رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد عثمان خليفة: «الوردة البيضاء والغابة السوداء» قصة مذهلة عن الشجاعة والإنسانية (حوار)

محمد عثمان خليفة
محمد عثمان خليفة

يشارك المترجم محمد عثمان خليفة، في فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته الثالثة والخمسين، بأحدث ترجماته والصادرة حديثا دار العربي للنشر والتوزيع، رواية "الوردة البيضاء والغابة السوداء"، من تأليف الكاتب الأيرلندي إوين دمبسي.

الرواية التي تتناول علاقة إنسانية ربطت بين امرأة ألمانية وضابط بريطاني، دخل الأراضي الألمانية في مهمة خاصة في أواخر الحرب العالمية الثانية، التقت “الدستور” بالمترجم للحديث حول الرواية والترجمة وقضاياها، وإلى نص الحوار..

أين يبدأ الخيال وينتهي الواقع في أحدث ترجماتك "الوردة البيضاء والغابة السوداء"؟

بعيداً عن كوني مترجم العمل، كقارئ كنت مفتونًا بالرواية والأحداث التي تجري خيالية على أرضية واقع عاشه العالم وعاشته ألمانيا في أربعينيات القرن العشرين.  السرد مؤثر وقابل للتصديق والشخصيات مفهومة وتقدم وجهة نظر مختلفة حول تلك الفترة. أحببت الشخصيات الرئيسية ومكان الأحداث. وهي بالفعل تمزج بين أحداث سجلها التاريخ وحبكة خيالية مثيرة.  

لماذا أخترت هذه الرواية تحديدا وهل كان الترشيح من الناشر أم لك؟

كان الترشيح من الناشر، وهي سياسة دار النشر في أغلب الأعمال. ولما اطلعت عليها، تحمست جداً لترجمتها، خاصة وأن موضوعها وأحداثها من النوعية التي أحب القراءة عنها، وبالتالي رغبت في تقديمها للقارئ العربي.

بطل الرواية ضابط بريطاني تجمعه الأقدار بمواطنة ألمانية، فما الذي فرقته الحرب وجمعته الإنسانية في هذه الرواية المستندة لوقائع حقيقية كما يشير غلاف الرواية؟

هذه قصة مذهلة عن الشجاعة والإنسانية. وسوف يجد القارئ نفسه وهو يلهث وراء الأحداث والمخاطر التي تواجهها "فرانكا" في قلب ألمانيا النازية. الرواية تشير إلى الجرائم التي ارتكبها هؤلاء باسم "الرايخ" وكيف سلبوا الحب من الناس، الحركات المناهضة للنازية داخل ألمانيا، وتحركات الحلفاء المُتخفية في سبيل القضاء على النازية. والحرب عبثية تُضحي بحياة الأبرياء في سبيل تحقيق مصالح بعينها لا يطلع عليها إلا من يأمل في تحقيقها. تنتهك الإنسانية من أجل الهيمنة على عالم بائس.

أثيرت مؤخرا قضية الترجمة بالعامية، ولك تجربة في هذا الصدد، لماذا الترجمة بالعامية وهل تخوفت من التجربة؟

رأيي أن اللغة بدرجاتها هي أداة تواصل، وطالما أمكن استخدامها بفعالية وتحقق التواصل على النحو المنشود والذي يبدد سوء الفهم فبالتالي تكون الأداء المستخدمة قد نجحت في مهمتها. ولا أجد أي غضاضة في اللجوء إلى العامية عند ترجمة الحوارات بين شخصيات رواية أدبية مثلاً. ولي تجربة في هذا الصدد، في روايات من قبيل "مشروع روزي" و"جوي سبيدبوت" و"الثلاثة"، وذلك لأنني وجدت مقتضيات السرد تستدعي ذلك، ولأن طبيعة الشخصيات أو سياق الحوار لم تكن تحتمل في رأيي أن تكتب بالعربية الفصحى. لم أتخوف من التجربة، فالترجمة صنعة وفن، أي تحتمل التجريب، وهو ما وافقني عليه الناشر، واستحسنه أغلب القراء، من واقع ما قرأت من تعليقات على عملي حتى الآن.  

متي وكيف بدأت حكايتك مع الترجمة٬ تحديدا ما الوازع وراء عملك بالترجمة؟

ربما تندهشي إن قلت لكِ أن الترجمة بدأت معي كهواية منذ كنت في المرحلة الابتدائية، ووقتها لم أكن أعلم أن ما أقوم به هو الترجمة، حيث كنت أحاول ترجمة روايات د. نبيل فاروق (رجل المستحيل) إلى الإنجليزية. وبرغم أن دراستي كانت في القسم العلمي خلال مرحلة الثانوية العامة، إلا أنني كنت متفوق جداً في اللغة العربية وآدابها، واخترت الالتحاق بقسم آداب اللغة الإنجليزية حتى يتسنى لي التخصص في مجال الترجمة. فهي هواية تحولت إلى صنعة واحتراف. ومن الجميل أن تكون هواية المرء هي شغله ومصدر رزقه.  

كيف تري ظاهرة انتشار ترجمة الأعمال الكلاسيكية والتي ترجمت من قبل٬ بل وأن العنوان يترجمه أكثر من مترجم٬ وفي الأغلب تكون ترجمات شديدة الرداءة٬ وبماذا تفسر هذه الظاهرة؟

أعتقد أن لا غضاضة في ذلك طالما كان المتلقي راضياً، وفي الأخير سوف يطرد العمل الجيد نظيره الرديء. ولأن الترجمة فن وتجريب وتنطلق من خلفية المترجم وحصيلته المعرفية، فمن الحتمي أن ترجمات العمل الواحد ستكون مختلفة عن بعضها البعض من حيث الجودة والتجربة الفنية. ولكن السبب الرئيسي وراء هذه التعددية سبب تجاري في المقام الأول.

ما الفرق بين التعريب والترجمة؟ وأيهما أشد صعوبة أمام المترجم؟

بطبيعة الحال فإن التعريب أصعب من الترجمة بالنسبة للمترجم، حيث ينطوي التعريب على استعارة كلمة أجنبية وإدخالها في العربية بعد تطويعها لتنسجم مع أوزان العربية. لذا، فإن التعريب مهمة يلزمها عميق بحث وتقصي ومن ثم عملية انتقاء واختيار.

ما الفارق بين المترجم الذي يمارس الإبداع والكتابة٬ والمترجم المهني؟ وهل يؤثر الإبداع على الترجمة أو العكس؟

هو نفس الفارق بين الفنان والموظف، ونفس الفارق بين نجم في مجاله ومجرد مؤدي غير شغوف بالتطوير أو صقل ملكاته. والملكة الإبداعية إن توفرت في المترجم ترتقي به إلى درجات أعلى، ويكون ذلك واضحاً في النص المترجم، حيث ينزع المترجم عندئذ إلى وضع لمساته اللغوية الخاصة، والتي قد تجعل النص المترجم في بعض الأحيان أرقى لغوياً من أصله الأجنبي.

لماذا يعاني العالم العربي من ندرة في ترجمة الكتب العلمية؟

واقع الحال يشير إلى أن الطابع الاستهلاكي في عالمنا العربي جعل من الصعب تمهيد أي بيئة خصبة للشغف بالعلوم والتخصص فيها بالدراسة والبحث وبالتالي تقديم منتج جديد لم يقدمه العالم المتقدم بعد. نحن متلقون وحسب. أما لو تحدثنا عن ندرة الكتب العلمية المترجمة إلى العربية، فذلك في رأيي لأن أغلب المعنيين بالعلوم يفضلون الاطلاع على حديثها بلغاتها الأصلية.

متي يخون المترجم؟

هذا موضوع مهم وشائك. يقول الإيطاليون: «إن تكون مترجما فأنت خائن»، ويقصدون هنا «الخيانة الجمالية» للنص الأصلي عندما ينقل إلى لغة أخرى تتطلب تدخل المترجم لإضفاء صفات جمالية ودلالية على النص الجديد، حتى لو أدى ذلك إلى بعض التنازلات المقبولة عن خصاص النص الأصلي، وبما لا يخل بجوهر المحتوى الدلالي للنص في لغته الأصلية. ولكن «خيانة المترجم» فيما يخص ترجمة النصوص الأدبية، لا تكون مقبولة إطلاقاً حال ترجمة «النصوص السياسية والقانونية»، نظراً لأن تلك النصوص ليست مجالاً للتذوق الجمالي، ولكنها نصوص تعتمد على وضوح المحتوى وبروز الدلالات بغض النظر عن الصياغات الجمالية للغة. وعموماً، أرى أن اللغة خائنة بطبعها، فهي لا تنقل المعاني بأمانة، وتحصل داخلها عمليات معقدة وملتبسة لإيصال المعاني إلى المتلقي.

ما أبرز الكتب التي ترجمتها؟ وماذا تترجم حاليا؟

أعتز جداً بترجماتي جميعها، وخاصة بعض روايات ستيفن كنج، وأعتز بترجمة كتاب "مستقبل الإسلام السياسي" الذي كان له صداه الكبير وقت صدوره. وحالياً أترجم أحد أهم كتب الكاتب الأمريكي الشهير أياد أختار، والذي سوف يصدر خلال هذا العام عن دارب العربي.

ما الكتاب الذي تتمني ترجمته أو ترشحه للترجمة ولماذا؟

كل كتاب أو رواية جديدة تصدر باللغة الإنجليزية وتجد لها مكاناً في قائمة الأكثر مبيعاً أتمنى ترجمتها إلى العربية، سواءً من خلالي أو من خلال غيري.

إلى أي مدى تتفاوت أجور المترجم في العالم العربي عنها في العالم بصفة عامة؟

التفاوت كبير وهائل، ولا أدري السبب حقيقةً. لكن يكفي أن تعرفي أنني لا أتعامل في عملي مع أي جهة مصرية على الإطلاق. ومن أسفٍ أن صاحب العمل في الغالب ما يغمط حق المترجمة والمترجم المصري، سعياً وراء الاستحواذ على أكبر قدر من المكاسب.  

هل تختلف الترجمة من لغة وسيطة عن الترجمة من اللغة الأصلية مباشرة؟

الترجمة مهمة في كل الأحوال، حتى لو كانت عن طريق لغة وسيطة، في إحياء اللغة وآدابها. وأزعم أنَّ الترجمة عن لغة وسيطة ذات فائدة كبيرة لا نستطيع إغفالها أو التقليل من شأنها. فائدتها هنا ليست في إثراء اللغة الأصل وآدابها بل في إثراء آداب اللغة المترجم إليها. وأعتقد إن علاقات القوة والتأثير المتبادل بين الأمم بعضها البعض هي الأهم في هذا الصدد.

ما ردك على من يرى المترجم مجرد وسيط بين النص في لغته الأصلية ومتلقيه؟ ومتى يكون المترجم مبدعا؟

لا يمكن أن يكون المترجم مجرد ناقل من لغة إلى لغة كأنه ببغاء أو كأنه وسيط لغوي لا أكثر ولا أقل؛ بل رأيي أن المترجم "المبدع" هو نفسه مؤسسة، ومثقف ورافد حيوي في بنية الثقافة وتنميتها وانفتاحها على لغات العالم وآدابه وفنونه. هناك كثير من المترجمين حولوا الترجمة إلى "صنعة" وعملية إبداعية تماماً، أصبحت فناً مستقلاً يتكامل مع فن الشعر وفن الرواية. واليوم، هناك نظريات عالمية تعتبر الترجمة جنساً أدبياً في حد ذاتها. والمترجم، حين يترجم، يكتب بلغتين بينما ينقل نصاً روائياً. وهنا يلزم أن أشيد بنموذج د. محمد عناني "شيخ المترجمين" الذي نعتز به جميعاً ونفخر بإرثه الأدبي الفذ في هذا المجال.

هل فكرت في الترجمة المعاكسة٬ أي من العربية إلى اللغة التي تترجم عنها؟

أمارسها بالفعل خلال عملي اليومي.

ما الصعوبات التي تواجهك في عملك كمترجم؟

عموماً، أرى أن أعظم الصعوبات حينما يعجز المترجم عن توصيل المعنى الدقيق لأية مفردة في النص الذي يريد نقله إلى لغة أخرى، أو حين يعجز عن نقل ثقافة هذه الكلمة بشكل فعال بحيث ينقل تصور صاحب الكلمة الأصلية إلى اللغة المستهدفة في الترجمة.

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب