رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الغزو الروسي لأوكرانيا.. ماذا بعد؟

روسيا في عمق الازمة. 
أوكرانيا في إنهيار جراء جائحة الازمة. 
أوروبا في أزمة. 
بالطبع، الولايات المتحدة الأمريكية، في  ثلاث أزمات:

  • أزمة اولى: قيادة الحرب التي ليس شرطا ان تكون في العمق الأوكراني او الروسي. 
  • أزمة  ثانية:ضبط الداخل الأميركي، هلع التعامل مع أجواء الحرب، التضخم، ارتفاع الأسعار الحاد، انخفاض متباين لأسعار وقيمة الدولار الأميركي. 
  • أزمة ثالثة:الخوف من فشل الدبلوماسية الأميركية والأوروبية، وبالتالي تفكك الحشد والتحالف الذي مهدت قيادته لحلف الناتو، عبر الدعم الرئاسي الأميركي المباشر.

ما يحدث منذ دخل بوتن في العمق الأوكراني، واجتياح معلن على الأراضي الانفصالية ، دونيتسك ولوهانسك - المناطق التي يسيطر عليها الانفصاليون والتي اعترفت بها روسيا ، في خطوة تؤسس لتبرير وتسهيل الغزو ، من طرف واحد، بمعنى ربما يكون هذا الغزو الروسي، ورطة  لغازي مستقل، متورط عسكريا وأمميا. 
ومع ذلك، أمنيا و جيو سياسيا، يحاول بوتين ان يعكس، انه يقود معركة ايدول جية، قبل أن تكون عسكرية، فبحسب جريدة التايمز،  فإن :"الأفكار الغربية لا الأسلحة هي التهديد الأكبر الذي يخشاه الكرملين".

قبل 8 سنوات من اليوم، اندلاع الصراع في شرق أوكرانيا( في عام 2014) ،ومع ذلك، لا تزال الجهود الدبلوماسية، لإنهاء  مختلف أشكال العنف تتخللها مواجهات عسكرية. 

وعودة إلى مسارا تاريخية، فقد قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه إذا كان هناك حل سهل للحرب ، لكان شخص ما قد وجده بالفعل، وهذه التصريحات، أعلنت في عام 2021 ، بعد أن تركت الازمة الروسية الأوكرانية، العالم، أمام نزوح أكثر من 1.4 مليون شخص ومقتل أكثر من 13000 انسان.

لفهم ما سيكون عليه العالم، لا بد أن نعبر الجسر الذي يحملنا نحو الذاكرة البشرية:

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي ، أصبحت خمس عشرة جمهورية سابقة دولًا مستقلة وبدأت - بشكل أو بآخر - الانتقال من النظام الاقتصادي والسياسي الاستبدادي. 
عمليا، ومساعدة أوروبية وغربية، استطاعت دول البلطيق الثلاث : إستونيا ، ولاتفيا ، وليتوانيا، استكمال  انتقالًا سياسيا واجتماعياً واقتصاديا، ناجحًا إلى مجتمعات واقتصادات السوق المفتوحة ، بينما  الدول الأخرى، من ذات الكيانات الايدولوجية، باتت إما عالقة في طريق تقدمها أو تتجه في اتجاه سلطوي.

هذا الواقع، يفسر، لماذا يضع الغرب، حلف الناتو،  الإدارة الأميركية، صولجان القرار بعيدة عن ما يحدث على الأرض، في الحدود وداخل العمق الأوكراني. 
التوغل العسكري، بما في ذلك التصعيد السياسي والاعلامي، الروسي، يقابله في الولايات المتحدة فرض عقوبات على الديون السيادية الروسية والنخب السياسية والاقتصادية  الروسية و عائلاتهم ردًا على الغزو  الروسي. 
 
الرئيس الأميركي، جو بايدن  أكد إن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات على المؤسسات المالية الروسية و VEB والبنك العسكري الروسي. 
ومع ذلك، الازمة أخطر، من أن تهرب روسيا من عقوبات، لأنها، وهذا معلن، منذ العام  2018 ،  عندما كشف  بوتين، عن خمسة أنظمة أسلحة استراتيجية جديدة، ذات قدرة نووية. 
في تلك السنة، بدت الازمة، أزمة صراع حربي، مرهون بالمد الصناعي العسكري الروسي، وتشمل هذه  السياسة الصناعية العسكرية، أنظمة صاروخ كروز، الذي يعمل بالطاقة النووية ومسلح نوويًا وغواصة بدون طيار تعمل بالطاقة النووية ومسلحة نوويًا. 
يبدو أن العالم، ينتقل من زمن جائحة الوباء، إلى غزو، يتحول إلى إبادة بشرية، تعيدنا إلى ايدول جيا الفكر السياسي الدولي:
ما الذي اكتسبته روسيا من تطوير هذه الأسلحة النووية الجديدة والغريب، أو التي باتت أسلحة مستقبلية ورقمية مدمرة ؟. 
في الأزمات، هناك اختلال يصيب الإدارة الأميركية، تعلن الحدث، تدعم المعارك، الضخ الاعلامي، تنهار الآلاف وتتشكل، ويقف العالم على إشارة مرور أميركية الصنع، ربما تحرر المشاة. 
ماذا يجب أن تفعله الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، بالتوازي مع أوروبا والدول التي أعلنت الاستيلاء من كل مسارات الازمة، وصولا إلى الغزو الواضح، وهو سؤال المرحلة، هل للغزو صفة غير انه مرحلة من العمل العسكري؟.

الغريب، وبناءًا على ورشة عمل عقدها مركز "سكوكروفت للاستراتيجية والأمن" ومختبر لوس ألاموس" الوطني ، بقيادة خبراء في الاستشراف الاستراتيجي: ماثيو كرونيغ ومارك ماسا وكريستيان تروتي، وتسارعت رؤاهم بتقييم الفائدة المحتملة والدوافع والنتائج المترتبة [عسكريا وامنيا] على هذه الازمة وما يرافقها من استعراض وتصعيد عسكري ل الأنظمة الحربية  الجديدة،وقد يكون من بين الاستنتاجات الأخرى ،  أهمية  تقدير خطورة عودة المنافسة بين القوى العظمى، في ظل الأسلحة النووية، وبالتالي الضغوط على مسارات  السياسة الدولية.

لفهم هذه المسألة، وارتباطها مع ما يحدث على الأرض الأوكرانية ، لنعود إلى  يوم  1 مارس 2018 ، عندما  ألقى الرئيس  بوتين، خطاب حالة الأمة ، حيث أعلن عن خمسة أنظمة أسلحة استراتيجية جديدة ذات قدرات نووية. وتشمل هذه الأنظمة: صاروخ باليستي ثقيل جديد عابر للقارات (ICBM) ؛ مركبة انزلاقية تفوق سرعة الصوت مسلحة نوويًا (HGV) ؛ صاروخ تفوق سرعته سرعة الصوت يتم إطلاقه من الجو ويحمل أسلحة نووية ؛ صاروخ كروز يعمل بالطاقة النووية ومسلح نوويًا ؛ وطائرة بدون طيار تعمل بالطاقة النووية ومسلحة نوويًا.

وقتئذ، كان العديد من الخبراء الغربيين ،بما في ذلك حلف الناتو، في حيرة من أمرهم من الإعلان الروسي ورفضوا فكرة، أن هذه الأسلحة سيكون لها تأثير كبير على الأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائها.

هل فعلا، تبدو الولايات المتحدة وحلفاءها  في  مرمى  للقوات النووية الروسية ، أم أن الغرب، والولايات المتحدة، لا تنظر إلى هذه الأنظمة الجديدة، التي قدروا :لن تغير المعادلة الاستراتيجية بشكل هادف. 

بايدن، الرئيس ، سيرسل قوات أمريكية إضافية إلى ألمانيا وبولندا ورومانيا ، حيث تم نشر ما لا يقل عن 6000 جندي أمريكي في الأسابيع الأخيرة لدعم أعضاء الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي (الناتو).

تزامن ذلك مع إعلان الإدارة  الأميركية إن حلفاءها وشركائها عازمون على العمل بخطوة ثابتة حتى وسط مخاوف من أن البلدان المتباينة ستضغط على حزمة العقوبات بسبب الضربة التي قد تفرضها على اقتصاداتها ، بما في ذلك الاقتصاد الأمريكي ، على أساس المصالح المختلفة،بما يؤثر على العلاقات والاعتماد على الطاقة والاستثمار الروسي.

بايدن، قالها  من الغرفة الشرقية للبيت الأبيض: "هذه بداية غزو روسي لأوكرانيا"،واضاف:
"سأبدأ في فرض عقوبات ... وإذا مضت روسيا في هذا الغزو ، فنحن على استعداد للمضي قدمًا."

الإجراءات، تمت ببرود، فقد ا اتخذتها الولايات المتحدة مدعومة بإجراءات العقوبات والالتزامات الأخرى التي أعلنتها مجموعة من الحلفاء والشركاء ، بما في ذلك ألمانيا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وكندا.

يعلل بايدن، بذكاء: "في كل خطوة ، أظهرنا أن الولايات المتحدة وحلفائنا وشركائنا يعملون في انسجام لم يكن يعتمد عليه،(السيد بوتين)".

بين أزمات بايدن، عدم اتخاذ رؤية  حاسمة، برز أوروبيا واميركيا، مصطلح [الأوليغارشية الروسية]، ما يعني الخروج من انسانية الإنسان، إلى سطوة الخراب، فالأوليغارشية الروس، :هم" الأوليغاركي" من رجال الأعمال في الجمهوريات السوفيتية السابقة الذين تربحوا علي ثروات الحروب بسرعة خلال سنوات  ومراحل  الخصخصة الروسية في أعقاب تفكك الاتحاد السوفياتي في التسعينيات.

كل ذلك، افرز تعزيزات عسكرية، تراها الولايات المتحدة ، لحظة التحام  إلى جانب الناتو ،  ويدعم وجودهما العسكري حول أوكرانيا ضد حشد بوتين لما يقرب من 190 ألف جندي ، والتي تضغط على الأمة من ثلاث جهات ، من بيلاروسيا في الشمال ، والقوات الروسية بالقرب من دونباس وداخلها ، والقوات في الاحتلال الروسي. السفن الحربية القرم والروسية في البحر الأسود. 

"نحن على شفا حقبة مظلمة وخطيرة".

بايدن، في لحظات التوتر، قال عن بوتين في تصريحات من الغرفة الشرقية: "إنه يضع سببًا منطقيًا للاستيلاء على المزيد من الأراضي بالقوة ، من وجهة نظري". "هذه بداية غزو روسي لأوكرانيا."

بينما يتبادل  رجال ونواب  مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض،  الظهور على شبكة سي إن إن: "نعتقد أن هذه ، نعم ، بداية غزو ، أحدث غزو روسي لأوكرانيا".
على الأرض، أي فرق بين "بداية الغزو" و "الغزو".   

الغزو، تلك اللحظة التي تقضي على ذات الإنسان، الذ اختار "السير على طريق الحرب".