رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الجامية».. هل تتحول من الدعوة إلى العمل الحركي؟

أرشيفية
أرشيفية

ربما لم ينل التيار "الجامي" الكثير من الدراسات العلمية المعمقة، مثلما حدث مع التيارات الإسلامية الأخرى، رغم انتشاره وتوسعه في الكثير من البلاد الإسلامية، خاصة المملكة العربية السعودية، والجزائر، وليبيا، واليمن، ومصر التي تنامى فيها بشكل واضح وسريع بعد أحداث ثورة يناير، وسط توقعات بتحول بعض أتباعه من العمل الدعوي إلى الحركي، نظرا لوجود الكثير من المؤثرات التي قد تسهل هذا التحول.

النشأة والمعتقدات

المعروف أن ظهور التيار الجامي كان بالمملكة العربية السعودية، في التسعينات ردا على ظهور التيار السروري، الذي تصادم مع موقف المملكة من التدخل الخارجي في العراق على خلفية اقتحام الكويت في عهد الرئيس صدام حسين.

وتمثل موقف الجامية وقتها في الوقوف بجانب الدولة، احتراما للنصوص الشرعية التي تحرم الخروج على الحكام ومنازعتهم، وهو الأصل الأول الذي اشتهر به أصحاب هذا التيار.

أما الأصل الثاني الذي اعتمده "الجامية" فقد تمثل في النقد السلفي لأفكار الجماعات الإسلامية الأخرى خاصة الحركية والتيار الصحوي الذي اجتاح المملكة السعودية في التسعينات، وخرج منها إلى دول أخرى، فالجامية يواجهون أفكار جماعات التبليغ والدعوة والإخوان المسلمين والتيار السروري، بشكل صدامي، ويساوي شيوخ الجامية تلك الجماعات بالفرق الكلامية المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة، ويتهمونهم بالابتداع في الدين وتغليب المصالح الشخصية، والاستحسان العقلي على نصوص الشرع الثابتة.

كما يقف الجامية موقفا ثابتا من السنة، ويعتبرون أنفسهم أهل السنة والجماعة أو الحديث والأثر، ويرفضون اسم "الجامية"، الذي لم يختاروه، بل أطلقها عليهم المعارضون لهم الذين ينظرون إلى أن الخلاف معهم ليس من قبيل التنوع، أو الخلاف في الفروع، بل يرون أن ذلك خلافا في الأصول.

الجرح والتعديل

ومن ثم فقد تبنى التيار الجامي فكرة "الجرح والتعديل" فشيوخ الجامية لا يعذرون المخالفين ويصرون على كشف عيوبهم، ولا يصمتون عنها ويرون أن ذلك من أصول الدين، التي تدعو إلى محاربة البدع، ونبذ المبتدعين وكشف عوراتهم حتى لا ينخدع بهم المسلمون، كما لا يرضى أصحاب هذا التيار عن فكرة التنظيمات الحزبية، وإنشاء الجماعات والفرق باسم الإسلام، وهو ما يمكن تلمسه في مؤلفات رموز التيار ومنهم محمد أمان الجامي والشيخ ربيع المدخلي الذين يصرون على فضح التيارات الإسلامية الأخرى، وبيان مخالفتهم العقدية، خاصة تلك التي خلطت العمل الدعوي بالسياسي، ويدللون دائما على ذلك بما ورد في الكتاب والسنة من نبذ الفرقة والتحزب، وما وقع من آثار ذلك في العالم الإسلامي المعاصر، ولذلك يرى أصحاب هذا الاتجاه أنهم أصحاب دعوة تطهيرية سلفية تسير على منهج التصفية والتربية، وتولي اهتماما كبيرا بالجانب العلمي على الجانب الحركي لأنها ترفض العمل التنظيمي، كما ترفض أن يطلق عليها جماعة أو فرقة، ورغم اعتبار أن الشيخين محمد أمان الجامي وربيع المدخلي، هما المرجعية لهذا التيار، ورغم الاحترام الكبير لهما في نفوس أتباعهما وتلاميذهما في كل الدول التي ينتشرون فيها، إلا أنهم يرفضون- نظريا- فكرة أن يكون لهم زعيم أو مرجع، أو اعتبار هذين الشيخين زعيمين لهذا التيار، ويؤكدون أن عمدتهم ومرجعهم الأصلي هو الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.

ويعتبر التيار الجامي امتدادا، لفكر محمد بن عبدالوهاب وابن تيمية، وابن القيم، والإمام أحمد بن حنبل، ويرى المداخلة أن السبيل الوحيد لنجاة المسلمين ونهضتهم هو العودة إلى الأصول، وانتهاج منهج السلف، وتتبلور نظريتهم السياسية في احترام الحاكم وعدم منازعته، حتى وإن كان فاسقا، ويرفض الجامية الانتخابات والأحزاب باعتبار أن الحاكم المسلم لا يُنازع فيما خوله الله فيه واسترعاه، كما يرفضون فكرة المظاهرات والثورات ويرون أنها من الأمور التي نهى الشرع عنها وشدد النكير على أصحابها، ويعتبرون أن الديمقراطية فكرة وافدة على المسلمين ولا يجوز للمسلمين أن يتحاكموا إليها.

يعتمد النظام الفكري للجامية على عدة أصول أهمها: اتباع الكتاب والسنة، بفهم سلف الأمة، وطاعة ولي الأمر، ونبذ الجماعات والأحزاب، ثم الجرح والتعديل ومحاربة البدع وفضح أصحابها.
كما تتلخص نظرتهم إلى الجهاد في أنه لا يكون إلا تحت لواء الدولة، وبإذن من ولي الأمر حتى إن كان متغلبا بالسيف، وترى أن كل التنظيمات الجهادية التي تنشأ في بلاد المسلمين، بعيدا عن حظيرة الدولة من الخوارج المخالفين للكتاب والسنة، مهما كانت النتائج التي يحققونها، ومهما كانت الأهداف التي يسعون إليها، فهم يؤكدون أن للجهاد ضوابط وشروطا شرعية صارمة لا يجوز مخالفتها.

تحريم الخروج على الحكام

ويرى الجامية تحريم الخروج على الحكام بأي شكل من أشكال الخروج سواء بالمسيرات أو المظاهرات ونحوها، وأن إنكار المنكر لا يكون إلا وفق الضوابط الشرعية، وعدم إبداء النصيحة للمسئولين إلا سراً، ويؤمن المداخلة بأن كل حاكم مسلم تجب له السمع والطاعة ، أما الكافر إذا كان بالمقدور نزعه دون نزول الدم من المسلمين فيجب نزعه وإلا فيصبر المسلمون حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا فولي أمر له السمع والطاعة في غير معصية الله، ويحذرون الشباب من الانخراط في الفتن والانتماء للجماعات والأحزاب والمشاركة في الثورات.


ولدت "الجامية" كما بينا كرد فعل على ظهور التيار السروري في المملكة العربية السعودية على يد الشيخ محمد أمان الجامي وهو عالم دين حبشي جاء من أثيوبيا إلى المدينة المنورة وتعرف على الشيخ عبدالعزيز بن باز في السبعينات من القرن الماضي، كما تتلمذ على يد الكثير من شيوخ المملكة ومنهم المفتي والفقيه الأصولي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ والشيخ عبد الرحمن الأفريقي، كما أخذ العلم بالرياض على الشيخ محمد الأمين الشنقيطي والشيخ المحدِّث حماد الأنصاري والشيخ عبد الرزاق عفيفي الذي تأثر به كثيراً حتى في أسلوب تدريسه، وكذلك الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي وكانت بينهما مراسلات، ومن الذين استفاد منهم أيضا المحقق الشيخ محمد خليل هراس.

الجامية خارج السعودية

امتد تأثير الجامية خارج المملكة العربية السعودية خاصة في الجزائر واليمن ومصر وليبيا، وصار لهم انتشار واسع في هذه البلاد، وعلاقات متشابكة معلنة تارة، وخفية تارة أخرى مع الأنظمة الحاكمة، ففي ليبيا يوليهم المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبي عناية خاصة، واستعان بهم في الجيش حتى أن هناك كتيبة خاصة بهم، وهي الكتيبة 210 مشاه ميكانيكي أو كتيبة سبل السلام، كما يدعم شيوخ الجامية في الكثير من المساجد بأماكن نفوذه.

ورغم الرعاية التي يوليها حفتر للجامية، إلا أن هناك الكثير من الاتهامات لهم، بمخالفة الأصول التي يدعون لها، ومنها تدخل عدد منهم بهدم بعض الأضرحة، دون الرجوع إلى الدولة، ومنها هدم ضريح الشيخ السنوسي ونقل رفاته إلى مكان مجهول.

كما يتعامل معهم النظام الجزائري على استحياء، وهناك مراسلات نشرها أتباع الجامية بين شيخهم ربيع المدخلي والرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة يثني فيها الرئيس الجزائري على جهوده.

وفي مصر ينتشر أتباع الجامية في الكثير من المحافظات، ومن أبرز شيوخهم الدكتور سعيد رسلان الذي تحولت قريته سبك الأحد في المنوفية، إلى قبلة لأتباع الجامية أو المداخلة.

انتقادات ومخالفات

يواجه الجامية الكثير من الانتقادات، أهمها نظرتهم إلى أمور الحكم، والمغالاة في تبديع المخالفين لأصغر الأسباب، خاصة من الدعاة والشيوخ الذين لا يسيرون على منهجهم، إضافة إلى سقوط الكثير من أتباع هذا التيار فيما ينتقدونه في قضية الولاء والبراء، وتقديم شيوخهم الكبار على غيرهم من العلماء، والمغالاة في اتباعهم، والمعارك الكلامية والتلاسن الدائم بينهم وبين المخالفين، والبعد التام عن الأصول العلمية التي يدعون لها، في كثير من الأحيان والتفرغ لذكر مناقب شيوخهم وعلى رأسهم أمان الجامي والدكتور ربيع بن هادي المدخلي وابنيه ، وقد حذرهم الكثير من العلماء والخبراء، -ومنهم شيوخهم- من السقوط في دائرة الجماعات وتأسيس جماعة جديدة، تكون إضافة إلى رصيد الجماعات التي فرقت الأمة، وهو أمر معهود في الكثير من مثل هذه التوجهات.