رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الشيرازية» والملالي وجها لوجه.. تعرف على «التكفيريين الشيعة»

أرشيفية من عزاء صادق
أرشيفية من عزاء صادق الشيرازي

أثار اعتقال المرجع الشيعي آية الله حسين الشيرازي موجة احتجاجات واسعة للتيار "الشيرازي" في عدد من المدن الإيرانية، على مدار الأسبوعين الماضيين، وامتدت الاحتجاجات إلى كربلاء العراقية، والكويت، والعاصمة البريطانية لندن التي شهدت هجوما السبت الماضي من الشيرازية على السفارة الإيرانية وأنزل المتظاهرون العلم الإيراني من أعلى مبنى السفارة، الأمر الذي أدى إلى تدخل قوات الأمن التي احتجزت عددا من أتباع المرجع الشيعي.

وتعود واقعة اعتقال الشيرازي في مدينة "قم" الإيرانية بسبب قيادته احتجاجات في كربلاء أمام القنصلية الإيرانية؛ ضد نظام الملالي الذي بات خطرا يهدد الشيعة أنفسهم بعد تدخلاته الواسعة في المنطقة العربية السنية، ويشن نظام الملالي حملة اعتقالات ضد المعارضين خاصة التيار الشيرازي فقبل شهر أيضا تم اعتقال نجل المرجع صادق الشيرازي بسبب خطبة ألقاها أحد الأساتذة في حوزة السيد صادق الشيرازي في قم انتقد فيها ما يسمى بـ "تعبئة الشباب" بحجة " الدفاع المقدس" وهو شعار يستخدمه الحرس الثوري الإيراني وحزب الله كعنوان للقتال في سوريا دعما لنظام بشار الأسد.

السطور التالية تلقي الضوء على هذا التيار لمعرفة جذوره، وعقيدته التكفيرية التي تعتبر السنة والشيعة من غير أتباعها كفارا.

الجذور كربلاء

ظهرت الشيرازية في ستينيات القرن الماضي في كربلاء العراقية، وكانت عبارة عن مجموعة شيعية اثنا عشرية تنسب إلى "محمد الحسيني الشيرازي" كما حملت أيضا اسم "الرساليين"، وكان هم الشيرازي الأكبر، هو الاستقلال من هيمنة مرجعية "النجف" العراقية و"قم" الإيرانية.

استغل محمد الشيرازي الانقسام بين سكان مدينتي النجف وكربلاء خلال فترة الزيارات بين مواكب المدينتين خاصة رغبة العوام في الاستقلال عن هيمنة مرجعية النجف، وأنشأ مرجعية كربلاء التي أصبحت حوزة "شيرازية" في قلب المدينة التي تضم عددا كبيرا من أصحاب الجذور الإيرانية، وبداية الحركة كانت عبارة عن اتجاه تحرري من هيمنة مرجعية "النجف" تحولت خلال الثورة الخمينية إلى الجانب السياسي، خاصة بعد هجرة محمد الشيرازي إلى الكويت هروبا من تضييق النظام العراقي، ثم انتقل بعد ذلك إلى إيران وذهب أخوه حسن الشيرازي بعد خروجه من السجن في العراق إلى سوريا ولبنان على خلفية خلافه مع الإمام موسي الصدر.

ورغم مساندة الشيرازية الثورة الخمينية، واحتلال "منظمة العمل" الشيرازية التي قادها محمد المدرسي شوارع طهران ومشاركتها في إعدام معارضي الثورة، إلا أنها تحولت فيما بعد لحركة معارضة للنظام الملالي، واعتبرها الكثيرون حركة وافدة من العراق لاختراق المجتمع الإيراني، وأطلقوا عليها اسم "كربلائيها" نسبة إلى مدينة كربلاء، وكان أبرز قيادات هذه المنظمة حينها، كمال الحيدري ومحمد المدرسي، وكذلك محسن الحسيني، لكن الحيدري انقلب عليهم وأسس مرجعية منفصلة فيما بعد.

في أحضان النظام

استطاع الشيرازية تحقيق الانتشار داخل الدولة الإيرانية وسيطرت على طهران، وكان لها عدد كبير من الحسينيات في قم وأصفهان، إلى أن اعتمد عليها الحرس الثوري في نشر التشيع في دول الخليج والسودان، وتمكنت من إنشاء عدد كبير من القنوات الفضائية منها قناة الأنوار وفدك وأهل البيت والهادي التابعة لهادي المدرسي، وقناة المرجعية التابعة لصادق الشيرازي لاستخدامها في نشر أفكارها في الدول العربية خاصة دول الخليج والمملكة السعودية.

وقد ذكرت بعض التقارير ومنها تقرير مركز نماء للبحوث والدراسات في عام 2011 حول التشيع في إفريقيا "أن الشيرازية تمكنت من إنشاء قاعدة جماهيرية واسعة في الخليج العربي والعراق واستطاعت جمع أموال هائلة من خلال التبرعات التي انهالت عليها من كل حدب وصوب من خلال نشر التشيع في الكثير من البلدان الإفريقية وشمال المغرب العربي عن طريق الإعلام والإرساليات التبشيرية التي تبشر فقط المسلمين السنة، وليس من أولوياتهم التبشير في أوساط النصارى أو اليهود".

الانقلاب على النظام

ورغم المكانة التي وصلت إليها الحركة في إيران وخارجها والتي كانت تتمتع بدعم كبير من التيار المحافظ الذي يمثله آية الله منتظري، إلا أن الحركة ما لبثت أن تتصادم مع النظام في الجانبين الفقهي والسياسي، وبدأت في إحراج النظام قبل الحرب العراقية الإيرانية عن طريق تنفيذ بعض العمليات منفردة، منها محاولة الانقلاب الفاشلة في البحرين عام 1981 التي قادتها "الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين" التابعة للشيرازية، التي كان يقودها محمد تقي الدين المدرسي وأخوه هادي المدرسي الذي كان يعمل على تصدير الثورة الخمينية لدول الخليج، الأمر الذي أدى إلى طرد السفير الإيراني من البحرين على خلفية ذلك.

الصدام مع ولاية الفقيه

توافق الشيرازي مع الخميني في أهمية مشاركة رجال الدين في مؤسسات الدولة خلال حكم الشاه، وكان الشيرازي سباقا في وضع نظرية "ولاية الفقيه" التي يستند إليها نظام الملالي حاليا، وقد تعاون الشيرازي مع الخميني بعد نجاح الثورة، واعتمد الخوميني على الشيرازية في تصدير الثورة للخارج.

ثم بدأت تظهر الخلافات بينهما عندما انتقل الشيرازي للعيش في إيران، وكان طموحه قويا وكان يسعى ليكون نائبا للخوميني الذي فضل عليه حسين منتظري، لكن زاد غضب الشيرازي بعد أن عرض عليه أن يكون "إمام جمعة" في عربستان، وهو ما أشعره بالإهانة، وبعدها بمدة فرض الخوميني الإقامة الجبرية على رفيق دربه محمد الشيرازي، إلى أن توفى داخل منزله، كما يقول بعض رفاق الشيرازي، في إطار سياسة الإعدامات والاعتقالات التي تعرض لها المخالفون له، حتى من فقهاء الدولة ورجال الدين الذين أنجحوا ثورته، ووقفوا ضدد الشاه من قبل، علاوة على الإعدامات الميدانية للأقليات والمعارضين.

تحولات فكرية ونقض ولاية الفقيه

كانت محاولات الخوميني للانفراد بالحكم سببا رئيسا في التحولات الفكرية لدى الشيرازي، حيث تيقن الشيرازي أن الثورة حولت الخوميني إلى ديكتاتور، فنادى بمبدأ شورى الفقهاء الذي كان يرفضه في البداية، وتقوم نظرية شورى الفقهاء على اختيار عدد من الفقهاء لإدارة الحكم عن طريق الشورى بينهم، ويؤخذ برأي الأغلبية، وترفض نظرية الشيرازي أن تكون هناك ولاية لفقيه على آخر لتكون الولاية فقط على مقلديه، وبالتالي فقد رفض أن تكون ولاية الخوميني حجة على فقيه مجتهد مثله، الأمر الذي يعد انتزاعا للقداسة التي يتمتع بها الخوميني.

وكانت هذه النظرية منطلقا لانقلاب على ولاية الفقيه وامتدت أيضا إلى تأصيل الحرية لدى الشيعة داخل الحوزة الواحدة في اختيار من يريد تقليده.

ومن ضمن الاختلافات الأخرى التي أسسها الشيرازي التفريق بين الفتوى والحكم وتتلخص هذه الفكرة في أن الفقيه الذي يحكم يعتبر في موضع مسئولية وتشريع مثله مثل الفقيه الذي لا يحكم، وبالتالي فلم يعد مستساغًا أن يتم تنفيذ حكم فقيه فقط لأنه في سدة الحكم، وبالتالي فقد تساوت الفتوى والحكم في أنهما لا تلزمان المقلدين باعتبار صدورهما ممن يتقلد السلطة الحاكمة.

عقيدة الشيرازية

ثم دخل الشيرازي منطقة أخرى وهي اعتبار أن كل المراجع نواب للمهدي، وبالتالي فقد صار ذلك أيضا انقلابا على النظام الإمامي الذي يرفض مبدأ الشورى الذي يعتبر أن الحاكم نائبا عن الله.

لم تقف نظرية الشيرازي العقدية عند هذا الحد، وامتدت أيضا إلى تأصيل الجانب الطقسي وإظهار شعار الشيعة، باعتبارها أهم مرتكزات المذهب، وبالغ الشيرازية في أن التمسك بهذه الطقوس وحدها جدير بدخول الشيعي الجنة، ومن هذه الطقوس "التطبير" والضرب بالسيوف على الظهور، التي تعد من أعلى درجات القداسة في إظهار المحبة لآل البيت، وتطور ذلك إلى أن أطلق عدد كبير من أتباع الشيرازي على مواليدهم اسم "كلب الحسين"، إمعانا منهم في تقديس الحسين ابن علي رضي الله عنه خاصة رواد كربلاء .

ويرفع الشيرازية شعار "التولي والتبري" بدلا من عقيدة الولاء والبراء، فالتولي أي موالاة من يسير على منهجم، والتبري من غيرهم سواء من السنة أو الشيعة، ويعتبرون الطرفين كفارا على السواء.

إعلاء الطقوس

ويعتبر التيار الشيرازي "الأصولي" أكثر التيارات تشددا في إيران ويطلق عليه الكثير من الباحثين أنه يفوق خطورة القرامطة والإسماعيلية، فهم يكفرون السنة والشيعة من غير أتباع الشيرازية، ويطلقون على الشيعة لقب "البتريين" الذين يبترون النصوص بحسب زعمهم، كما لا يعترفون بمبدأ التقية ويظهرون العداء للصحابة، وأمهات المؤمنين علانية كما يعتبرون سب السيدة عائشة وعمر أبي بكر الصديق وعمر ابن بن الخطاب من أقرب القربات، ومن أصول مذهبهم، وينتقد الشيرازية التقية التي ينتهجها نظام الملالي ويعتبرها التفافا على النصوص ومخالفة للمذهب الشيعي، ويغذِّي هذا التيار عملية الكراهية المجتمعية في إيران ضدّ السنة سواء في إيران أو خارجها.


الشيرازية والسياسة

بداية الشيرازية كانت دينية، ولما اكتوت بنيران الديكتاتورية السياسية المغلفة بلباس الدين بدأت الانقلاب عليها، ورغم ذلك فقد حملت الشيرازية مهمة نقل الثورة الخومينية للدول العربية خاصة دول الخليج والمملكة السعودية، وبرز العديد من الكيانات والشخصيات الشيرازية التي تدعو للثورة والتحرر منها الجبهة الاسلامية لتحرير البحرين، ومنظمة الثورة الاسلامية في الجزيرة العربية تعتبر أهم حركات التحرر التابعة للشيرازية، وهذا ما يفسر انفصال شيعة البحرين والسعودية عن تبني فكرة ولاية الفقيه لأن قياداتهم بالغالب شيرازية.

ومن أبرز القيادات الشيرازية في السعودية الشيخ نمر النمر الذي أثارت خطبه وانتقاداته غضب السعودية واعتقل على خلفية إثارته الفتة في شرق المملكة وحكم عليه بالإعدام، ومن ضمن الأسماء أيضا حسن الصفار المتهم ايضا بإثارة المشاكل الطائفية في المملكة.

ورغم العداء الظاهر مع نظام الملالي إلا أن إيران تستغل العداء الشديد الذي يكنه "الشيرازية" للسنة التي تعتبرهم كفارا يجب استئصالهم في المعارك الدائرة في سوريا، لأن الشيرازية من أكثر التيارات ميلا للعنف.