رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ظواهر في فكر البنا.. التناقض(3)

جريدة الدستور

«لم يكن حسن البنا نبيًا يوحى إليه، ولا عالمًا يوتَنسُ بعلمه، ولا فقيهًا يستنبط الأحكام، ولا واعظًا يمتلك الرشادة، ولأنّ كلًا وجب الأخذ منه والرد عليه، فتلك قراءةٌ لفكر الرجل توجب على أتباعِه وغيرِهم إعادة قراءته».

القارئ المتأمل لتراثنا الإسلامي والمهتم بمتابعة جهود البحث والدراسات الإسلامية سيلاحظ -وبغير عناءٍ كبير- أن ما بين أيدي المسلمين من المكتوب يتمثل في نصين من حيث المصدر هما: الإلهي والبشري.

ويعود البشري لينقسم إلى نصفين: نص بشري نبوي، ونص بشري غير نبوي.

ومن حيث المصداقية التي على المسلم أن يأخذ بها فإن النص الأول، أي الغلهي، هو كامل المصدقية: «لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ»، فصلت: 42، إذ هو الوحي المنزل على الرسول الخاتم ومن ثّمّ فإن له كامل التسليم من كل مؤمن بمصداقيته، أمّا النص البشري النبوي فهو المنسوب للرسول وهو خاضع لعلم الجرح والتعديل لإثبات صحةِ ورودِه عن النبي، إذ كما هو معلوم فإن من الأحاديث درجات وعليه ما يحتّم الأخذ ببعضها وترك الآخر لعللٍ يعرفها أهل الاختصاص.

أما النص البشري غير النبوي فهو المنسوب لبقية الأمة من علماء وفقهاء ومجتهدين وباحثين وغيرهم، وبالطبع ما يقول به البشر فيه الصواب مثلما فيه الخطأ، ومن ثَم يؤخذ منهم ويُرد عليهم.

وتعالوا نقرأ النص التالي للبنا المعنون بـ«نجمّع ولا نفرّق»، الذي يقول فيه «اعلم ـ فقّهك الله ـ أولا: أن دعوةَ الإخوانِ المسلمين دعوة عامة لا تنتسب إلى طائفة خاصة، ولا تنحاز إلى رأي عرف عند الناس بلون خاص ومستلزمات وتوابع خاصة، وهي تتوجه إلى صميم الدين ولبه، وتود أن تتوحد وجهة الأنظار والهمم حتى يكون العمل أجدى والإنتاج أعظم وأكبر، فدعوة الإخوان دعوة بيضاء نقية غير ملونة بلون، وهي مع الحق أينما كان، تحب الإجماع، وتكره الشذوذ وإن أعظم ما مني به المسلمون الفرقة والخلاف، وأساس ما انتصروا به الحب والوحدة.

ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، هذه قاعدة أساسية وهدف معلوم لكل أخ مسلم، وعقيدة راسخة في نفوسنا، نصدر عنها وندعو إليها».

يوجه البنا خطابه إلى عضو الجماعة بادئًا بقوله اعلم – فقّهك الله – جملة اعتراضية على طريقة الكتّاب الأقدمين وقوله «فقهك الله» أي فهّمك أو أفهّمك الله، يبدو أول تناقض للبنا وعدم اتساقه مع نفسه إذ كيف يدعو للعضو بفقّهك الله وهو قد حرمه من الفهم وإعمال العقل في ركن الفهم أول أركان البيعة العشرة إذ يقول «... أن تفهم الإسلامَ كما نفهم»، فسدّ منافذ فهم العضو الذي قد يخالفه وهذا ما حدث بالفعل عندما خرج البعض من الجماعة بعدما اكتشفوا الفخ الذي تورطوا فيه مثل الشيخ محمد الغزالي والشيخ الشعراوي «حتى وإن كان في خروجه قولان»، ثروت الخرباوي، د. السيد عبد الستار المليجي، الشيخ أحمد حسن الباقوري، سامح عيد، محمد حبيب، مختار نوح، علي عشماوي «صاحب كتاب التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين»، وغيرهم.

التناقض الثاني «دعوة الإخوان المسلمين دعوة عامة لا تنتسب إلى طائفة خاصة، ولا تنحاز إلى رأي عرف عند الناس بلون خاص»، والرد عليه يتمثل في سؤال وتوجيه، أما السؤال: هل غير جماعتك التي هي دعوتك أو فكرتك تختلف عن بقية الجماعات التي ظهرت عبر التاريخ؟!.

والتوجيه لأتباع البنا اليوم وغدًا: انظروا في التاريخ الجماعاتاوي أي تاريخ كل الجماعات السابقة بدءًا من الخوارج على الإمام علي كرم الله وجهه وإلى الآن لتعرفوا أن أي جماعة كأية جماعة أخرى في أي زمان وأي مكان، والخلاصة في الرد أن البنا يبتعد بجماعته عن أية طائفة -حسب ظنه- ونحن نقول له إن جماعتك كسابقاتها وتالياتها تنتسب إلى طائفة هي خوارج الأمة وتنحاز إلى هدم اعتصام الأمة وتماسكها، وتحترف عبر تسعين عامًا شقَّ الصف.

يقول البنا – وَهْمًا – أن دعوته «تتوجه إلى صميم الدين لبّه، وتود أن توحد وجهة الأنظار والهمم حتى يكون العمل أجدى والإنتاج أعظم وأكبر»، هنا ننبه أتباع البنا الحاليين والقادمين وأية جماعة قائمة الآن أو ستأتي في علم الغيب أن «صميم الدين ولبه» الذي لم يعرفه البنا وغفل عنه – بكل تأكيد – وهو ما يسميه الكثيرون «جوهر الدين» يتمثل في أمرين لا ثالث لهما: *تحقيق فضائل الأخلاق.

*تحقيق مقاصد الشريعة.

أما فضائل الأخلاق فهي بشكل إجرائي مباشر: الصدق لا الكذب، الكرم لا البخل، الشجاعة لا الجبن، الرحمة لا القسوة، الأمانة لا الخيانة... وهكذا.

وتحقيق مقاصد الشريعة: يتمثل في الخماسي «حفظ الدين، العقل، النفس، النسل، المال» وتاريخ الجماعات كلها عبر التاريخ الألْفي للمسلمين في كل عصوره وأماكنه منذ الخوارج وإلى الآن ما هو إلا الهدم للدين، والهدم للعقل «بتغييبه»، والهدم للنفس، والهدم للنسل «بتيتيمه»، والهدم للمال.

ونرد على بقية النص في المقال القادم إن شاء الله، لنثبت تناقض البنا، إذ هو يدّعي أنه بجماعته «يجمّع ولا يفرّق»، والحقيقة أنه يفرّق لا يجمّع.

*إعلامي مصري وباحث في فقه وتاريخ الحركات الإسلامية.