رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مغادرة التاج البريطانى

الملكة إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا، فقدت سيادتها أمس، الإثنين، على دولة جديدة كانت تابعة لـ«التاج البريطانى»، مع إعلان «باربادوس» عن تحولها إلى جمهورية. فى خطوة رآها البعض تحررًا من استبداد السلطة الإمبريالية والاستعمارية وإرثها الوحشى، ورآها آخرون تمهيدًا للحصول على تعويضات مالية ضخمة، عن نهب ثورات البلاد والعواقب التاريخية لتجارة العبيد، الذين جلبهم البريطانيون من قارة إفريقيا.

باربادوس، Barbados، دولة جزيرة تقع فى البحر الكاريبى، مساحتها ٤٦٠ كيلومترًا مربعًا، ولا يزيد عدد سكانها على ٣٠٠ ألف نسمة، ٨٠ ألفًا منهم يعيشون فى، أو حول، «بريدج تاون»، عاصمتها وأكبر مدنها، وتوصف بأنها «لؤلؤة السياحة الصغيرة فى جزر الإنتيل»، وتعد الوجهة المفضلة للمجتمع «الأنجلو ساكسونى» الراقى، وكان يزورها أكثر من مليون شخص، سنويًا، قبل أزمة «كورونا المستجد». 

منذ وصول المستوطنين الإنجليز الأوائل، سنة ١٦٢٧، ظلت باربادوس تحت حكم بريطانى متواصل، وحين نالت استقلالها فى ٣٠ نوفمبر ١٩٦٦، ظل نظامها السياسى يقوم على أن الملكة هى رأس الدولة، ويمثلها الحاكم العام ورئيس الوزراء، واستمرت الجزيرة «تتسكع فى المرحلة الاستعمارية»، بحسب وصف إيرول بارو، أول رئيس وزراء لها بعد الاستقلال، إلى أن أحيت، فى سبتمبر الماضى، مشروع تحولها إلى جمهورية، واختارت أن تحتفل فى الذكرى الـ٥٥ للاستقلال، بعزل الملكة البريطانية، التى كانت رمزًا للدولة. وبالفعل، أدت ساندرا ميسون، ٧٣ سنة، أمس الإثنين، اليمين الدستورية كأول رئيس للجمهورية الجديدة.

شارك فى حفل التنصيب، الأمير تشارلز، ولى العهد البريطانى، تلبية لدعوة ميا موتلى، رئيسة وزراء باربادوس، لمنحه «وسام الحرية»، أرفع وسام شرف فى الجزيرة، وفى كلمة ألقاها شدّد على «الروابط التى لا تعد ولا تحصى» بين شعبى الدولتين. 

وتعليقًا على ذلك، قالت كريستينا هيندز، أستاذة العلاقات الدولية فى جامعة ويست إنديز فى باربادوس، إن «العائلة الملكية البريطانية مذنبة بالاستغلال فى هذه المنطقة، ومع ذلك لم يقدموا أى اعتذار رسمى أو أى شكل من أشكال التعويض عن أخطاء الماضى». وأضافت «لذلك أنا لا أفهم كيف يمكن لشخص من العائلة الملكية أن يحصل على هذه المكافأة، إنه أمر يتجاوز المنطق».

فى الجزيرة الصغيرة مسلمون، ولهم مؤسسات مثل «جمعية مسلمى باربادوس»، التى قالت رئيستها فيرانا بولبوليا، ٢٦ سنة، إن «الاستعمار البريطانى والعبودية مسئولان بشكل مباشر عن عدم المساواة فى الجزيرة». وأبدت أسفها لأنهم تخلصوا فقط من القيود المادية للعبودية، لكن القيود المعنوية ما زالت قائمة فى أذهانهم.

قبل خمس سنوات من اعتلاء الملكة إليزابيث الثانية عرش بريطانيا، تحولت الهند، التى كانت توصف بـ«جوهرة التاج»، سنة ١٩٤٧، إلى جمهورية مستقلة، وبعد اعتلائها العرش، فى ١٩٥٢، اجتاحت حركات الاستقلال العديد من المستعمرات البريطانية السابقة، التى قطعت علاقاتها مع «التاج»، فورًا، لكن بعض المستعمرات، ظلت تدين بالولاء للملكة، من بينها كندا وأستراليا ونيوزيلندا، وإن أفاقت بعضها لاحقًا: جويانا، سنة ١٩٧٠، وترينيداد وتوباجو، سنة ١٩٧٦، ودومينيكا، سنة ١٩٧٨، و... و... وموريشيوس سنة ١٩٩٢، وسنة ١٩٩٧، قرأ الأمير تشارلز، فى هونج كونج، رسالة من والدته، خلال احتفال انتهى بتسليم تلك المستعمرة البريطانية السابقة إلى الصين، بعد احتلال استمر لأكثر من ١٥٠ سنة.

.. وتبقى الإشارة إلى أن بريطانيا نفسها قد تتخلص من «التاج» أو من النظام الملكى، فى غضون جيلين، بحسب توقعات الكاتبة هيلارى مانتل، Hilary Mantel، صاحبة الثلاثية الروائية «وولف هول»، Wolf Hall، التى تدور أحداثها بين سنة ١٥٠٠ و١٥٣٥ وتحولت إلى مسلسل تليفزيونى شهير. 

وتأكيدًا لذلك، أظهر استطلاع للرأى أجرته شركة «يوجوف»، YouGov، فى مايو الماضى، أن أغلبية الشباب البريطانيين يفضلون أن يحكمهم رئيس منتخب. وعليه، فإن الدور قد لا يصيب الأمير جورج، حفيد الملكة، البالغ من العمر ثمانية أعوام، والثالث فى ترتيب ولاية العرش بعد جده تشارلز، ٧٢ سنة، وأبيه الأمير وليام، ٣٩ سنة.