رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يسري عبد الله: أحمد صبري أبو الفتوح يرتحل صوب ما هو إنساني خالص

جانب من الندوة
جانب من الندوة

قال الناقد الدكتور يسري عبد الله، خلال مناقشة رواية "حكايات من جنازة بوتشي"، للكاتب أحمد صبري أبو الفتوح، ضمن فعاليات الصالون الثقافي بمعرض القاهرة للكتاب في نسخته الـ53: تأخذ الرواية طريقها لاستعراض ملامح نفسية لشخوصها المتنوعين، الذين يدخلون في مونولوجات طويلة أحيانا، وفي ديالوجات موازية أحيانا أخرى تكشف عن الداخل الثري للإنسان، عن علاقته بالعالم، تصوراته للواقع والأشياء.

وأوضح ""عبد الله": تتشكل الرواية من اثنتي عشر فصلا سرديًا، تتآزر فيما بينها لتشكل المتن الروائي، ويخضع بعضها لأسلوب الوحدات القصصية القائمة والمستقلة بذاتها، والمرتبطة في الآن نفسه بالدلالة الكلية الجامعة للنص الذي ينهض بالأساس على تكنيك الوحدات السردية، فكل فصل روائي هنا هو وحدة سردية تضيف للدلالة والرؤية السردية معا.

ويمثل الاستهلال الروائي جزءا مركزيًا من بنية السرد، فيه يقدم الكاتب جانبًا من عالمه الذي سيحكي عنه، فتبدو افتتاحية الرواية تعبيرًا عن نوازع شعورية تسكن جوين الإنكليزية زوجة المصري شهاب الدين تجاه بوتشي، الكلبة التي أثارت فضول الجميع.

وحينما يأتي المختتم الروائي محمّلاً بلحظات النهاية لبوتشي التي صارت ونيسا لجوين في وحدتها نصبح أمام بناء دائري، فيه عود على بدء، في عالم محمل بالأسئلة الوجودية، والحكايات الواقعية، والرحابة الإنسانية في مواجهة التشدد الديني.

وأضاف "عبد الله": تمنح الرواية نفسها على دفعات، ولا يقدم السرد كتلة واحدة، ليس فحسب عبر توظيف الوحدات السردية المرقمة أو المقاطع التي تحمل الأرقام من 1 إلى 12، ولكن من خلال التنويع في ضمائر الحكي، وصيغ السرد، وتداخلات الازمنة. فالفصل الأول يبدأ من نقطة القص الراهن، حيث دخول الكلبة دايزي منزل العائلة، وبعدها يعود السرد في الفصل الثاني إلى منتصف سبعينيات القرن الماضي حيث البعثة العلمية للدكتور جاك/ شهاب الدين عبد الرافع أرسلان في إنكلترا وزواجه من جوين رغم اختلافاتهما الفكرية، ومعارضة أهلها في البداية لزواجهما، ثم يعود مرة أخرى للزمن الآني في الفصل الثالث، وبعدها يسترجع الماضي القريب في الفصل الرابع، وهكذا، حيث تهيمن لعبة التقاطعات الزمنية الدالة.

ولفت يسري عبد الله إلي: إن المتتبع لعوالم الكاتب ورواياته السابقة لن يجد فحسب أسرة أرسلان بوصفها الأسرة المركزية في (تاريخ آخر للحزن) مثلا، ولكنه سيجد أيضا بطله المنجي أرسلان الماكث بعيدًا عن صخب الحياة، الفاعل في وقت الأزمة، البطل الإشكالي المعبأ بالحلم، والذكريات.

تتماهى جوين مع بوتشي ابنة دايزي في نهاية الرواية، ويصبح مصيرهما مشتركا، ويعقدان اتفاقا روحيا حيث احتمال الحياة بمحبة حتى نهايتها.

يراكم أحمد صبري أبو الفتوح منجزا سرديًا يخصه بلا ضجيج أو افتعال، بدءًا من روايتيه "طائر الشوك" و"جمهورية الأرضين"، وينطلق من بيئته المحلية، وتاريخ الجماعة البشرية التي ينتمي إليها مثلما صنع في "ملحمة السراسوة" بأجزائها المتعددة (الخروج/ التكوين/ أيام أخرى/ شياطين.. ملائكة/ حكايات أول الزمان)، أو يرتحل إلى عوالم هامشية ترتبط بأحداث فارقة كما حدث في (أجندة سيد الأهل)، أو معاينة فضاءات مغايرة في "برسكال" أو المزج بين المقولات الكبرى والتفاصيل الصغيرة في "تاريخ آخر للحزن"، لكنه هنا في "حكايات من جنازة بوتشي" يرتحل صوب ما هو إنساني خالص، في رواية الجدل الخلاق، والأسئلة المتجددة.