رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد الباز يكتب: الحقيقة العارية «الأخيرة».. هيكل: عبدالناصر قال لي «أنت لا تعرف الإخوان.. إنهم قتلة»

جريدة الدستور

فى مارس ٢٠١٣ كان محمد حسنين هيكل يتحدث عن جذور العنف لدى جماعة الإخوان المسلمين، ووقتها صرح بأن حسن البنا، المرشد الأول للجماعة، أسس النظام الخاص، ورغم أنه أعلن ندمه على ما فعله بعد ذلك- أوحى بذلك لبعض ممن تحدث معهم- إلا أنه مات وكل الدماء التى أراقها رجال النظام الخاص فى رقبته. 

 

ويكشف هيكل عن الخدعة الكبرى التى حاول الإخوان ترويجها كثيرًا حول الهدف من تأسيس النظام الخاص، حيث يذهبون إلى أنه ما ظهر إلا من أجل الجهاد ضد الإنجليز. 

فلم يكن هذا صحيحًا- طبقًا لهيكل- الذى كان يرى أن عنف الإخوان ونظامهم الخاص كان موجهًا إلى الداخل، والدليل على ذلك ما جرى من عنف فى عامى ١٩٤٦ و١٩٤٧، وقبلها بشكل مبكر اغتيال أحمد ماهر باشا فى عام ١٩٤٥، ثم اغتيال المستشار الخازندار والنقراشى وسليم باشا زكى، حكمدار القاهرة. 

حاول حسن البنا أن يبرر لهيكل نفسه ما فعله رجال النظام الخاص. 

فبعد أن أنهى مقابلته مع مصطفى مرعى وعبدالرحمن عمار ومصطفى أمين فى يناير ١٩٤٩ فى مكتب الأخير بدار «أخبار اليوم»، وهى المقابلة التى تمت فيها صياغة بيان «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين»، عاد إلى هيكل مرة أخرى فى مكتبه قبل أن يغادر، وكان حزينًا، قال له: لقد خرجوا عن طوعى يا محمد أفندى. 

فهم هيكل ما يريد حسن البنا أن يوحى به، أو على الأقل يشيعه، عن علاقته بالنظام الخاص، فقد حاول التأكيد على أنه أسس النظام الخاص، ولم يكن هدفه منه ما جرى على أيديهم، ولكنهم شقوا عصا الطاعة عليه، وكان هيكل فطنًا، فسأل مرشد الإخوان سؤالًا دقيقًا. 

قال له: ليس من المعقول أن تنشئ جماعة أو جيشًا ثم تتركه دون عمل.. أليس كذلك يا شيخ حسن؟ 

فهم حسن البنا ما يرمى إليه هيكل، فغادره دون أن يرد على سؤاله. 

ويصل هيكل إلى محاولة اغتيال جمال عبدالناصر فى المنشية عام ١٩٥٤، فقد كان شاهدًا عليها، وكان أيضًا شاهدًا على محاولة قيادات الإخوان التبرؤ منها، فقد قام بتغطية محاكمة الإخوان، واستمع إليهم فى المحكمة وهم يقولون إنهم لا يعرفون شيئًا عما جرى. 

يقول هيكل: كنت شاهدًا على كل ما فعلوه، وليس مقبولًا عندى التبرؤ منه، خاصة أن هناك من بينهم من اعترف بما حدث وأكد عليه، ومنهم الأستاذ خالد محمد خالد والشيخ الباقورى، كانا أكثر شجاعة من قيادات الجماعة، وعندما يقول لى أحدهم إن المحاولة كانت ملفقة أو إنها تمثيلية، أنهى النقاش فورًا. 

إنهاء هيكل النقاش فى هذه المسألة يأتى بدافع أن تبرؤ الإخوان من محاولة اغتيال عبدالناصر فى المنشية ليس إلا نوعًا من الاستهزاء بالعقول وبالشهود الذين كانوا موجودين على الأرض، ولذلك كان يقول للإخوان دائمًا: «يجب أن تنظروا إلى تاريخكم ومراجعته والاعتراف بأخطائكم»، لكنهم للأسف لا يستجيبون لذلك، بل يصرون على روايتهم التى يعرفون أنها كاذبة تمامًا.

ويكشف هيكل عن أنه ناقش جمال عبدالناصر فيما فعله الإخوان فى ١٩٥٤، وكان يحاول فهم ما أقدموا عليه، لأنه كان يعتبر أن مسلكهم ليس أكثر من عملية انتحار سياسية واضحة، لكن عبدالناصر قطع عليه الطريق، عندما قال له: أنت لا تعرفهم.. إنهم قتلة. 

ويؤكد هيكل ما قاله عبدالناصر بعد أن اقتنع بكلامه، قائلًا: كان جمال عبدالناصر يعرفهم بالفعل وكان على مقربة منهم. 

تأكد لهيكل ما قاله عبدالناصر عندما قابل محمود عبداللطيف، المتهم باغتيال جمال فى المنشية، ذهب إليه فى السجن الحربى، حاوره وناقشه محاولًا أن يفهم ما وراء الفعل، وأعد تقريرًا عن حواره معه نشره فى «أخبار اليوم» فى ٣٠ أكتوبر ١٩٥٤، كان عنوانه «الجانى يتكلم.. لماذا أطلقت الرصاص على عبدالناصر؟.. محمد حسنين هيكل يدخل الزنزانة ويتحدث مع المتهمين ساعتين». 

يمكننا أن نقرأ ما كتبه هيكل، يقول: 

فى أكتوبر ١٩٥٤ قابلت محمود عبداللطيف المتهم باغتيال جمال عبدالناصر فى حادث المنشية على ضوء الشموع، فإن أسلاك الكهرباء فى سجن البوليس الحربى كانت قد أُصيبت بخلل وساد الظلام، وبدا وجهه على ضوء الشموع غريبًا عجيبًا أثار فى نفسى مجموعة من الانفعالات الغريبة لا أظن أنى شعرت بها من قبل. 

كان شعر رأسه هائشًا ولم يكن ذقنه حليقًا وكانت فى عينيه نظرة زائغة، وكان لا يزال يرتدى نفس الملابس التى ارتكب بها الجريمة، ولمحت آثار ندب قديم. 

قلت له: ما هذا؟ 

قال: كنت أتدرب على ضرب المسدسات فانطلقت رصاصة خاطئة لم تخرج من الفوهة بل خرجت من الوراء وأصابت شظاياها أصابعى، كان يتكلم وقد ترك أصابعه تأخذ وضع الذى يمسك بمسدسه ويصوبه وأحسست بشعور مقبض. 

لقد وقفت وجهًا لوجه أمام قتلة كثيرين ولكننى لم أشعر نحو قاتل منهم بالشعور الذى أحسست به وأنا أتأمل وجه محمود عبداللطيف، شىء غريب لفت نظرى، لقد أحسست أننى أستمع إلى أسطوانة معبأة تكرر الذى ألقى عليها حرفًا بحرف. 

سألت محمود عبداللطيف: لماذا أطلقت الرصاص على عبدالناصر؟ 

ومضى فى صوت كأنه الفحيح يردد مجموعة من المعلومات «إذا حصلت حرب فى كوريا الجنوبية- هكذا بالحرف الواحد- فسيعود الإنجليز إلى احتلال مصر من الإسكندرية». 

قلت له: فى أى مادة من الاتفاقية قرأت هذا؟ 

قال بنفس الصوت الذى يشبه الفحيح: فى اتفاقية الجلاء. 

قلت: هل قرأت كل موادها بنفسك؟ 

قال: قرأناها ودرسناها. 

قلت: مَنْ أنتم؟

قال: الشعبة.

ومضى يتحدث عن الرجل الذى شرح له الاتفاقية، لم يكن يتحدث عنه، وإنما كان يردد كلماته، كان يقول كلامًا لا يمكن أن يكون من عنده أو حتى من وحى أفكاره. 

كان ببغاء من نوع يثير الأعصاب، ولم تكن معلوماته عن الاتفاقية هى وحدها صلته بالببغاوات، سمعته يتحدث عن الضرب بالطبنجة وأستطيع أن أذكر من الطريقة التى سمعته يتحدث بها أنها عبارات محفوظة. 

قال بالحرف الواحد: الضرب بالطبنجة تصويب إلى اتجاه وليس نيشانًا. 

سألته: هل التقيت بالهضيبى؟ 

قال: نعم فى المركز العام للإخوان المسلمين. 

قلت له: هل تذكر موضوع حديثه؟ 

قال: كان يحدثنا عن اتصاله بالإنجليز، وإنه اتصل بهم لمصلحة البلد. 

قلت: هل اقتنعت بكلامه؟ 

قال: بصراحة نعم. 

قلت: هل تطيع أى أمر يصدره لك الهضيبى؟ 

قال: فى حدود. 

قلت: هل الدعوة تبيح القتل وترضى عنه؟ 

لم يرد، فقلت له: هل القرآن يبيح القتل؟ 

قال: لا يبيحه إباحة صريحة. 

قلت: لماذا كنت تريد أن تقتل جمال عبدالناصر؟ 

قال: لم أفكر.. لكننا اتفقنا على هذا بعد الاتفاقية. 

قلت: كنت تتدرب من أربعة شهور والاتفاقية وقعت منذ أسبوع؟! 

قال: كنا نظن أنها لن توقع. 

قلت: هل عرفت ماذا صنع جمال عبدالناصر بعد أن أطلقت عليه الرصاص؟ 

قال: علمت أنه استمر فى إلقاء خطابه.

قلت: ما رأيك فى هذا؟ 

قال: شجاع. 

قلت: هل أحسنت تصويب الرصاص عليه؟ 

قال: نعم. 

قلت: كيف تفسر أنه لم يصب؟ 

قال: إرادة الله. 

قلت: هل ترى فيها دلالة؟

قال: معناها أن الله يحبه. 

قلت: هل تعتقد أن الله يجب رجلًا سلّم بلاده للإنجليز؟ 

قال: لا.

قلت: إذن ماذا؟ 

قال: لا أعرف.

سكت قليلًا ثم استطرد: إن الإنسان حينما يفكر فى مثل الذى فكرت فيه لا يحس بما يفعل إلا بعد أن ينتهى من كل شىء. 

قلت: هل تحس الآن؟ 

قال: نعم أحس. 

قلت: هل عرفت كيف استقبل الشعب جمال عبدالناصر؟ 

قال: سمعت. 

قلت: ما رأيك؟ 

قال: يظهر أنى نفعته. ثم استطرد بنفس الصوت الذى يمزقه الفحيح: رب ضارة نافعة. 

قلت: هل سمعت الذى قاله فى الدقائق القليلة التى سبقت الرصاص؟ 

قال: لا. 

قلت: كان يتكلم عن الحرية والعزة والكرامة. 

قال: لم أسمع أى شىء. 

قلت: فيمَ كنت تفكر؟ 

قال: فى الذى كُلفت أن أفعله. 

قلت: والذى كلفك نفسه لماذا لم يجىء معك؟ 

قال: لا أعرف.

وبدأ يلتقط أنفاسه بصوت مسموع مبحوح، وحتى فى نهاية هذا أيضًا بدأ صوته كأسطوانة قديمة مجروحة تخرج منها أصوات متحشرجة. 

كان هيكل يعرف أن جماعة الإخوان عازمة على اغتيال جمال عبدالناصر والتخلص منه بشكل نهائى، لأنه ثبت لها أنه حجر العثرة الكبير فى طريقها إلى الوصول إلى السلطة، وهو ما لم تتسامح معه، ولم تكن اتفاقية الجلاء التى وقعها عبدالناصر إلا حجة أخذت منها الجماعة ذريعة لغسل عقول شبابها وتجييشهم خلف عملية اغتياله، وكان محمود عبداللطيف واحدًا منهم. 

لقد وقف هيكل داعمًا لجمال عبدالناصر فى توقيعه اتفاقية الجلاء، وكان يعرف أهميتها، وهو ما يظهر لنا فى تقريره الذى نشره فى «آخر ساعة» فى ٤ أغسطس ١٩٥٤، وكان عنوانه «كم دفعنا من أجل الحرية.. أعجبنى جمال عبدالناصر فى موقفين». 

يصف هيكل فى مقاله قاعة اجتماعات مجلس الوزراء ليلة توقيع الاتفاقية، وكانت ملأى عن آخرها بأكثر من مائة صحفى، نصفهم جاء من بلاد العالم البعيدة ليشهدوا يوم الثورة فشهدوا معه يوم الجلاء، وكانوا جميعًا يحيطون بجمال عبدالناصر، وكان جو القاعة ضاحكًا يسبح فى خيالات الأمانى التى تحققت. 

ويرصد هيكل ما قاله صحفى جاء من الولايات المتحدة لجمال عبدالناصر. 

سأله: هل يرى الرئيس أن هذا اليوم يعتبر عيدًا قوميًا؟ 

ويرصد كذلك رد جمال عبدالناصر الذى قال: لا إن يوم العيد القومى هو يوم يخرج آخر جندى بريطانى بالفعل. 

يتحدث هيكل فى مقاله كذلك عما جرى فى اليوم التالى لعقد اتفاقية الجلاء، الذى كان يومًا حافلًا وصاخبًا، وكانت رئاسة مجلس الوزراء تودع مظاهرة لتستقبل مظاهرة، وكان المئات من أفراد الشعب يخترقون الحصار إلى مكتب جمال عبدالناصر، ليهجموا عليه فى حماسة متلهفة منطلقة بالعناق والقبلات، وفجأة وقبل أن يخرج جمال عبدالناصر من مكتبه فى ذلك اليوم أصدر أمره بمنع المظاهرات من الغد. 

 

كان قرار جمال عبدالناصر مفاجأة للجميع، وتساءل الذين تلقوا منه الأمر:

لماذا زهد الرجل بهذه السرعة فى أسطورة البطولة التى عاش فيها يومه المشهود؟ 

لماذا زهد فى المواكب الصاخبة والمظاهرات الحاشدة تهتف باسمه وتتجه إليه؟

لماذا زهد فى مظاهرات المجد وأكاليل الغار التى تلقى إليه بلا حساب؟ 

لم يفعل هيكل مثلما فعل الآخرون، لم يكتف بالسؤال بينه وبين نفسه. 

يقول: سألت جمال عبدالناصر ليلتها عن السبب، وقال: لا ينبغى أن يظن الناس أن كل أمانيهم قد تحققت ولم يبق عليهم إلا أن يحتفلوا بالعيد، إننا ما زلنا فى أول الطريق وعليهم أن يعرفوا أن مرحلة شاقة تنتظرنا، لا أريد أن يستغرقهم الفرح وتلهيهم النشوة، فينسوا أن أمامنا تفصيلات ينبغى أن تناقش بصبر، وأمامنا بعدها عشرون شهرًا يجب أن تمضى فى حذر وترقب، وبعدها تنتظرنا مسئوليات لا أول لها ولا آخر لكى نلحق بالدنيا ونعوض كل ما فاتنا. 

كان هيكل يرى اتفاقية الجلاء على هذه الصورة، لكن جماعة الإخوان حاولت شيطنة جمال عبدالناصر بعد أن قام بتوقيع الاتفاقية، وبدأت فى شن حملة عليه، استخدمت فيها المنشورات التى حملت تهديدًا ووعيدًا لجمال عبدالناصر حتى يتراجع عن هذه الاتفاقية. 

 

الغريب أن هيكل عندما التقى حسن الهضيبى فى السجن الحربى بعد ذلك، وسأله عن هذه المنشورات، تبرأ منها، وادعى أن الشيوعيين واليساريين هم من كتبوها، ولأنه تنقصهم الشجاعة فقد وقعوها باسم الإخوان المسلمين، ولم يصدق هيكل «الهضيبى» فيما قاله. 

قاد الهضيبى حملة ضد جمال عبدالناصر مستغلًا فيها الصحف الأجنبية، وعندما نرصد تصريحاته التى رصدتها أدبيات الجماعة سنجده يردد أن جمال عبدالناصر اجتمع فى شرم الشيخ مع رئيس الأركان الإسرائيلى، وأعقب ذلك تجريد المجاهدين الفلسطينيين من السلاح وتخفيض عدد الجيش، وأن عبدالناصر يدعى النبوة ويبنى سياسة مصر على علم الغيب وقراءة النجوم. 

فعل الهضيبى ما هو أكثر، فقد قرر، فيما يشبه الضربة الاستباقية، أن يسرب إلى الصحف الأجنبية أخبارًا تفيد بأن جمال عبدالناصر يخشى على حياته من الإخوان ويبدأ حملة لاعتقال زعمائهم، وأغلب الظن أن الهضيبى فعل ذلك حتى يغلق الطريق على جمال عبدالناصر، فلا يتعرض لهم فى حالة فشل عملية اغتياله. 

كان هيكل يعرف ذلك كله وهو يتابع محاولة اغتيال عبدالناصر فى المنشية، وكذلك وهو يقابل المتورطين فى المحاولة، فلم يصدق شيئًا مما قالوه، وظل حتى اليوم الأخير من حياته ينفر بشدة ممن يقولون إنها كانت تمثيلية، ويواجههم بذلك، ليس لأنه سمع عما جرى من آخرين، ولكن لأنه شهد عليه بنفسه. 

ما لم يدركه الإخوان وقتها، وربما لم يدركوه حتى الآن، أنهم خدموا عبدالناصر بمحاولتهم اغتياله كما لم يخدمه أحد غيرهم، وهو ما يظهر لنا مما كتبه هيكل فى كتابه «عبدالناصر والعالم» وهو أول كتاب أصدره بعد رحيل عبدالناصر. 

اعترافات مثيرة لحفيد "خليفة" البنا.. تبرأ من الإخوان

يقول هيكل: «وقد حقق محمد نجيب شعبية كبرى واغترف كل المجد، بينما ظل عبدالناصر خلف الصفوف يفكر دائمًا، ويبدو دائمًا للناس رجلًا عبوسًا، وهكذا أُسىء فهمه، ومن الغريب أن الرجل الذى أصبح موضع حب كل الناس بدأ موضع سوء فهم من الناس، وكان الموضوع الذى يتردد فى خطبه فى ذلك الحين: لن أستجدى تصفيقًا، ولن أستجدى هتافًا». 

ويصل هيكل إلى ما يمكن أن نعتبره مفصل الأحداث عندما يقول: «أما التغيير الحقيقى فقد جاء بحادثة درامية واحدة، وكانت هذه الحادثة الدرامية هى حادثة المنشية الشهيرة فى أكتوبر عام ١٩٥٤ بالإسكندرية». 

اهتم هيكل بأن يرصد ما جرى بعد فشل محاولة اغتيال عبدالناصر على يد الإخوان فى المنشية، ويمكن هنا أن نتوقف عند ما قاله. 

رأى هيكل أن الإخوان بمحاولتهم اغتيال عبدالناصر فى المنشية كانوا يكررون ما فعلوه مع النقراشى، الفارق أن المحاولة الأولى نجحت بينما فشلت الثانية.

لقد حل النقراشى جماعة الإخوان فقتلوه، وعبدالناصر حل الجماعة فحاولوا قتله وفشلوا. 

فى العملية الأولى كان هناك خلاف داخل الإخوان بين النظام الخاص والقيادة السياسية، وهو ما كان قائمًا أيضًا قبل العملية الثانية. 

فى العملية الأولى كان هناك إنكار تام من حسن البنا بأن الجماعة لم تتورط، وفى الثانية أصر الهضيبى على أنه لم يكن يعرف شيئًا عنها. 

البنا قال: «إنهم خرجوا عن طوعى»، والهضيبى قال: «إنهم خرجوا على أوامرى». 

محمد نجيب

فى المرة الأولى أصدر البنا بيانه «ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين»، وفى المرة الثانية أرسل الهضيبى رسالة لعبدالناصر كتبها وهو فى القطار القادم إلى القاهرة من الإسكندرية يقسم له فيها بأنه ما علم بوقوع جريمة الاعتداء عليه إلا فى اليوم التالى، وأنه لم يكن له علم بها، وقد وقعت فى نفسه موقع الصاعقة، لأنه ممن يعتقدون أن الاغتيالات تؤخر حركة الإخوان وتؤخر الإسلام والمسلمين وتؤخر مصر. 

خرج هيكل من هذه المقارنة بأن التاريخ كان يعيد نفسه، أما ما يمكننا أن نخرج به نحن الآن أن الجماعة الإرهابية لا تتعلم من أخطائها، بل تكرر ما فعلته نصًا. 

لكن ماذا عن عبدالناصر؟ 

حسن البنا 

يقول هيكل: «كان الموقف الذى اتخذه عبدالناصر فى مواجهة الرصاص، وهذه الشجاعة التى تبدت فيه، وهذا النداء المتقطع والممزق سواء بقوة المفاجأة أو بقوة الحرص الإنسانى على الحياة أو بقوة أى شىء، هذا النداء بشكل ما كان صوت ولادة نظام جديد».