رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا يُسىء الضابط «الورفلى» للجيش الليبى؟

فاروق
فاروق

شهد العام المنصرم تقدما عسكريا واسعا حققته القوات العسكرية الليبية التابعة للبرلمان، في المنطقة الشرقية، خاصة في مدينة بنغازي، التي أعلن الجيش تحريرها بالكامل من مقاتلي «داعش» ومن يناصرهم.

وبعد إعلان التحرير رسميًا في ديسمبر الماضي، تغيرت لغة الخطاب الدولية مع القيادة العامة في الشرق الليبي، وعلى رأسها المشير خليفة حفتر، الذي عينه البرلمان قائدا عاما للجيش ومنحه رتبة «مشير».

ولاقى هذا التحرير- بلغة الجيش هناك- ترحيبا دوليا واسعا، وبدأ المجتمع الدولي الانفتاح أكثر على الجيش وقياداته، ودعوة حفتر لزيارة خارجية، ومنها إلى إيطاليا وغيرها من الدول، ناهيك عن زياراته المتعددة لمصر والإمارات والأردن خلال العام الماضي، بل وبدأت وفود دولية زيارة حفتر في مقر إقامته في الرجمة (شرق ليبيا).

تفجيرات وتصفيات
وبهذه الزيارات الخارجية والداخلية، أصبح حفتر رقما صعبا في المعادلة السياسية، واستقر الشرق الليبي نوعا ما، لكن سرعان ما بدد هذا الهدوء تفجيران في منطقة السلماني بوسط بنغازي، أسفرا عن عشرات القتلى والمصابين، وهو ما طرح سؤالا: من يحاول تفجير الوضع من جديد؟ وهل كان إعلان تحرير بنغازي «منقوصا»؟

ولاقت هذه الأحداث الإرهابية تنديدا وردود أفعال محلية ودولية غاضبة، وسط مطالبات بسرعة التحقيق فيها وتقديم الجناة للعدالة، وهذا ما طالبت به القيادة العليا للجيش هناك.

لكن، وتزامنا مع التفجير، قام آمر محور قوات الصاعقة بالجيش الليبي، الرائد محمود الورفلي، بعمليات تصفية ميدانية لحوالي 10 سجناء (لم تُعرف هويتهم حتى الآن ولا القضايا المتهمون فيها)، وقام بتكبيل أيديهم وإطلاق الرصاص على رءوسهم أمام المارة، في نفس المنطقة التي شهدت التفجيران الأخيران في بنغازي.

وهنا قام «الورفلي» بالفعل بإطلاق الرصاص على دولة القانون التي يحلم بها الليبيون، في تصرفات لا تقل جرما عما فعلته عصابات «داعش» هناك، كون هؤلاء السجناء لم يقدموا لمحاكمات ولا تحقيقات ولا علاقة لهم بالتفجيرات أصلا، لكن «الورفلي» فعلها وأعدمهم بلا محاكمة.

ولم تكن هذه هي الفعلة الأولى للورفلي، فقد قام من قبل بتمثيل عمليات تصفية على نفس نهج «داعش»، فقام من قبل بتقييد مجموعة في الصحراء وقرأ حكم الإعدام من تلقاء نفسه، ثم أمر بإطلاق الرصاص وقام هو بنفسه بالقتل.

هذه التصرفات غير المسئولة وضعت قيادات الجيش في حالة حرج شديد، محليا ودوليا، فمحليا اعتبرها بعض مناوئي حفتر جرائم حرب يجب محاكمة الضابط عليها والتحقيق معه عسكريا، بل ومنهم من حمّل القائد الأعلى المسئولية كون الأخير يتلقى التعليمات منه.

ودوليا.. جددت المحكمة الجنائية الدولية طلبها بضرورة اعتقال «الورفلي» وتسليمه للمحكمة الجنائية، وهو ما لم يرد عليه الجيش حتى الآن.

وحقيقة، لم نعرف لماذا يصر حفتر على الاحتفاظ بالورفلي، بل يصل الحد للعجز عن القبض عليه أو حتى إصدار أمر إيقاف له، فحتى عندما انتشر بيان «مزور» منسوب لمدير مكتب حفتر، اللواء عون الفرجاني يطالب بعدم التعامل مع الرائد الورفلي، خرج الفرجاني عبر الفضائيات وكذب البيان، دون ذكر مزيد من التفاصيل عن تصرف القيادة العليا مع هذه التصرفات.

بعض القراءات العسكرية القادمة من ليبيا، ترى أن الأمر قد يكون جاوز القيادة العليا، كون الورفلي يحتمي ببعض القبائل هناك، وأن أتباعه كثر، واتخاذ قرار الآن ضده ربما يتسبب في «فتنة» عسكرية، لكن ألا يعد تشويه هذه القوات أكبر من الفتنة؟.. وألا يعد «قتل» محمود أكبر من الفتنة؟.. الجواب عند «المشير».

دلالة التوقيت
والأدهى من ذلك، هو دلالة التوقيت في هذه الأحداث، فقد جاءت تصرفات الورفلي وسط مساعٍ كبيرة إقليمية ومحلية لمحاولة توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، بعدما نجحت القاهرة فى الجمع بين ضباط ليبيين من الشرق ومن الغرب والجنوب، وكادت هذه الوفود أن تتوصل إلى اتفاق يضمن وحدة الجيش الليبي، وللعلم «الجيش هناك مثل باقي المؤسسة، به ازدواجية، ففي حين هناك قوات في الشرق لها قيادة عليا ورئاسة أركان، يوجد في الغرب الليبي رئاسة أركان ووزير دفاع».. والتحركات لمحاولة جمع كل هؤلاء في مؤسسة واحدة.

أمر آخر، وهو قرار الجيش القبول بالعملية الانتخابية بل وحمايتها حتى تتم بنزاهة وشفافية، ورفض الجيش أو إيقافه ما ادعاه البعض في الشرق الليبي من حملة تفويض لحفتر لرئاسة ليبيا، لكن الأخير فضل الانتخابات وقبل بها وطالب الناخبين بسرعة التسجيل واختار من يمثلهم ويعبر عن مصالحهم.

ورغم التقدم العسكري والسياسي للقوات العسكرية، إلا أن تصرفات الورفلي، المطلوب دوليا، ربما تعرقل هذه الخطوات إذا استمر حرا طليقا بلا تحقيق أو حتى أمر عسكري بخصوصه.. فما المانع من مثوله أمام الحاكم العسكري والتعرف على دوافعه في ارتكاب هذه الجرائم، والتأكيد أنها تصرفات فردية وليست أوامر عسكرية عليا؟.

.. ويبقى السؤال: لماذا يصر الجيش على بقاء الورفلي؟ ويصر الورفلي على الإساءة لهذا الجيش؟