رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إمام «السيدة نفيسة» السابق يفند شبهات الإرهابيين ضد الإسلام- حوار

رشدي
رشدي

الرسول لم يأتِ بالدم.. ولم يقتل أعمامه
والصائل هو المعتدي بالباطل في الفقه الإسلامي
الشرع لا يجعل من الناس عبيدا للحاكم
والجهاد في الإسلام له شروطه وضوابطه


قال الشيخ عبد الله رشدي، إمام وخطيب مسجد السيدة نفسية السابق، إن الافتراءات التي تدلي بها التنظيمات الإرهابية في أحاديثهم وخطاباتهم الإعلامية كثيرة من بينها، زعم أن الرسول قتل أعمامه وأن ما يفعله الإرهابيون في مصر ضد رجال الجيش والشرطة هو «دفع الصائل».

وأضاف رشدي في حواره لـ"أمان"، أن «الملاحظ من واقع تجربتنا للحوار مع من يعتنقون أفكارا إرهابية أو إلحادية أنهما ينطلقان من أرض مشتركة ويتفقان على معالمها، هذه الأرض المشتركة التي ينطلقان منها هي قناعة فكرية مغلوطة بأن الإسلام استباح الدم».

إلى نص الحوار...
◄ ردك على حديث التنظيمات بأن الرسول قتل أعمامه لرفع راية الإسلام؟
إن الملاحظ من واقع تجربتنا للحوار مع من يعتنقون أفكارا إرهابية أو إلحادية أنهما ينطلقان من أرض مشتركة ويتفقان على معالمها، هذه الأرض المشتركة التي ينطلقان منها هي قناعة فكرية مغلوطة بأن الإسلام استباح الدم!
ثم يفترقان بعد ذلك فيقرر الإرهابي تطبيق ذلك الإسلام من وجهة نظره ويعلن الملحد إنكاره لذلك الدين في رأيه.
الحقيقة أن كلا منهما إنما ساير رؤيته عن الدين لا حقيقة الدين وأنهما اشتركا في الاتفاق على الفهم غير الصحيح، وليس ذلك نابعا إلا من ضآلة المعرفة لديهما، فالنضب العلمي ضيق الأفق يورثان الإنسان قناعات تبدو متماسكة ولكنها لا تلبث تنهار أمام أدنى بصيص من شعاع العلم.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان ليستبيح قتل آمن أو ترويع مسالم بيننا وبينه عهد أو هدنة مهما كانت عقيدته وأيا ما كانت ديانته، وما قاتل رسول الله قط إلا ردا لعدوان واقع وهو ما نسميه اليوم بالاحتلال أو ما يسميه الفقهاء بجهاد الدفع، أو إنهاكا لعدوان محتمل وهو ما نسميه اليوم الحرب الاستباقية أو ما درج الفقهاء على تسميته بجهاد الطلب.
على أن كلا القسمين يخلوان _ وفق الضوابط الشرعية_ من أي اعتداء على ضعيف أو طفل أو امرأة أو رجل دين غير محارب أو مدني.
فمن زعم أن سيدنا رسول الله كان يبتدر الآمنين والمسالمين له بالقتل لمجرد اختلاف الدين فقد ضل في عقله ودينه، إنما كان رسول الله يدفع المعتدي ويبتدر من لا عهد للسلام بيننا وبينه ممن يخشى اعتداؤه علينا.
والمتتبع لسيرته الشريفة يجد كل مواقعه لا تخرج عن هذين النوعين اللذين ذكرتهما.

◄ يقولون إن ما نفعله ضد الجيش والشرطة هو دفع الصائل.. فما حقيقة ذلك؟
الصائل فهو المعتدي بالباطل في الفقه الإسلامي كمن اعتدى على مالك أو أرضك وقد أوجب _ فيما قرره الجمهور_الشرع الشريف للمرء المعتدى عليه رد العدوان فقال الله تعالى "فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ" وقال عليه الصلاة والسلام "مَن قُتل دون دِينه فهو شهيد، ومَن قُتل دون أهله فهو شهيد"
لو نظرنا إلى واقع الأمر لوجدنا الجماعات الإرهابية تعتمد مبدء المغالطة فتصف رجال القانون بأنهم صائلون بينما يعتبرون أنفسهم في حكم المعتدى عليهم!
وهذا تدجيل باد لكل ذي عينين، إذ الذي جاء وحمل السلاح وقرر مقاتلة الحاكم واستباح دماء مخالفيه هو الذي يعتبره الشرع صائلا يجب دفعه لا العكس، إذ كيف نجعل المخول من قبل ولي الأمر بحراسة الأمن والأرض صائلا ونصف الصائل الحقيقي بأنه معتدى عليه!؟
ماذا لو قلبنا الصورة وافترضنا في عالم مواز أن هذا الإرهابي هو الحاكم الفعلي ومعه مؤسسات الدولة، فكيف سينظر ذلك الإرهابي الذي هو وقتذاك حاكم إلى من يريد أن يقوض حكمه بقوة السلاح فيستحل دمه ودم جنده ورجاله!؟
كما ترون أنهم يعتمدون قلب الحقائق عن طريق تزييف موارد النصوص الشرعية ليضعوا أمام الناس زيفا أن الدين معهم والحق أنهم أمام الشرع خوارج.

◄ هل يحق للمظلوم أن يحمل السلاح ضد الأجهزة الأمنية؟
إن الشرع الشريف لا يجعل من الناس عبيدا لحاكم كائنا من كان، ولكنه دين منظم فلا يبيح الهمجية ولا الغوغائية بأن يشرع للناس أن يحمل بعضهم على بعض السلاح، ولذا نهى الشرع عن الخروج عن الحاكم، والمراد بالخروج في الفقه هو حمل السلاح لا مجرد التعبير السلمي عن رفض شيء أو معارضته، فذلك حق كفله الشرع والدستور ولا يسوغ قتل المعارض فيه بحال من الأحوال مادام ملتزما السلمية.
فهل حمل السلاح ونصب الكمائن للجنود والضباط والقضاة يعتبر من باب التعبير السلمي عن الرأي؟ أم هو من باب الخروج المسلح الذي حرمه الشرع ونهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
من الذي تسلل عبر الحدود بسلاحه منتظرا الفرصة حين تسنح ليقتل من يلقاه في وجهه رجال الأمن؟ أو ليقتل من يلقاه من غير المسلمين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في شيء من ذلك؟
أو ليس قتل غير المسلم المسالم يعتبر اعتداء على ذمي أو معاهد أو مستأمن؟ أوليس الشرع الشريف قد حرم دماء هذه الأنفس بالكتاب والسنة بل والإجماع؟
فكيف يسوغ لقائل أن يجعل قتل النفس التي حرم الله قتلها جهادا شرعيا يستحق الجنة عليه؟
لقد حسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال " مَنْ قَتَلَ قَتِيلا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، لَمْ يَجِدْ رِيحَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا".

◄ هل هناك جهاد في الإسلام؟.. وما هي أنواعه؟
إننا أمام فكر يزعم أنه يطبق الشرع ثم هو يستبيح معارضة نص الشرع الواضح دون حجة ولا بينة، فيستبيح قتل من حرم الله قتله، ثم ببجاحة يتصدر قائلا: نحن نجاهد في سبيل الله؟
إن الله حين شرع الجهاد قيده بقيد يحكم كل نص ورد في القران والسنة في قضية القتال فقال تعالى " وقاتلوا في سبيل الله الذي يقاتلونكم ولا تعتدوا "
والناظر في هذه الآية يجدها حددت معالم القتال في الإسلام:
فأولا جعل الله القتال متوجها لمن يقاتل فقط وهذا قيد يحرم قتل المسالم كائنا من كان، وثانيا أكد الله تعالى ذلك القيد مرة أخرى فنهى عن الاعتداء قائلا " ولا تعتدوا"، إذن كل أمر ورد فيه القتال في القرآن فهو مقيد بهذا القيد الذي في هذه الآية، ولأن هؤلاء لم يدرسوا تفسيرا ولم يتعلموا أصول الفقه فلا يفقهون مثل هذا الجمع بين الآيات كما تعلمناه في الأزهر الشريف.
هناك ما يطلق عليه المطلق وهناك ما يسمى بالمقيد، فهذه الآية فيها قيد يقيد كل أمر مطلق ورد في القران والسنة بالقتال، ومن هنا ففي ضوء ذلك فهمنا في الأزهر الشريف أحاديث كحديث " أمر أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " فهمنا أن القتال هنا للمحارب لا للمسالم لأن الله حرم الاعتداء على المسالمين، والمسالمون هم المسلم والمعاهد والذمي والمستأمن، ما لم يرتكب منهم ما يستوجب إعدامه بالشرع والقانون، فكيف يقوم هؤلاء بتقطيع النصوص وانتزاعها من سياقاتها ثم توظيفها في خدمة مراداتهم السخيفة ؟

◄ يتطرقون في أحاديثهم إلى الحاكمية.. فما هي؟
المستقر عند أهل السنة والجماعة أن الحكم بشرع الله واجب والمخالفة لذلك إثم ولكن هل يسوغ تكفير الحاكم لوجود بعض المخالفات في بعض القوانين؟
الحقيقة أن المدرسة التي تقول بهذا في الملة الإسلامية هي مدرسة الخوارج، ولذا نراهم يكفرون سيدنا علي بن أبي طالب وأبا موسى الأشعري وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان بل واستحلوا دماءهم وهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولنا في تفسير الآية التي يستدلون بها حجة عليهم، فقد تواطأ الصحابة رضوان الله عليهم على أن الكفر في آية الحكم بغير ما أنزل الله هو كفر لا ينقل عن الملة ولا يبيح الدم ولا يستوجب الخروج المسلح على الحاكم بل هو معصية فقط لا يجوز معها تكفير أحد يؤمن بأن حكم الله هو الحق، وفيما رواه الطبري دليل على ذلك فقد أورد بسنده عن عمران بن حدير، قال: "أتى أبا مجلز ناس من بني عمرو بن سدوس، فقالوا: يا أبا مجلز، أرأيت قول الله {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} أحق هو؟ قال: نعم، قالوا: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} أحق هو؟ قال: نعم، قالوا: {ومن مل يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} أحق هو؟ قال: نعم، فقالوا: يا أبا مجلز، فيحكم هؤلاء بما أنزل الله؟ قال: هو دينهم الذي يدينون به، وبه يقولون، وإليه يدعون، فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنبا. فقالوا: لا والله، ولكنك تفْرَق! قال: أنتم أولى بهذا مني! لا أرى، وإنكم ترون هذا ولا تحرّجون! ولكنها أُنزلت في اليهود والنصارى وأهل الشرك، أو نحوا من هذا".
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لآية الحكم بغير ما أنزل الله ما نصه: " وروى ابن أبي حاتم عن ابن عباس، في قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} قال: ليس بالكفر الذي تذهبون إليه. ورواه الحاكم في مستدركه، وقال صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه".

◄ هل القوانين الوضعية مخالفة لشرع الله؟
والعجب أن الواقع المشاهد يدحض فكرهم، فمصر بنص الدستور هي دولة إسلامية تقوم على أساس المؤسسات الوطنية الحديثة وتستمد قوانينها من مصدر تشريعها الرئيسي الذي هو الشريعة الإسلامية وتحفظ لغير المسلم حقه في التعبد بحرية، فكيف لدولة هذا هو دستورها أن يقوم قائم بمقاتلة حكامها زعما منه بالباطل أنهم مرتدون يجب قتالهم.
إن منهج أهل السنة والجماعة هو الوقوف على ما ورد من تفسير لهذه الآية، وما ورد في تفسيرها لا علاقة له بالخروج من الملة من قريب ولا من بعيد وإنما هو إخبار عن معصية كباقي المعاصي، على أننا لدينا اتجاها آخر في تفسير هذه الآية يقول إنها نزلت في الأمم السابقة ممن حرفوا كتبهم ولا علاقة لها بالمسلمين وحكامهم أصلا !