رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اختلاف فخلاف فصراع.. ثم ماذا بعد؟


بمجرد إثارة أحد القضايا في الإعلام المصري فضائيا أو في وسائل التواصل الاجتماعي تحدث ظاهرة إيجابية للغاية، حيث يتحمس كل فريق أو اتجاه للدفاع عن وجهة نظره ومحاولة إقناع الآخرين بها في زخم مبهج من تبادل الآراء والمناقشات، وتقديم الأدلة والبراهين والحجج للآخرين، والمجتمعات المتحضرة تقبل بحرارة وحماس هذه الظاهرة التي ينتج عنها بالتأكيد إثراء إما للأفراد أنفسهم، أو لمتخذ القرار، أو للرأي العام بصفة عامة.
لكن، وماذا بعد؟
يتطور الحوار الإيجابي في مجتمعنا إلى شكوك، ثم صراع، ثم سب وقد ينتهي بالتكفير مثلا، لتصبح الساحة التي ننتظر منها نتائج تؤثر في مخيلتنا وأفكارنا بئرا عميقا من المشاكل التي يقفز فيها البعض مصرا على فرض آراؤه على الآخرين مهما كان الثمن ومحتقرا لأفكارهم ورؤيتهم، فيما ينزوي البعض بعيدا عن الجدل مبتعدا عن الشر، ويتنازل عن كل ما يمكن أن يسهم به من أجل السلامة وحفظ الكرامة، أما الجمهور الذي يتوقع أن يستفيد من النقاش في حياته فينصدم من التباين الشاسع ويترك هؤلاء المتصارعين في أعماق البئر لينام في هدوء.
يبدو أن المنطقة العربية تحديدا تعاني من هذه الظاهرة والتي يمكن أن نلخصها بمسمى (الحوار المغلق عديم الفائدة)
لنعيد الدرس القديم جدا والذي يقول ببساطة أن العرب مختلفون رغم أن لديهم عناصر مشتركة لا توجد في مناطق أخرى من العالم فيما لو نظرنا إلى أوروبا مثلا فإنهم متحدون رغم الاختلافات العميقة والتنوع الواسع فيما بينهم.
لو استرجعنا تاريخ أوروبا فسوف ندرك أنهم مروا بمراحل من التفاوت الذي أدى إلى حروب غير مسبوقة راح ضحيتها الملايين، لكنهم تعلموا الدرس البسيط ونشروه في بلادهم وفي العالم وهو رغم اختلافنا علينا أن نجد أرضية مشتركة تسمح بالانطلاق إلى الأمام لأن الخلاف المستمر يؤدي إلى التخلف وربما الانهيار.

إعدام عضو من المقاومة الفرنسية من قبل فرقة إعدام ألمانية

والخلاف بينهم ليس في اللغة فقط، بل حتى في المواقف السياسية والاقتصادية فمثلا المانيا وبريطانيا يميلون لتأييد الجماعات الدينية في الوطن العربي فيما فرنسا وإيطاليا يعارضونها تماما، لكنك لن تشعر بخلاف وجدال وضجيج وسب وشتم وصراع، بل إنهم قد يوحدون رؤيتهم في بعض المواقف المرتبطة بقضية كتلك من أجل الصالح العام.
أوروبا الموحدة أصبحت جنة للعالم، لذلك نشاهد جحافل اللاجئين من آسيا وإفريقيا يكافحون من أجل الوصول لأراضيها، وتأشيرة شنجن حتى للسياحة تعد ميزة في جواز السفر، ومساعي الهجرة الشرعية وغير الشرعية لا تتوقف باتجاه هذه الدول، تركيا تلهث للانضمام للاتحاد الأوروبي، بل أن الحرب المزمعة بين روسيا والولايات المتحدة سببها رغبة أوكرانيا في الانضمام للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
 

في الواقع أننا لم نتعلم ثقافة الاختلاف وطرق البناء على خلافاتنا، الكل يقف متصلبا خلف قناعاته ولا يبحث عن تفاهم مشترك، وطبعا يعكس الإعلام وتعكس مواقع التواصل الاجتماعي حقيقة الواقع في عقلية الإنسان العربي بشكل عام، أنت وأنا نلمس ذلك في دردشاتنا البسيطة مع الأصدقاء والتي لا تصل أبدا لنقطة اتفاق في قضايا خلافية عادية، وهو ما نلمحه أيضا إذا تحاورت مع بائع، أو مديرك، أو شخص صدمك بسيارته، أو موظف حكومي تطلب منه معاملة، وربما حتى زوجتك.
الخطر الأكبر أننا إذ استسلمنا لأهوائنا العصبية، وصلابتنا، لا نحاول أن نبعد الأجيال القادمة عن مثالبنا العتيقة، لا نحاول أن نحررهم من البئر العميق للحوار المغلق عديم الفائدة.
فلننتظر جيلا يشبهنا وندور في حلقات مفرغة من التنافر والصراع.