رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإنسان مقامًا وقيمة يعتز به الوطن

 

يقول علماء الحفريات الذين يهتمون بدراسة الأصول البشرية، إن تفرد الإنسان يكمن فى اللغة وأسلوب التعبير، فاللغة لا تختصر فقط فى المفردات، لأن الحيوانات قادرة على إيجاد مفردات لها.

فالنحل يمكنه أن يجول مدركًا إلى أين يوجد حقل البرسيم، والقرود قادرة على فهم المئات من الكلمات حتى تصل أعداد الكلمات إلى قرابة الألف كلمة عند بعض أنواع الشمبانزى، ولكن لا تستطيع هذه المخلوقات أن تضع هذه الكلمات المفردة فى صياغة جمل مفيدة، فذلك مرتبط فقط بالإنسان القادر على جمع كلمات معًا وفق قاعدة لغوية للحصول على معنى اسمى من مجرد جمع كلمات متناثرة غير مرتبطة فى عبارات سليمة تنتج جملًا متكاملة مفيدة لها معناها، حتى يمكننا الاستفادة من الجمل والعبارات لنحكم بأنها جمل مفيدة تقود إلى أفعال نافعة ومتبادلة بين جماهير متعددة اللغات والقدرات الذهنية.

وهذا هو عمل الخالق للشعوب ذات الأعراف متعددة الألوان والأعمار واللغات، وبهذا يتبادل الإنسان ما لديه من أفكار أو احتياجات تفيد الإنسانية لكل الشعوب، وصوت الشعوب يقول: «استثمر موهبتك فتصير موهوبًا واصنع الخير من حولك حتى تصبح شخصًا صالحًا، ثقف نفسك حتى تصير مثقفًا وحتى تتفهم المناشدة، اعمل أعمالًا صالحة ونافعة فتصبح قدوة خالصة يقتاد بك كل من حولك، أو قارئو ما تكتب، فيصبح قولك المتسع صالحًا ونافعًا للبنيان لا سيما أطفالنا الذين يلاحظون أفعالنا، وما أسرعهم فى تقليدنا وتكرار ما يسمعوه منا».

ولهذا قال الحكماء إن الإنسان، كل إنسان، يوجد بداخله كنز، والمصدر الوحيد فى تصحيح مفاهيمنا وتقييم تصرفاتنا وحسن الاستخدام لكل كلمة تخرج من أفواهنا هو الخالق الأوحد الذى يرشد ويعلم ويوجه إلى أفضل الكلمات التى تتفق مع الأفعال حتى تثمر ما نعلمه وما نتبادله لخير الإنسان ومنفعة من يقرأنا ويتابع أفعالنا حتى لا تختلف الكلمات عن الأفعال.

وهذا هو الكنز الربانى الذى يُترجم بكلمات معناها الحمد والشكر للخالق المانح ولكل من حولنا، معلمًا كان أو أميًا، وما تعلمنا منهم ورأت عيوننا أفعالهم التى تتطابق معها أفعالهم، ويحضرنى هنا أن شابًا سأل شيخًا متقدمًا فى المعرفة والسلوك: ماذا أعمل حتى أكون مخلصًا ونافعًا وقدوة للآخرين؟، فأجاب الشيخ قائلًا:

- «الله يعلم ما هو خير لك وأنت أيضًا تعلم، وبما أننى لست أنا الله أو أنت الله فلا يمكننى الإجابة عن سؤالك؛ ولكن اقرأ ما كان يفعله إبراهيم للغرباء حتى وصف بإبراهيم مضيف الغرباء وكان الرب معه».

إنه الدرس المستفاد لنا وما نعلمه لأولادنا، لا كلامًا بل فعلًا، وفى ختام هذا المقال أشير إلى ما كتبه جبران خليل جبران: «نبيل من يملك قلبين الأول يدمى والثانى يتحمل؛ فالقلب الدامى يقاوم ضد التصلب ويرفض الاكتفاء بما هو عليه، إنه دائمًا فى توقع وهو الشرط الضرورى لوقع إيماننا فى قائمة الرغبة وليس الشهوة».