هل التدين مطلوب؟
قد تجد سؤالي غريبًا، وقد تتهمني بالجنون أو المجون، باعتبار أن التدين فضيلة أخلاقية لا يختلف عليها اثنان من باب التقرب إلى الله لنيل حسن الختام والجنة.
لكن ما هو التدين؟ هل يمكن أن نناقش هذا المفهوم ببساطة حتى نفهمه بعمق؟
لماذا أشعر أن التدين بالمفهوم الحالي أصبح عبئا ثقيلا، ولذلك لا يمارسه إلا القليل بينما المفاهيم الدينية تفترض أننا جميعا يجب أن نكون متدينين، هل هناك خلل في التركيبة لدرجة أن الناس تبتعد عن التدين رغم يقينها بالدين، وهو ما يؤدي إلى خلو المساجد طوال العام واكتظاظها فقط في يوم الجمعة ورمضان؟
العبء الثقيل لا يأتي من مجرد قيامك بتجنب الحرام، وإنما من سلسلة طويلة من الممارسات اليومية التي تتسم بالحذر والتفكير في كل شيء.
هل هي مجرد مرحلة تاريخية غير طبيعية للإنسان الذي يشاهد الحلال والحرام ويظل المشايخ ورجال الدين يحذرونه وينصحونه لكنه لا يأبه ويظل مستمتعا بأشكال من الحرام؟ سواء الأشكال الحادة مثل عدم الانتظام في الصلاة والزنا والكذب والرشوة و...الخ أو الأشكال الأخرى الأقل حدة مثل الاستمتاع بالأغاني العاطفية ومشاهدة الأفلام والسب والنميمة والكبر و..الخ.
الغريب أننا وقد تجاوزت أعمارنا حد الشباب لا زلنا في هذه الأزمة المقلقة حول التقرب من الله والتدين، ولا زلنا نبحث عن طريق وطريقة لنكون على طريق مستقيم، ونحن قد عاصرنا القلوب الطيبة العامرة بالإيمان والنقاء الروحي في قلوب أمهاتنا على سبيل المثال، وهذا ما يجعلنا نصمد قليلا أمام الحضور الطاغي للحرام، لكن كيف ستكون أحوال الأجيال الجديدة التي تشاهد حيرتنا وقلوبنا المركبة المعقدة؟ ما هي المسافة التي سوف تفصلهم عن التدين إذا كنا نعتبر التدين فرضا؟ وهم يعيشون في عالم ضخم، منفتح للغاية، قد يبدو شرير، أو إباحي، أو فاسق، أو فاسد.
وما هي انطباعاتهم عن التطرف الذي بشكل ما هو نتيجة للتدين بصرف النظر عن كون التدين المؤدي للتطرف صحيحا أم خاطئا، هل يمكن أن تقنع أبنك بأن يكون متدينا ويصلي في المسجد مثلا ولكن ليس مثل هؤلاء المتطرفين وبنفس الوقت لا يترك الحياة الطبيعية ولا ينغلق على نفسه، ويكون حذرا للغاية أمام الشهوات والملذات المنتشرة في كل بقعة حوله، وأن يتحرك بمرونة بين كل هذه التفاصيل المعقدة دون أن يخطئ أو ينحرف؟
وإذا اقتنع هل سيستطيع؟
يقول برتراند راسل: الأديان التي تدين ملذات الحس تدفع الناس إلى البحث عن ملذات القوة.
إذن ما هو التدين؟ هل الفكرة سليمة أم من يحملون رايتها هم من تسببوا في فهمها الخاطئ وأزمتها الحالية والتي استمرت طويلا، وسوف تستمر طالما لم نحدد مستوى معقول من الفهم والحدود.
هل من الممكن أن تكون المسافة المطلوبة ولنفترض أنها بالسينتمترات مبالغ في قربها وهو ما يجعلها مستحيلة، ومن الأفضل أن تبتعد المسافة قليلا لتكون بالأمتار فتصبح أكثر معقولية.
مجرد أسئلة تنعش الفهم والمفهومية.
