رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من سينتصر في حرب أوكرانيا؟

بمجرد انهيار الاتحاد السوفيتي انخرطت روسيا في علاقات متطورة مع الغرب، بل اتجهت السياسة الروسية إلى تبني شكل من أشكال الديمقراطية والسوق المفتوح والاقتصاد الحر وكان الشعب الروسي نفسه سعيدا بعد سنين طويلة من الحكم الشيوعي البيروقراطي الديكتاتوري المعقد.

فعليا كان الغرب ينتصر بقيمه وانتهت تلك الحقبة السخيفة من الاستقطاب الأيديولوجي والحرب الباردة، فقد شكل هذا العهد الممل عبئا قاسيا على الشعوب، إذ وضعهم في حالة خوف واستنفاردائمين،وانبعاجات ثقافية تجلب الصداع، بالإضافة إلى حروب صغيرة هنا وهناك، ومحاولات مستمرة للسيطرة على الدولمن كلا القطبين.

20 Years Since The Fall of the Soviet Union - The Atlantic

 

انهار الاتحاد السوفيتي وانفرطت الدول التي سيطر عليها وكانت ضمن حدوده إلىعدة دولة هي: بيلاروسيا وأوكرانيا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا وكازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان وأوزباكستان وأرمينيا وأذربيجان وجورجيا ومولدوفا وطاجيكستان، وكذلك انتهت تبعية عدد من الدول الأخرى في المعسكر الشرقي وهي بولندا ورومانيا ويوغوسلافيا (التي انقسمت إلى عدة دول) وألبانيا وبلغاريا وألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا (التي انقسمت إلى دولتين) والمجر.

 

لكن المثير في الأمر أن الوريث الشرعي (روسيا) ظلت دولة قوية، ربما بسبب شخصية قوية قادتها هي (بوتين) أو بسبب امتلاكها المستمر للأسلحة النووية أو لوضعها الديموغرافي الراسخ من حيث المساحة والسكان والتنوع.

 

Soviet Union and Putin's Russia: Can the past be revived? - World News

 

فجأة اكتشف الرئيس الروسي أن العالم بوضعه الحالي وهو الأقل من حيث الحروب والصراعات ليس متوازنا، وأن وجود أوكرانيا القريبة من حدوده كحليف للولايات المتحدة وحلف الناتو يشكل تهديدا استراتيجيا لأنها متلاصقة مع حدود بلاده، وأنها يجب أن تكون منطقة منزوعة السلاح وتتفسخ لعدة دول.

طبعا لا أريد أن أتعالى على فكر الرئيس الروسي وأنبهه إلى أن التلاصق الحدودي لم يعد بهذه الأهمية الاستراتيجية في الحروب العسكرية والدليل أن الولايات المتحدة حاربت في دول مثل العراق وأفغانستان مثلا وروسيا نفسها لديها قوات على الأرض في سوريا رغم المسافات البعيدة، كما أن استوينا ولاتفيا الأعضاء في حلف الناتو ملاصقين لحدود روسيا ومنذ انضمامهما في 2004 لم يحدث أي تهديد لا لروسيا ولا لحدودها ولا لسيادتها،  وأن الصواريخ التي تمتلكها روسيا وكذلك الولايات المتحدة، بل وبعض الدول الصغيرة العادية أصبحت عابرة للقارات، كما لا أود تنبيهه أن الحروب بمعناها الجديد أصبحت اقتصادية وتكنولوجية، ولا أحب أن أذكر مرة أخرى أن انهيار الاتحاد السوفيتي بحد ذاته لم يفقد روسيا قوتها على الإطلاق وأن القوة الحقيقية هي الأسلحة النووية التي تملكها.

 

إذن تخيل أوكرانيا حليفة للغرب وعضو في حلف الناتو، هل السيناريو المتوقع هو أن تضع الدول الغربية قواعد عسكرية لغزو روسيا أو ضربها بالأسلحة النووية؟ أو تطويقها وحصارها اقتصاديا؟ أو انتهاك سيادتها؟ لماذا قد تفعل ذلك؟ ما هو الهدف؟ ما هو التهديد الحقيقي لوجود حلف الناتو في أوكرانيا؟ ما الذي يدفع الدول المنتصرة في الحرب العالمية والتي كانت تدافع عن نفسها ضد النازية أن تصنع حربا جديدة بينما تعيش في أزهى عصور السلام والرفاهية؟

 

North Atlantic Treaty Organization (NATO)/NATO Map | Mappr

 

طبعا قد يعترض البعض على هذا السؤال معتمدا على خبايا السياسات الاستراتيجية، والصراعات الخفية وغير الخفية على النفوذ بين روسيا والولايات المتحدة، والطمع المشترك في مصادر الثروة والتجاذبات الإقليمية الجيوسياسية في أوروبا وغطرسة الولايات المتحدة والنيات الاستعمارية للغرب ... الخ الخ.

لكنني أرى بوضوح أن هناك مبالغات استعراضية غير عادية ومعقدة يطرحها السياسيون والمثقفون دوما وتتسبب في بلاء البشرية بلا داعي، فالحرب الباردة مثلا التي عاش فيها العالم لعقود انهارت في عدة سنوات واختفى كل هراء الاستقطاب السياسي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي ليتم تصحيح هذا النهج ويستفيق العالم من الأفكار السمينة التي طرحتها الشيوعية والتي أنتجت ملايين من الكتب والمحاضرات والندوات والمباحثات السياسية والفلسفات والصفقات والتصريحات والاتفاقيات والحروب والتوترات الإقليمية والضحايا ... الخ والحصيلة قد تكون صفر.

 

Poll: Two Thirds of Russians Miss the Soviet Union | theTrumpet.com

 

 

لدي صديق عزيز لديه مبدأ محدد لا يتنازل عنه أبدا (دافع دائما عن الطرف المعاكس لأمريكا)، وهذا المبدأ في الحقيقة هو ما يتخذه الكثيرون بصرف النظر عن الحقيقة والمنطق والعلم.

لا أطلب منك أبدا أن تحب أمريكا أو تنفي غطرستها واستعماريتها فأنت حر في رأيك، لكن أطلب أن نحكم بالعقل ونحدد ما هو الأفضل للبشرية، أليس الهدوء النسبي الذي يعيشه الكوكب أفضل للجميع مع الأخذ في الاعتبار أن الحرب العالمية الثانية خلفت ملايين الضحايا في العالم، أليس السلام أفضل من النيران التي قد تحرق الجميع وقد تمتد إلى عالمنا العربي.

 

أدرك أن عدد من أصدقائنا المثقفين قد يرون هذا التوجه الروسي بمثابة حل جميل لصراعهم الداخلي القديم وسوف يمدهم بأسباب عظيمة تجعلهم يصفقون للرئيس الروسي الرائع الذي يقف في وجه الغطرسة الأمريكية، وأشفق على نظرتهم السريعة وحكمهم المنحاز دون إدراك لتداعيات الكارثة التي قد تحل بنا.

لماذا لا يمكنك القول مثلا (أنا لا أحب أمريكا ولا أحب الغرب، لكن ما يحدث حاليا من تدخل روسي ليس في صالح البشرية).