رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بارك الله فيك

صادفت وعرفت العديد من الناس الذين يحبون ذكر جمل أو كلمات دينية أثناء حديثهم، فتجد هذا الشخص يستمر في قول إن شاء الله، بارك الله فيك، الحمد لله، بعون الله، اللهم صلي على النبي، تبارك الله وغيرها من الجمل الدينية اللطيفة وسط حديثه.

يبدو هذا رائعًا للغاية فهو شخص يتقرب من الله ويضع الإرادة الإلهية نصب عينيه دائمًا أو هو متعلق بالدين، ولا شك أن جزءًا كبيرًا من هؤلاء هم بالفعل كذلك وأنا أقدرهم تمامًا.

لكنني أضع بعض علامات الاستفهام لشخصيات تقوم بنفس الشيء لكن نيتها أو فحواها ليست بنفس المنهج.

منهم - مثلًا- من يلوك هذا الكلام بينما أفعاله على النقيض تمامًا ليست رائعة وليست انعكاسًا للمعنى الديني الحقيقي، ويتخذ من كلامه ستارًا لإخفاء شخصيته السيئة بأفعالها المناقضة تمامًا لما يقوله، فهو مثلًا يهرب من الكد في العمل أو يبث الحقد بين الناس أو هو جشع للمال... إلخ.

يبدو أن الشخص السيئ فعلًا وقولًا أفضل منه بكثير.

ومنهم من يلوك هذا الكلام وقد يكون مؤمنًا به فعلًا، ولكنه يتخذه كوسيلة للتعالي على الآخرين (أنا أفضل منكم لأنني أعرف الله وأنتم لا تعرفونه) وهذا النوع أعتبره خطيرًا للغاية، فهو يضحك من داخله لأنه يضمر إحساسًا وقناعة أن طريقه للجنة مفتوح بينما نحن الهالكين الذين لا يعرفون الله، ولا تمتلئ أفواهنا بذكره مترنحون وغير متزنين ولم نصل لمقعده الفخم المرتفع الذي ينظر به للعالم ويشفق عليهم، وهذا النوع لا يكتفي بنظرته المتعالية تلك، لكنه أيضًا لا يساعدنا أو لا يود أن يساعدنا، فالمكان في الأعلى لا يتسع للجميع حتى لا يفقد هذا التميز الأخاذ.

اربط الكلمات مع بعضها تصل لنتائج واضحة، التعالي والاحتقار، الجنة والنار، الأفضل والأقل شأنًا.

والدليل على منهج صاحبنا أنه لا يدعوك أبدًا أن تفعل مثله وأن تستخدم هذه الجمل الدينية اللطيفة في حديثك ويكتفي بترديدها المرهق بين الجمل، إذ حينها قد تتساوى الرءوس ويفقد خطواته المتفوقة.

 

هل حضور الجمل الدينية في أحاديثنا اليومية ضروري للغاية؟ هل نريد ونسعى أن نصبح مثل أصدقائنا المتفاخرين بذكر الله باستمرار، أم ندعوهم أن يصبحوا مثلنا؟ هل هناك ارتباط شرطي بين ترديد اسم الله والإيمان؟ هل يحتاج الله إلى هذا الزخم/ الزحام من ترديد اسمه؟ هل ذكر الله بدون إحساس بالمعنى له قيمة؟

لا أعرف إجابات قاطعة، لكن حين لا أقدم أي شيء يستحق لشخص ما ويظل يردد "بارك الله فيك"، فإنني لا أنتبه لما يقول ولا أشعر بعمق الجملة، أما إذا فعلت شيئًا ذا قيمة حقيقية لشخص وقال لي نفس الجملة "بارك الله فيك" فسوف أشعر بالسعادة وهو نفسه سيسعده المعنى، وقد نحصل على مجموعة معتبرة من الحسنات بسبب هذا الصدق المتكامل.

تتجلى الظاهرة في مباريات كرة القدم مثلًا حين تجد المعلق يطلب العون من الله لينتصر الفريق الوطني مستخدمًا كافة عبارات الدعاء اللاهثة، متجاهلًا أن النصر -غالبًا- يجب أن يكون للأفضل تدريبًا والتزامًا وإعدادًا وهذا نضعه تحت مبدأ العدل الإلهي الذي نتوقعه ونتمناه جميعًا.

إننا نتوقع بشكل استفزازي أن الله يجب أن ينصرنا لأننا مسلمون، حتى لو لم نستعد بالشكل الكافي، وأحيانًا نستخدم الدعاء كأداة لإثبات أننا لا نحتاج للعمل والاجتهاد والعلم، ورغم أن التفوق الغربي العلماني يثبت أن الدعاء لا يجدي وحده لكننا لا نلتفت لهذه البراهين.

الكاتب الراحل فهمي هويدي له قصة قديمة طريفة. ففي إحدى السنوات عانت مصر من انخفاض منسوب النيل وكنتيجة مباشرة لذلك قررت الجهات الدينية إقامة صلاة الاستسقاء في جميع المساجد، فكتب مقالًا ينتقد فيه هذا الاتجاه موضحًا أن توفير الموارد أكثر جدوى من هذه الحملة الدينية.

"إن قصر دور الإيمان في مواجهة خطر الجفاف على مجرد إقامة صلاة الاستسقاء وترديد الابتهالات في المسجد، يعكس عجزًا فادحًا في إدراك سعة عناصر الإيمان وشعبه في الضمير المسلم. فكل سبيل يؤدي إلى توفير الموارد هو من الإيمان. وكل سلوك اقتصادي في الاستهلاك هو من الإيمان إن توفرت النية وصدق العمل. والالتزام بهذه السلوكيات فرض عين على كل مسلم في ظروف الخطر. فبركات السماء ليست هبات توزع بالمجان على القاعدين والعاجزين والمتواكلين، ولكنها فقط من نصيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات".

لا أدعوك قطعًا لعدم ذكر الله لكن القليل الحقيقي النابع من القلب أفضل بمراحل من الكثير الخالي من الإحساس.