رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«البنت السبانخ».. كيف تحصلين على عريس؟

 

فى فقرة من برنامج شهير عن تأخر سن جواز البنات، قال أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر الدكتور، محمد المهدى، بالنص: «إن البنت بتجيلى العيادة، بتقعد تجيلى العيادة كذا سنة، وأول ما تنقطع بعرف على طول من بره إنها اتجوزت، انقطعت تمامًا ماعدتش بتحتاجنى، إنما طول ما هى ماكانتش متجوزة، بتبقى كلمات الشماتة فيها وكلمات التريقة وساعات الشفقة كل ما تروح فى حتة.. يا بنتى لسه ما تجوزتيش.. ربنا يرزقك.. يجيلك عدلك. وبتبقى كلمات الصعبنة وكلمات الشفقة وكلمات الشماتة قاعدة تقطع فى جسمها لحد ما تتجوز». 

وبيكمل الأستاذ الدكتور النفسى وهو بيرد على سؤال عن الناس بتوع «حقوق المرأة» اللى بيقولوا المرأة مكتملة ومش محتاجة راجل يكملها!!، هل فعلًا اللى ما اتجوزتش لازم يتبصلها إن عندها مشكلة؟، بيقول الأستاذ الدكتور: «أنا باشوف إن (سترونج إندبندنت وومن) بمعنى (امرأة قوية مستقلة) ده نموذج مرضى، بتتباهى إنها (سترونج إندبندنت) وإنها مكتملة، وإنها مش محتاجة حد، ولكنها بتمثل علينا إنها (سترونج إندبندنت وومن)، أو إنها واحدة مسترجلة، التركيبة النفسية بتاعتها مسترجلة أو ذكورية ولا تحتمل إنها تكتمل بأحد».

وبيكمل: «إن الضرر فى اللى ماتجوزش هيكون للمرأة، لأن الراجل يوم مش هيتجوز هيقول إن ده قرارى، لكن المرأة مابيبقاش قرارها، بيبقى ظروفها، ماجلهاش فرصة إنها تتجوز، وبالتالى بتبقى حاسة إنها لم تُطلب، لكن الراجل ماعندوش الفكرة دى، وعندها كمان سن الخلفة وسن النضارة، البنت عاملة زى الخُضار وهو لسه فى حالة نضارة وطازج، الخُضار الحلو.. بعد شوية لما تسيب الخُضار ده هيتأثر مع السن، الراجل ماعندوش الإحساس ده، الراجل عنده طول ما هو قادر ممكن يتجوز فى أى سن».

وقال: «إن الجواز بيعطى للمرأة دعم نفسى، ودعم اجتماعى، ودعم عائلى، الجواز بيعطيها إحساس بذاتها، وفخر وسط الناس إنها مطلوبة.. إن حد جرى ورايا.. إن حد دفع لى مهر وجهز لى شقة وعمل لى فرح، ولبست فستان الفرح».

إيه بقى الكلام ده اللى بيبث رسايل سلبية خطيرة من حيث هو بيتقدم على إنه قضية مطروحة للمناقشة، عشان توضيح مشكلة قائمة فى المجتمع، والمفترض إن مشكلة تأخر سن الجواز فى السياق ده بتخص البنات بس، وكأن المجتمع مافيهوش طرف تانى بيعانى من نفس المشكلة بشكل أكبر وأكتر عدد، وإن الطرف التانى ده، وهمّ الرجالة، بيطلعوا آثار مشكلة تأخرهم فى الجواز بشكل سلبى على المجتمع بكل أفراده.

خلينا نعرف الأول بعض المؤشرات الدالة فى مسألة تأخر سن الجواز وفقًا للإحصائيات الرسمية.

أولها: بحسب الساعة السكانية للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، فإن عدد سكان مصر لغاية آخر أغسطس ٢٠٢١ وصل إلى ١٠٢ مليون و٢٥٧ ألفًا و٢١٨ نسمة، بنسبة ذكور بلغت ٥١.٤٧٪، مقابل ٤٨.٥٣٪ للإناث، يعنى عدد الذكور وصل ٥٣ مليونًا و١٥ ألفًا من إجمالى عدد السكان، فى حين إن عدد الإناث وصل ٤٩ مليونًا و١٠٧ آلاف و٢١٨ نسمة.

وبحسب الجهاز المركزى برضه- ويا ريت نركز فى الأرقام- فإن عدد اللى مش متجوزين من الرجالة فى الفئة العمرية من «٣٥- ٣٩» سنة وصل ٢٧١.٣٠٤ ألف راجل، مقابل ١٥٠.٥٤٤ ألف بنت فى ذات الفئة العمرية، يعنى عدد الرجالة أكتر.

تانيها: أشارت دراسة تحليلية صدرت من الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى مارس ٢٠٢١، واتنشرت فى المجلة النصف سنوية «السكان- بحوث ودراسات» بالعدد رقم «١٠١»، الدراسة دى أشارت لارتفاع نسبة اللى ما اتجوزوش من الذكور والإناث فى الفئة العمرية «٣٥ فأكتر»، بحيث بلغت النسبة ٤٧.٨٪ للذكور مقابل ٣٦.٣٪ للإناث سنة ٢٠٠٦، بينما انخفضت نسبتهم سنة ٢٠١٧ «٣٩.١٪ ذكور، ٣١.٥٪ إناث»، وبتنخفض النسبة دى كلما زاد العمر.

تالتها: إن مش كل بنت رافضة أو مأجلة فكرة الجواز يبقى فيها «إنّ» أو مريضة نفسيًا زى ما الأستاذ الدكتور النفسى محمد المهدى بيحاول يصدر للمجتمع بكل ثقة بحسده عليها، فعلًا إن كل البنات القوية المستقلة المعتمدة على نفسها وبتتعلم وتشتغل وبتعول أسر بحالها، إن البنات دول مرضى نفسيين وإن الرجالة فلة شمعة منورة، على رأى الأستاذ عمرو أديب، اللى قالك «البنت سبانخ» فى نوبة تريقة وفكاهة مفتعلة فى تصدير موضوع يمس قضية حيوية، بيتم تناولها من كل أطراف الحوار من زوايا مهينة للستات اللى شايلين المجتمع ده على كل المستويات، ومش دلوقتى بس، لكن عبر أجيال فاتت ولسه شايلين وهيشيلوا الأجيال الجاية بلا كلل.

خلينا نأكد إن تأخر سن الجواز مش قضية سطحية كده، كل واحد مش متخصص يطلع يقول الستات القوية المستقلة مرضى، وواحدة تانية تقول: «المرأة ماعندهاش ضرر طول ما هى مش ناشطة جنسيًا، وإذا استمر بها الحال ولم تكن ناشطة جنسيًا فى أى مراحل حياتها فهى غير مضرورة»!!

وخلينا نعرف إن تأخر أو تأجيل الجواز له نوعان:

- التأخر الاختيارى عن الجواز: وبيتم بمطلق الإرادة، وده بيكون لعدم رغبة الراجل أو البنت فى تحمل المسئولية للأسرة والأطفال.

- التأخر القسرى عن الجواز: وبيكون نتيجة ظروف حياتية بتختلف من حالة للتانية سواء للرجالة أو البنات.

ومن أهم الأسباب اللى ساعدت على تأخر سن الجواز هى تكفل البنت بأسرتها، وكتير البنت بترفض اللى بيتقدموا لخطوبتها عشان إعالة أسرتها والإنفاق عليها، سواء مع وجود عائل «ذكر» زى أخ أو أب بيعانوا من البطالة، أو لأسباب دراسة للأخ أو مرض للأب، أو لعدم وجود عائل غيرها، وحاجة مهمة تانية صادفتها من خلال عملى مع الستات وهى إحجام البنت عن الجواز من كُتر المشاكل المتعلقة بالطلاق اللى بتشوفها وتُعايشها فى محيطها، ده بالإضافة طبعًا للتفكك الأسرى، والخيانات اللى بتخلى البنات يكفوا خيرهم شرهم ويبعدوا عن الجواز نهائى، وده بالإضافة لانتشار البطالة وارتفاع تكاليف الحياة، وصعوبة الحصول على مسكن وتأثيثه.

وأخيرًا، إن كان مفهوم تأخر سن الجواز بيشكل فارق حقيقى عند بعض البنات وبيأثر فى نفسياتهم أحيانًا، إلا أن الجواز مابقاش عند معظم البنات هدف أساسى فى حياتهم لأن بقى عندهم طموحات تانية غير الجواز والبيت، وبنلاحظ إن شروط الجواز عند البنات بقت مختلفة عن زمان، أولها الاحترام والتكافؤ الاجتماعى والتعليمى والثقافى، ومش الشبكة والعفش، وده مش بحكم تطور المجتمع بس، لكن عشان وعى البنت بذاتها وثقتها فى نفسها وقدراتها على الفعل، وامتلاك زمام أمورها بعد خروجها للتعليم واكتساب مساحتها فى سوق العمل، ووعيها بمدى تأثيرها فى المجتمع خاصة فى وقتنا الحالى فى ظل ما تم من تمكين الستات- بفضل مساندة ودعم القيادة السياسية- من حقوق كانت منتزعة بقوة التاريخ، وعقلية المجتمع الذكورية والتكريسات الدينية اللى كانت بتحط من قدر الستات، وبتنتزع منهن حقوقهن الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية تحت دعاوى وفتاوى باطلة من «رجال أديان» تواروا خلف العمامة والفضائيات، وكأن الأديان مفيهاش قضايا غير «المرأة» وعالمها وجسدها وحقوقها، فكرسوا وما زالوا عبر منصاتهم أفكار لسلب مكتسبات الستات اللى أخدوها بكفاح استمر خلال قرن ونص من نضال الرائدات وبناتهن من «سترونج إندبندت وومن» اللى عددهم فى مصرنا ٤٩ مليون «أنثى» بيواجهوا ذكورية مجتمعية متمثلة فى النُخبة التمييزية بكل أطيافها قبل العامة.