رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منتدى الطفل العربي

أَيُّهـا الطِـفـلُ لا تَـخَف عَنَتَ الدَهر
وَلا تَــخــشَ عــادِيـاتِ اللَيـالي
قَــيَّضــَ اللَهُ لِلضَــعــيــفِ نُــفـوسـاً
إنها كلمات جاءت في مطلع قصيدة لشاعر النيل  حافظ إبراهيم ألقاها في حفل جمعية الطفل في مايو 1928أي منذ ما يقارب القرن من الزمان ، وكأنه كان حاضرًا في الزمان والمكان يصرخ بمعانيها وسط الجماهير المنتظرة خروج الطفل "ريان" من " بير العتمة والقهر والبؤس " .. وأضاف في تعاطفه مع كل طفل بائس :
شـاعَ بُـؤسُ الأَطـفـالِ وَالبُؤسُ داءٌ
لَو أُتــيـحَ الطَـبـيـبُ غَـيـرُ عُـضـالِ
أَيِّدوا كُــلَّ مَــجــمَــعٍ قــامَ لِلبِــر
رِ بِـــجـــاهٍ يُـــظِـــلُّهُ أَو بِـــمـــالِ
كَـــم يَـــتـــيـــمٍ كــادَت بِهِ البَــأ 
ســـاءُ لَولا رِعـــايَــةُ الأَطــفــالِ
وَرِجــالُ الإِســعــافِ أَنــبَــلُ لَولا
شَهـوَةُ الحَـربِ مِـن رِجـالِ القِـتـالِ
يَــسـهَـرونَ الدُجـى لِتَـخـفـيـفِ وَيـلٍ
أَو بَــــلاءٍ مُـــصَـــوَّبٍ أَو نَـــكـــالِ
كَــم جَــريــحٍ لَولاهُـمُ مـاتَ نَـزفـاً
فـي يَـدِ الجَهـلِ أَو يَـدِ الإِهـمـالِ
لاشك أن حدث سقوط " ريان " في وحشة بير الظلمات على مدى أيام المحنة الخمسة كانت ملهمة قادرة على كسب أروع وأجمل تعاطف إنساني عربي وعالمي .. فكانت ردود الفعل السريعة بأبعاد ثقافية واجتماعية ودينية وأخلاقية وسياسية ، تابعنا زخم تفاعلها عبر كل وسائط الميديا وصفحات التواصل الاجتماعي وما تحمله من إعلام شعبي حزين وغاضب ومعبر عن حالة عجز إنسانية أمام دراما تراجيدية مؤلمة قاسية ..
وتراجيديات ما يعانيه الطفل في دول العالم الثالث كثيرة عبر التاريخ ، وهي في منطقتنا العربية كثيرة في واقع ازداد سوادًا بعد نكبات الخريف العربي ، وقبل ذلك في أواخر التسعينات عندما غنت الطفلة السورية هالة الصباغ أغنيتها الشهيرة " يا أطفال العالم "، غنتها في إيطاليا و باللغتين العربية و الإيطالية ، أغنية نالت نجاحًا هائلًا ، ومن منا لا يتذكر صورة الطفل الحلبي "عمران" الذي شاء الله أن ينجيه من ضربة غادرة للطيران التحالفي المجرم، وها نحن نتابع أطفال المخيمات والتشرد وركاب مراكب الموت القاتلة لأحلام أطفال وشباب في معظم دول الثورات نال من نجاحها كتائب التكفير والإظلام والتراجع الحضاري ، وعندما سيطرت عليها عصابات داعش فأغلقوا بعض المدارس ، وحولوا المناهج الدراسية إلى مجموعة ملازم وفق فكرهم الأسود واغتالوا روح الإبداع والجمال والبراءة بغدر وقسوة جاهلة مجنونة .. 
لقد حذّرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) من أنّ النزاعات وأزمة تغير المناخ المستفحلة وتراجع الصحة العقلية والتضليل الإعلامي على شبكة الإنترنت هي بعض أعظم المخاطر العالمية الجديدة التي تهدّد الأطفال.واعتبرت المنظمة الخيرية أنّه من واجب قادة دول العالم أجمع بذل المزيد من الجهد بهدف التصدي للتحديات المتزايدة التي تواجه جيل اليافعين.وقالت المديرة التنفيذية لليونيسيف هنريتا فور في رسالة مفتوحة حدّدت فيها أيضاً ثمانية أخطار تهدد أطفال العالم ومنها تغير المناخ والمعلومات الملفّقة على شبكة الإنترنت ومشاكل الصحة العقلية "تغيرت الطفولة وعلينا تغيير نهجنا لمواكبتها".وأضافت "يتغيّر مناخ الأرض جذريّاً، وتزيد هوة اللامساواة في حين تغيّر التقنيات الحديثة نظرتنا إلى العالم. كما تبلغ أعداد العائلات المهاجرة مستويات غير مسبوقة".إنّ ازدياد الأنماط الجوية المتطرفة وارتفاع نسبة السموم في الهواء وامتداد فترات الجفاف والفيضانات المفاجئة بسبب تغير المناخ عوامل تؤثر بشكل غير متساوٍ في أكثر الأطفال فقراً وضعفاً.
وتضيف أن أغلبيتهم سيشبّون "كمواطنين في بيئة رقمية مشبعة بالمعلومات الملفّقة" ومنها المحتوى الصوتي والمرئي المزيّف...إن التضليل الإعلامي على شبكة الإنترنت يعرّض الأطفال للانتهاكات والاستغلال الجنسي، كما يغذي انعدام الثقة باللقاحات ويؤدي في بعض الأحيان إلى عودة الأمراض الفتاكة.  
في هذا العصر الرقمي، لم يعد بمقدورنا اعتماد بليد لفكر السكون والاكتفاء بتشخيص الداء ، فلدينا مسئولية كمجتمعات لصناعة قوى مقاومة منيعة تتصدى لفيضان الزيف اليومي على شبكة الإنترنت".
لقد أدرك أهل الأدب والشعر في زمن قديم بأحاسيس المبدعين حياة الفلاح المصري البائسة وأثرها على الأطفال مثل قضية استغلال الإقطاعيين للفلاح، ، فصوروا بؤس الفلاح وأسرته وأطفاله ومعاناته، يقول شاعرنا البديع أحمد عبدالمعطي حجازي:
ولدت هنا كلماتنا..
ولدت هنا في الليل يا عود الذرة..
يا نجمة مسجونة في خيط ماء..
يا ثدي أم لم يعد فيه لبن..
يا أيها الطفل الذي ما زال عند العاشرة..
لكن عينيه تجولتا كثيرًا في الزمن
وفي زمن الجائحة العالمية الخطيرة وهبوط فيروس " كوفيد 19 " على دنيانا في كل بقاع الأرض  ووصول أعداد المصابين والوفيات إلى الملايين وتعدد مخاطرها الصحية البدنية والنفسية والاجتماعية على الأسرة ، هل لنا أن نسأل : ماذا أعددت شعوبنا لمجابهة آثارها على الطفل وبشكل خاص الجانب النفسي لما تسببه من حالات جزع وخوف وحزن وأكتئاب في حالات الإصابات العائلية وفرض العزلة ، ماهو اللقاح النفسي الذي يمنع أو يخفف من تعاسة وحزن طفل ؟
لعل من أهم الفعاليات الرائعة والناجحة التي عشناها في ظل دولة 30 يونيو تنظيم عدد من المنتديات الحوارية الثقافية والإنسانية والسياسية والاجتماعية التي تناقش أحوال الإنسان ــ الشباب والمرأة بشكل خاص ــ في مصر والعالم العربي والقارة الأفريقية ، بل والعالم وبحضور وتفاعل رائع من قبل رئيس جمهوريتنا بالحضور الفاعل والدخول مع الحضور في اشتباك وطني وإنساني بديع ، وبتوصيات يتم تنفيذها ومتابعة نتائجها على أرض الواقع ..
وعليه ، هل لي أن أطالب بتنظيم منتدى مصري وعربي للطفل بحضور ممثلي كل المؤسسات والأجهزة المعنية بحقوق الطفل ، و المراكز البحثية وبيوت التفكير للتشخيص ووضع الأيادي على حجم معاناة الطفل الإنسانية ، والأهم أن نسمع طفل زماننا والذي قال عنه شاعرنا الكبير " أحمد عبد المعطي حجازي" أن عينيه قد تجولتا في الزمن ؟