رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل يتساوى نجوم الفن مع العلماء؟

لن أغامر وأفترض أن الناس تحب التوافه من الأمور، فمثلا تعتبر قصة عودة علاقة الزواج بين إحدى المطربات وطليقها قصة ثمينة ومؤثرة وغريبة لأناس نعرفهم جيدا ونحب تفاصيلهم، ولا يوجد مانع من الثرثرة حولها قليلا إمعانا في الاستفادة من التجربة.

حب النجوم والسعي وراء أخبارهم ليست عادة مصرية، فالعالم كله يحب نجوم التمثيل والغناء والرياضة أكثر من العلماء مثلا، والعلماء أنفسهم لا يخوضون صراعا من أي نوع لنيل هذه الحظوة الجماهيرية الرائعة، وليس من أمنياتهم أن يفتحوا باب المعمل أو المختبر أو قاعة الجامعة ليجدوا فلاشات الكاميرات تلاحقهم وتلهث لطلب كلمة أو اقتباس.

لكنني لم أسمع أي صدى للإعجاب بمجهودات العلماء أو الفنون الراقية أو الكتابة داخل خليط كرة القدم والغناء والتمثيل منذ سنين بعيدة.. قتلت الفكرة وليس هناك أمل في إحيائها.

هل من المهم للعلماء أن يصبحوا بجماهيرية النجوم؟ طبعا لا، لكن انعدام جماهيريتهم بالإطلاق يثير المخاوف والهلع، مجتمع تكون فيه جماهيرية العلماء «صفر» يبدو مجتمعا فقيرا خاويا على عروشه.

إذا راقبت المجتمعات الغربية سوف تجد نفس الموجة من الإعجاب للنجوم، بل وتتعدى ذلك ليصبح هؤلاء النجوم من الفئات الأكثر ثراء على مستوى العالم، لكن هناك حظوة للعلماء أيضا، على الأقل هناك تقدير (مادي/ معنوي) يجعل العالِم لا يسعى لهذه الجماهيرية، ويكتفي بقدرته على التفرغ لأبحاثه وأفكاره دون ضغط المادة أو المجتمع.

وأمام هذه السطوة وهذا الثراء الذي يتمتع به النجوم في الغرب فالكثير منهم يقدم خدمات اجتماعية هائلة للمجتمع ويتبرعون بأموالهم من أجل التنمية والتطوير، وعلى أقل تقدير يستخدمون شهرتهم للتحفيز والدعاية وجذب الاهتمام بالقضايا المحلية والعالمية، وقد يتعرضون لانتقادات عاصفة إذا ظهر أنهم يعيشون حياتهم وترفهم دون تقديم هذه الخدمات التي يعتبرها الناس حقا أصيلا للمجتمع.

إذن يشعر الجميع بالطمأنينة وراحة البال، فلا العالِم يهتز لقلة جماهيريته ولا النجم يصعد بعظمته عنان السماء فينفي الآخرين الذين يشاركون في بناء المجتمع، سواء كانوا علماء أو فنانين أو حتى من طبقة الفقراء.

لعلك لاحظت كيف تجوب «أنجلينا جولي» العالم من أجل قضايا إنسانية وعالمية، «ليوناردو دي كابريو» يمارس نشاطا واسعا من خلال مؤسسته للحفاظ على البيئة، «شاكيرا» أنشأت مؤسسة لتوفير التعليم لأبناء الفقراء في كولومبيا، «هيو جاكمان» لديه مؤسسة تعنى بصحة وتنمية مزارعي البن في عدة أنحاء من العالم الثالث، «أوبرا وينفري» لها نشاطات اجتماعية وتعليمية لا تحصى، «تشارليز ثيرون» تدعم برنامج لحماية شباب إفريقيا من الإيدز، حتى «كيم كارداشيان» تمارس نشاطا كبيرا في قضية إصلاح السجون، وغيرهم الكثير.

إنه عالم غريب مليء بمخلوقات أسطورية لا نفهمها، فيما يكتفي نجومنا بالاشتراك المجاني في إعلانات التبرع اللاهثة للمستشفيات والتي تصور مجتمعا مليئا بالأمراض أكثر منه مجتمعا يتطلع للأمام، ليس هذا فقط، بل إن بعض النجوم يلخص مركزية الكون في وجوده وأفكاره ورؤيته للكون والبشر دون أي تواضع ولو مزيف، ليكون مطلوبا منا تحمل سعادته وكآبته وثرثرته وأخطائه الساذجة وأحيانا حماقته بكل سعادة وبهجة وطبعا بلا أي فرصة ولو ضئيلة للسماح بانتقاده..

عالم غريب فعلا.