي:"مفيش حركات جهاد قوية٬ كلها ضعيفة٬ وعشان تعمل جهاد محتاج بنية تحتية وهي غير موجودة الآن٬ الحركة الجهادية بوجه عام حركة ضعيفة مشتتة" هنا نلاحظ أن الرجل لا يتراجع عن أفكاره حول تكفير الحاكم بل وتكفير من يختارونه عبر آلية الانتخاب٬ وحسب سيد قطب "تدل الجاهلية على حاكمية الإنسان على الإنسان بدلا من الله٬ إنها تدل على رفض ألوهية الله وتقديس البشر٬ وبهذا المعنى تصبح الجاهلية ليست فترة تاريخية محددة٬ ولكنها أسلوب للحياة، وقد وجدت مثل هذه الحالة لشئون الانسان في الماضي وموجودة اليوم ويمكن أن توجد في المستقبل٬ كشكل من أشكال الجاهلية المناقضة للإسلام٬ وفي أي زمان ومكان يواجه فيه البشر ذلك الخيار الحاسم: إما اتباع قانون الله كاملًا أو تطبيق القوانين التي وضعها الإنسان بمختلف أنواعها٬ في الحالة الأخيرة يصبحون في حالة من الجاهلية".

ربما يكون ناصر بن حمد الفهد الأكثر اتساقا مع أفكاره ومعتنقاته التكفيرية، فلم يكد الرجل يظهر على التليفزيون السعودي مع عائض القرني في نوفمبر 2009 معلنا تراجعه عن أفكاره التكفيرية، رافضًا كل الآراء التي تبناها سابقًا مع عدد من رفاقه٬ غير أنه بتاريخ أغسطس نشرت مؤسسة "البتار" المناصرة لتنظيم داعش رسالة قالت إنها مسربة من الشيخ السعودي ناصر الفهد المعتقل في سجن الحاير السياسي، يبايع فيها زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي.