رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الروائي العراقي علي بدر: «بابا سارتر» كشفت واقع تاريخ الثقافة العربية

الروائي على بدر ومحرر
الروائي على بدر ومحرر الدستور خالد حماد

يعد علي بدر واحد من أبرز الكتاب العراقيين، ذاع صيته منذ البدايات، وجاءت روايته "بابا سارتر" كواحدة من أبرز الأعمال الإبداعية وكطلقة كاشفة لواقع المثقف العربي  وما آل إليه، في هذا الحوار الذي جاء على هامش حضور على بدر بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ53 يكشف على بدر  مدى حضورأدب نجيب محفوظ  وكيف أقتفى أثره حتى يقدم مشروعه الروائي الخاص بالأمة العراقية ،  ويحدثنا عن  تسريب وتبسيط الفلسفة لتكون جزء رئيسي في أعماله الإبداعية.

 

أعمال  علي بدر  الروائية هي مرآة عاكسة  للحياة الاجتماعية والثقافية  والسياسية  بالعراق إلى أي مدى ترى هذا صحيحًا، وهل  تتفق مع أن هناك صلة بين العمل الإبداعي  وسيرة  صاحبة؟

بالتأكيد كانت أعمالي وثيقة الصلة بحياتي، كنت مدون ما عشته في العراق في أوقات مختلفة، وهناك الكثير من أحداث في رواياتي هي واقعية، ولكن لم يكن سهلًا تحويلها إلى عمل فني، وبالتالي كان لدي محاولات كثيرة من الانفكاك بين الحدث الحقيقي الواقعي والمتخيل حتى تغدو الرواية عملًا فنيًا كاملًا، حتى لاتكون بها أحداث واقعية وشخصية، ومع ذلك كانت الأحداث السياسية في العراق التي عشتها جعلتها من وجهة نظري أنا، فقد جعلت تطابق بين السارد بالضمير الأول وبين شخصيتي الحقيقية، لذلك وردت كثيرًا من الأشياء داخل رواياتي،  من حياتي وتاريخي الشخصي والذي بالتأكيد كان عاكسًا لواقع الحياة الاجتماعية والسياسية  في العراق.

"بابا سارتر"   جاءت كصدمة  لكشف واقع زائف  إلى أي مدى نجح "علي بدر"  في معالجة الوعي  الثقافي الزائف  وماذا عن أثر التيار  الوجودي على المثقفين  فترة الستينيات؟

 

الرواية لا تعالج الوعي والتاريخ الزائف، أنما تكشف عنه، هذا ما حدث مع رواية "بابا سارتر" كانت كشف عن وقائع ثقافية خاصة بتاريخ الستينيات من واقع تاريخ الثقافة العربية ، حيث حدث نوع من التأثير بالغ الأهمية للفكر الوجودي على معظم المثقفين العرب، تحدد مسارات ثقافية وخيارات سياسية على هذا التوجه، لذا جاءت الرواية أقرب إلى فحص لعملية التقليد والمثاقفة بين الغرب والعالم العربي، ومحاولة الإجابة عن سؤال القديم أي طريق نسلك، فقد كان الطريق الذي نسلكه في تلك الفترات وواحدة من خيارات المثقفين هو تقليد الغرب، وقد جاء التقليد مبني على أسس غير صحيحة وكاريكاتورية، ولذلك كشفته في بابا سارتر.

لا تخلو أعمالك من الإشارة إلى المثقف كأحد ابطال سرديتك ، وهذا  ما نراه في "مصابيح أورشليم"  عن ادوارد  سعيد  وانشقاق المثقفين عقب  احتلال  بغداد، هل يمكن وصف  حضور المثقف انه بمثابة تيمة رئيسية في اعمالك  وهذا يأخذنا إلى ماذا يعني المثقف  لدى  علي بدر وماهي القضايا التي تشغله؟ 

 عنيت رواياتي بالطبقة الوسطى، والمثقف بالتأكيد هو واحد منها، ويشكل شريحة للتوسط ف الغالب بين الدولة والمجتمع، وهو المؤول الأساس للحاجات الاجتماعية والثقافية للمجتمع، وبالتالي به علاقة اشتباك كاملة مع مؤسسات الدولة، لذا لا يمكن اغفال اهميته الكبرى في بناء التصور للأمة وكذلك المادي في بناء الأمة.

وبالتالي رواياتي لا تخلو من فئات الطبقة الوسطي ضباط ومحامين، وبكل ما يسمى بالطبقة الوسطى والتي تعد في عالمنا العربي طبقة الموظفين، السبب في رايي انها طبقة أساسية في عالمنا العربي، وبالرغم من شيوع  أنها اندثرت، ولكن الحقيقي هي التي تحكم، وهى التي تشكل الوعي السياسي والثقافي، الجسد الصحفي، وهي أهم طبقة في تشكيل المجتمعات التي يطلق عليها. 

الهوية والصراع  الطائفي  قد تبدو أسئلة قديمة ولكن تتجدد عبر واقع متغير  إلى جانب أنها تبدو عالقة وهذا ما عالجته في "حارس التبغ"  هل ترى أن إشكالية الهوية مازالت قائمة وأسئلتها  تفرض  نفسها  في ظل عالم عربي  يختار أبناءه الهجرة دومًا إلى بلاد أخرى    ليكون جزء منه؟

 أما عن الصراع الطبقي قائم بالتأكيد ويأتي الصراع الطائفي ليكون عنصر متداخل معه، في مجتمعاتنا ورثة الدولة العثمانية، وهي أختلفت   كليا عن ماهو قائم في الغرب، فبناء الأمة قائم على أساس تطهيري بمعنى جعل المجتمعات صافية، البروتستانت شكل وأمة، والكاثوليك كذلك، في فرنسا مثلًا  كاثوليكية، وقد ذهبت الدولة العثمانية أن تبقي هذه الاثينيات قريبة من بعضها ومازالت قائمة. 

لم تشكلت الأمة بالعالم العربي شكلت نوع من المشكلة الأساسية من تلك التي بدت تتشكل  الدول القائمة على التراث، وهذا يصلنا إلى حصر القوة والثروة والسلطة بيد مجموعة ضد مجموعة أخرى، وكانت رواياتي واحدة من كشف الوقائع التي ارتبطت بتشكيل الأمة في العالم العربي والإسلامي.

 في عالم علي بدر الروائي نرى أن للفلسفة  حضورها الكبير  إلى أي مدي أثر انشغالك  بالفلسفة على عالمك الإبداعي حتى يمكن القول أنه صار جزء منه؟

الرواية بالنسبة لي هي جعل الفلسفة تمشي على الأرض، في حين أن الفلسفة تقوم على التجريد ولكن فيها الأفكار، هذه الافكار تكون في الرواية ذات طابع حسي لا طابع تجريدي، وعلى الحس العادي، وهذا لابد أن يكون مبرمج في إطار فكري عقلي وتقني وهذا يخص الفلسفة.

الفلسفة مهمة جدًا في أعمالي، وهي عالم نخبوي، والرواية هي فلسفة الإنسان العادي وهي كتابه، وكل أعمالي في الرواية هي محاولة تجاه الفلسفة.

ذهب الكاتب الروائي والأكاديمي علي بدر مبكرًا إلى تيار ما بعد الحداثة في الرواية  العربية  إلى أي حد نجحت في هذا؟

بالتأكيد أن موضوع ما بعد الحداثة في أعمالي يخضع لرؤية النقاد، وهي تسمية نقدية، ليست مقصودة مني، ولم تكن هدفًا بالنسبة لي، وجاءت عرضيه سواء ما بعد الحداثة أو ما بعد الكونيالية، وقد أنشبك العراق في تلك القترة بمرحلة سياسية مهمة، وكانت واحدة من أشكالها هي الدخول في صراع مع الإمبرياليات الكبرى، وهذا حتم على أن تكون النصوص الإبداعية موازية للواقع الذي عشت فيه.

 

هل يرضخ علي بدر لتوجيهات  الناشرين بالتغيير والتعديل والحذف أحيانًا، وهل معنى الرضوخ هو خيانة للنص أم هو محاولة لتمرير النص بتقديم بعض التنازلات؟

 لا أخضع لإرادة ناشر، لم أعد ذلك، في البداية كان هناك بعض الناشرين يقوم بحذف فقرة أو فقرتين حتى لا نواجه مشكلات قانونية، ولكن الآن لم أخضع مطلقًا.

هل ترى أن مركزية الثقافة العربية انتهت.. وأن لا عواصم للثقافة العربية؟

حتى الآن العواصم الثقافية ثلاثة بغداد، والقاهرة، وبيروت، وتأتي دمشق الرابعة هي عواصم تنتج الأدب واللغة، وكل تحولات اللغة هي من أنتجتها تلك العواصم العربية، ومازالت آدابها هي الأقوى، ولم تستطع الثقافات الأخرى الممتدة أن تتكسر هذه القاعدة من مركزية الثقافة العربية القائمة في العواصم الأربعة.

الروائية العراقية ونجيب محفوظ ماذا عنها  لدى علي بدر؟

تأثرت كثيرًا بنجيب محفوظ، وقرأت أعمال نجيب محفوظ كاملة في سن مبكرة، هذه الأعمال الخلاقة أبهرتني  كلها عن أمة واحدة، فأردت أن يكون شيئا بالعراق عن الأمة العراقية، فقالوا لا يوجد،فقررت أن أقدم  مشروع شبيه لنجيب محفوظ، ولكن عن الأمة العراقية، وأن تصدر عبر ناشر واحد وأن تكون كاشفة للتاريخ السياسي والثقافي والاجتماعي  للعراق، كان هذا هو مشروعي الأول.

 برأيي أن الرواية العراقية فيها كفاءة  فنية كبيرة، منها روايات "غائب طعمه فرمان، وبالرغم أنها روايات أكثر حداثة من نجيب محفوظ، لكن يغيب فيها المشروع، هم كانوا يكتبون روايات ناجحة فقط.