رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كذب المُنجِمون ولو صدقوا.. «أوراق التاروت» بين الوهم والحقيقة

اوراق الناروت
اوراق الناروت

أوراق عليها رسومات وأشكال غريبة تتبدل بين أيدي العرافين بحجة معرفة الطالع، اتجه إليها الكثيرون، في اعتقاد منهم أنه بإمكانها اطلاعهم على المستقبل، وما يحويه من أحداث، تلك هي أوراق "التاروت" التي أصبح يُدمن على قراءتها الكثيرون خاصة مع مطلع كل عام جديد لمعرفة ما يحمله لهم ذلك العام من أحداث ويستعدون له بل ويتشائمون ويتفائلون على أساسه. 

استغلت بعض القنوات الفضائية هذا الفضول الإنساني للتطلع إلى الغيب، فلجأت إلى استضافة ما يُدعون أنفسهم خبراء قراءة أوراق "التاروت" من أجل أن يُدلوا بقراءاتهم عن التوقعات لكل برج فلكي، بالإضافة إلى تنبؤاتهم بأحداث العام، وذلك من أجل جذب أكبر عدد من المشاهدين، وتحقيق المزيد من الأرباح.

وبالفعل وجد هؤلاء الخبراء الكثير ممن صدق بتنبؤات أوراقهم واتخذها مرشدًا في خطواته، بل وصل الأمر مع البعض إلى حد  إدمانه قراءة تلك الأوراق كل يوم.

ولم تكتف القنوات الفضائية باستضافة خبراء تلك الأوراق الغريبة وسؤالهم، بل ضجت وسائل التواصل الاجتماعي ومنها "الفيسبوك" بالعديد من "الجروبات" التي تخصصت في هذا الأمر "قراءة أوراق التاروت"، من خلال عرض الاستشارات الخاصة مقابل العديد من الدولارات.


"نوال" كانت واحدة من هؤلاء الذين تدرج بهم الأمر مع أوراق"التاروت"، ليبدأ من فضول عادي إلى تعوّد وصل إلى حد الإدمان عن طريق الاستشارات الخاصة مقابل الأموال الباهظة.

عرفت نوال "التاروت" لأول مرة عن طريق صديقتها عندما كانت الأولى تمر بأزمة نفسية مع أهلها، فوصفت لها الصديقة خبيرة للتاروت تمتلك إحدى القنوات على"اليوتيوب"، تشرح من خلالها التوقعات المستقبلية لكل برج فلكي، وما يمر به هذا البرج باستخدام تلك الأوراق، لعلها بذلك تستطيع تصور كيفية للتعامل مع أهلها على خلفية هذه التوقعات، مؤكدة لها أن هذه الخبيرة صدقت في الكثير من توقعاتها.

أبدت نوال إعجابها بتلك الخبيرة نظرًا لما صادفته من تشابه ما تقوله على الأحداث الحقيقية التي تمر بحياتها، ومنذ ذلك الحين بدأت في المتابعة المستمرة لفيديوهات قراءة التاروت، بل ولجأت إلى بعض مواقع التواصل الاجتماعي التي تعرض استشارات خاصة بمقابل مادي.

تقول: "وصل بيّا الحال إلى إني بقيت زي المجنونة.. عايزة أعرف في كل دقيقة ومع كل حدث قراءة التاروت بتاعي إيه"، مشيرة إلى أنه أصبح كثيرًا لا يتفق مع الواقع الذي تعيشه.

وتتابع: "ظللت هكذا لفترة إلى أن شعرت بأن حياتي تحولت  إلى جحيم، وأيقنت أن ذلك قد يكون عقاب الله لي لكوني لجأت لغيره لمعرفة الغيب، فقررت التخلي عن هذا العمل، بل ترك المُستقبل بكل ما فيه "على الله".

وأوراق التاروت عبارة عن مجموعة من الأوراق تظهر واحدًا وعشرين ورقة رابحة، وورقة خاصة تُسمى"المهرج" بالإضافة إلى عدد من أوراق اللعب العادية.

كما أنها عبارة عن مجموعة مكونة من 78 ورقة، كل ورقة تحمل صورة رمزية ورقم، وللرقم معان في علم الأرقام والصور لها معان وتفسيرات خاصة مستمدة من علم التنجيم، وتنقسم أوراق التاروت إلى مجموعتين، الأولى تضم 56 ورقة وتسمى السر الأصغر  والثانية تضم 22 ورقة وتسمى السر الأعظم ولهذه الأوراق ترتيب معين يدُعي العرّافين بالتاروت آنهم يستطيعون أن يجدوا فيها قصة كاملة.


الاستشارات لم تكن هي ما تقدمه مواقع التواصل الاجتماعي فقط في علم قراءة هذا "التاروت" من خلال بعض صفحات "فيسبوك"، بل انتشر عبرها "كورسات" من أجل تدريس هذا العلم، بالإضافة إلى بيع تلك الأوراق من خلالها.

ولكشف عالم"التاروت" عبر هذه الصفحات تواصلت "الدستور" هاتفيًا مع إحداها للاستفسار عن سعر الأوراق، بالإضافة إلى السؤال عن إمكانيات تعلم قراءتها.

جاء الرد من خلال إحدى السيدات التي أظهر صوتها الخافت بأنها ثلاثينية العمر أن سعر الأوراق يبدأ من 300 جنيه، وهي تلك الأوراق المكتوبة باللغة الإنجليزية، بينما الأخرى وهي المكتوبة بالعربية جاء سعرها 600 جنيهًا.


أما عن إمكانية تعلم قراءة التاروت، قالت الثلاثينية أنها تقدم من خلال صفحتها بالفعل العديد من"الكورسات" في هذا الأمر، ولكنها حاليًا تؤجل ذلك لانشغالها.

من الناحية الدينية تبرأ الدين من هذه الممارسات، متخذًا قراءة أوراق التاروت إحدى وسائل التنجيم، مثلها مثل قراءة الطالع والفنجان وغيرها، وذلك حسب ما أوضحه ربيع محمد أحد علماء الأزهر الشريف الذي أشار أن "التاروت" وما يشبهه في الهدف هم وسائل مُضللة للتنجيم ومعرفة الغيب الذي هو لا يعلمه إلا الله لذا فهي بذلك مُحرّمة دينيًا ولا يجوز اللجوء إليها.

أما فلكيًا أشار الدكتور محمد غريب الباحث في قسم بحوث الشمس والفضاء بمعهد الفلك في حديثه لـ“الدستور” أنه لا يوجد ما يُدعى علم أوراق التاروت"،  وتعجب متسائلًا هل يمكن علميًا أن يقع على مجموعة كبيرة من الناس نفس المصير بحجة أنهم وُلدوا بنفس الشهر؟، أجاب هو بنفسه عن هذا الأمر بكونه لا يتقبله علم ولا منطق مشيرًا إلى أن مثل هؤلاء من يدّعوا التنجيم بالتنبؤ بأحداث المُستقبل هم فقط مُرتزِقة يستغلون رغبات الناس التطلعية على نافذة المُستقبل لتحقيق أرباح وشهرة لهم. 

التاروت والماسونية

حملت أوراق التاروت العديد من رموز الماسونية مثل رمز الهرم والعين والنجمة السداسية، كذلك حرص العديد ممن يُدعون خبراء علم قراءة هذه الأوراق على ارتداء بعض الشعارات على يديهم أو القلادات التي لها علاقة بالماسونية العالمية، ليُطرح دائمًا بذلك سؤالًا عن علاقة النظام الماسوني بأوراق "التاروت"، وفي حال الإجابة عن هذا السؤال ستتم كذلك معرفة سبب انتشار تلك الأوراق في الأوساط العربية تحديدًا بالسنوات الأخيرة.