الأزمة فى كييف.. والقلق فى تل أبيب
فى خرائط المصالح للقوى العظمى كل شىء ذو صلة، من الصعوبة الفصل بين النزاعات فى أوروبا والصراعات التى فى الشرق الأوسط، الأحداث عندما تكون هنا، التداعيات تكون هناك.
احتدام المواجهة بين روسيا وأوكرانيا، وزيادة احتمالات بدء الحرب، وما يصاحبها من تفاقُم الأزمة الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وروسيا، ستؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على إسرائيل، التى تهتم على نحو خاص، حاليًا، ببعض الملفات الأخرى، وبسبب صراع لا يخصها وجدت نفسها فى عين العاصفة.
فإذا نشبت الحرب، وغزت روسيا أوكرانيا فإن العالم سيبدو مختلفًا، المعركة فى أوكرانيا ستحتل مكانًا مركزيًا فى جدول الأعمال العالمى، والأمريكى على نحو خاص، ستعود روسيا لتتصدر قائمة اهتمامات البيت الأبيض، وستصل أصداء الحرب إلى ما بعد حدود أوروبا، وستؤثر على السياسة الخارجية الأمريكية والأوروبية والروسية، وستؤثر أيضًا على الاقتصاد والطاقة والأسعار.
الصراع ليس بعيدًا عن الشرق الأوسط لا جغرافيًا ولا سياسيًا
الغزو الروسى لأوكرانيا بإمكانه أن يشكل فرصة لإيران تقوم خلاله باستغلال حالة الانشغال العالمى بالحرب فى كييف، وضع كهذا سيسمح لطهران بالمماطلة والاستمرار فى التقدم فى تخصيب اليورانيوم والاقتراب من صنع قنبلة نووية.
لدى إسرائيل قلق مزدوج، فمن ناحية، هناك مخاوف من استغلال الإيرانيين انصراف الاهتمام عن قضيتهم كى يسرعوا إلى القنبلة، ومن ناحية أخرى، إن دخول الولايات المتحدة فى أزمة مع روسيا من شأنه أن يجعل واشنطن تقدم تنازلات كبيرة لإيران فى مسألة الاتفاق.
التفسير هو أن إسرائيل قلقة أيضًا من حجم اهتمام إدارة بايدن بالتهديد الإيرانى الذى يأتى بالنسبة إلى واشنطن فى المرتبة الأولى من حيث الأهمية فى الوقت الحالى، فكلما ازداد الاهتمام الأمريكى نحو ما يحدث فى أوكرانيا كان من الصعب على إسرائيل إقناع إدارة بايدن باستمرار الضغط فى المحادثات مع إيران، والتقديرات تشير إلى أن واشنطن ستخفف من اهتمامها فى المسألة النووية إذا تفاقمت المواجهات فى أوكرانيا.
بإمكان الأمور أن تكون أسوأ أيضًا، فإذا ما جرى الغزو الذى بطبيعة الحال ستصاحبه عقوبات من واشنطن والغرب على روسيا، ستجد إسرائيل نفسها مضطرة لأن تختار جانبًا، وسيكون من الصعب عليها أن تبقى على الحياد أو تبقى على علاقة طيبة مع كل الأطراف الفاعلة، وحتمًا ستختار جانب واشنطن، وضع كهذا سيؤثر على منظومة العلاقات بين تل أبيب وموسكو، وستكون هناك خسارة ما لإسرائيل، ومخاطر محتملة.
حتى وقت قريب، لعبت روسيا دور الشرطى الجيد فى محادثات فيينا، وظلت على صلة مباشرة مع المندوبين الأمريكيين الذين لا يشاركون فى المفاوضات مع الإيرانيين بشكل مباشر، هذا الوضع قد يتغير.
فى تل أبيب كانت هناك حالة من الرضا من السياسة الروسية حيال البرنامج النووى الإيرانى، التى كانت تعارضه بشكل واضح، لكن فى الوضع الجديد، ليس واضحًا كيف ستتغير السياسة الروسية فى هذا الاتجاه، ربما للضغط على الولايات المتحدة مقابل ضغط الأخيرة عليها جراء الغزو.
فعندما تتحدث الولايات المتحدة عن إرسال قوات أمريكية أو من الناتو للمساعدة إلى شرق أوروبا، فإن فرصة التنسيق بين واشنطن وموسكو مواقفهما بشأن المحادثات النووية ستصبح تحت التهديد.
وحتى إذا انتهت الأزمة الحالية دون مواجهة عسكرية بين روسيا وأوكرانيا، فربما يكون الثمن والتنازلات التى ستدفعها واشنطن والاتحاد الأوروبى لروسيا لوقف الحرب كبيرًا، وليس واضحًا حتى الآن، كيف ستؤثر تلك التنازلات على ميزان القوى العالمى؟