رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التنمية جامعة.. “حان وقت الطبيعة”

التنمية بكل أبعادها ومستوياتها ومراحلها غاية الأمم ومبتغى الشعوب، وتُؤسس وتُخطط لها الحكومات، وتُصمم لها البرامج، وتُحدد لها الأولويات والمراحل، وتنتظر الشعوب منجزاتها وحصاد استراتيجياتها في كافة المجالات وعلى مختلف المستويات. تُعد البيئة مخزونًا تنمويًا مُتنوع المزايا، ومُتعدد الفرص والبدائل، ولهذا يحظى باهتمامات دولية وإقليمية ومحلية متكاملة تُحشد لها الطاقات وتُرسم لها الخطط وتعُعقد لها اللقاءات، وتُطلق لها الشعارات، ويتوحد العالم للاحتفاء بها.    من أجل التأكيد على أهمية وقيمة هذا التنوع البيولوجي، والمناخي، وأبعاده الاقتصادية،  والاجتماعية، ودور البيئة في تحسين الجانب الوجداني للإنسان، ورفع كفاءة الصحة النفسية التي تُعد الطاقة المحركة للناس والمحفزة لهم نحو العمل والانتاج وتنفيذ خطط وبرامج التنمية بكفاءة عالية.  كل عام يوم الخامس من يونيو  يحتفل العالم باليوم العالمي للبيئة، وفي هذا العام كان   شعاره “حان وقت الطبيعة”، والوطن العربي وهو يشارك في هذه المناسبة يختلف عن غيره، بفرص أكثر، وقواسم مشتركة أهم وأشمل تجمع بيئته بمشتركات إيكولوجية، قد تزيد في مجملها على نحو ٤٠ ألف صنفًا من النبتات والزهور والأشجار والأعشاب وفصائل الحيوانات والطيور والأسماك والشعاب المرجانية وجماليات قاع البحار والمحيطات. وهي في واقعها ترسم لوحة جمالية مشتركة لجغرافيا الوطن العربي، والتي في أعماقها الجغرافية أيضًا مساحة شاسعة تمتد من المحيط إلى الخليج تتضمن معطيات بيئية ضخمة، عطلت فرص إستثمارها موروثات ثقافية واجتماعية ومنافع اقتصادية محدودة.  إمكانات البيئة العربية الضخمة خام لم يُستغل، وثروة لم تُستشعر أهميتها وقيمتها بما يكفي لتوظيف معطيات هذا التنوع من فرص التنمية الإيكيولوجية متعددة الأبعاد التي لها أن تستغل. إن استغلال هذا المعطى لم يزل محدودًا، وبحاجة إلى مشروع بيئي عربي يجعل من البيئة العربية فرص تكاملية مشتركة تتصل منافعها، وتمدد عبر ارجائه، فتتسع مجالات التعاون البيئي والاستثمار السياحي، والتكامل المناخي الذي يمكن له أن يُولد الفرص تلو الأخرى في مجالات بيئية جاذبة لشغف الناس في اكتشاف روعة التناغم والتنوع البيئي في الجغرافيا العربية ذات الميزة التنافسية الشاملة.  لا يزال الوطن العربي معاناته في قصور التخطيط مستمرة، فقد يُخطط له من غير بيئته، ذلك لأنه لم تبلغ القناعات مداها بالقدرة على التخطيط ورسم الإستراتيجيات ووضع السياسات التي تلائم بيئته وتناسب مكوناته، وقد تستمر مرحلة التسليم مالم تكن هناك إرادة ورغبة في التخطيط للبيئة من البيئة وبكوادرها وعناصرها التي تتفهم خلفيتها وتُدرك متطلباتها وتُقدر حاجاتها من واقع بيئي مباشر، بدوره يمكن أن يستفيد من كل المعطيات والتجارب المحلية والاقليمية والدولية. بعيدًا عن الاعتماد على مستهلكات التخطيط من الخارج، والذي قد يكون أصلًا لم تنجح رؤيته التخطيطية بالقدر الكافي في موطنه الأصلي وبيئته المحلية، ويبدو أن هذه المعضلة أبرز عوامل تعثر التنمية عامة والتنمية البيئية خاصةً في الوطن العربي، نتيجة الركون غالبًا إلى المخطط الخارجي الذي عنده أولويات مصلحية وله أجندات خاصة، ولديه أهداف بعضها مُعلن والأخر مبطن.  فلسفة التخطيط الاستراتيجي، والمرحلي لها أن تتحول بمنهجية التخطيط نحو بيئته ليبدء منها وينتهي إليها إن أُريد له الاتجاه نحو الصواب والهدف. ايكيولوجيا الوطن العربي رانت عليها في العقود الثلاثة الماضية أزمات وصراعات وحروب، جعلت على سطح طبيعتها غشاوة، والغائر أبلغ ألمًا وأشد معاناة، فأرض فلسطين ارتوت دمًا، وفي السودان تسيل دماء بريئة بيد محلية ودوافع دولية، وسوريا والعراق واليمن أحرقت سطح أرضها مشارب طائفية ونزعات عرقية توالت على وجه كوكبها  الأخضر فأصبح يعلوه الشحوب. وساحل البحر الأبيض في الغرب الأفريقي، قد كلح وجه سواحله، وأسود مدهام أوراق شجره، وتشظى مرجان شعاب بحره من لظى دخان حروب، ونزاعات فُرضت عليه، واستمرار تنازع المصالح بين القوى على ثرى أرضه. لكن الأمل لا ينثني، فلعل للبيئة تنمية جامعة تجعل للوطن العربي موطنًا بيئيًا بين الأمم يُنافس من خلاله. لتظل البيئة منصة مفتوحة تجمع المتناقضات وتضفي تجانسًا على المختلفات يفي أزهار  الأشجار، وطيف أعماق البحار، وترانيم مخلوقات زانت البيئة، ولم تُلوثها كما لوثها الإنسان.             فهل حان وقت الطبيعة؟ كما استدعاه البحتري في جميل شعره أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكًا من الحسن حتى كاد أن يتكلما وقد نبه النيروز في غسق الدجى أوائل وردٍ كن بالأمس نوما  يُفتقها برد الندى فكأنه يبث حديثًا كان أمس مُكتما. فهيا "حان وقت الطبيعة"! أم لم يزل؟.      

الدكتور/ محمد الفايدي رئيس مركز المعرفة العربية للاستشارات