رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سر «السبت» فى حياة «السادات» و«الإثنين» فى حياة «عبدالناصر»

مثلهم مثل أى شعب يتشاءم المصريون ويتفاءلون بالأيام، رغم نهى القرآن الكريم عن «التَطيُّر» أو التشاؤم، يقول الله تعالى: «قالوا إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم قالوا طائركم معكم»، وكذلك نهى النبى، صلى الله عليه وسلم، عنه: «إياكم والطيرة»، وقد ورد فى القرآن ذكر «يوم نحس» و«أيام نحسات»، والأرجح أنها وردت فى هذا السياق على سبيل الوصف للأيام التى يُنزل المولى، عز وجل، عقابه فيها على العصاة من البشر، فهى أيام شر.

أوائل القرن التاسع عشر اختُزن داخل الوجدان الشعبى المصرى العديد من الخرافات التى ترتبط بالأيام، كما يقرر «وليم لين» فى كتابه «المصريون المحدثون»، وقد تكون هذه الأفكار متسكعة فى رأس البعض حتى اللحظة الحالية، وتتمحور هذه الخرافات حول فكرة التشاؤم والتفاؤل، فبعض الأيام مصدر فأل وبعضها أيام نحس.. تعالوا نستعرض رؤية أهل القرن التاسع عشر لأيام الأسبوع وتقييمهم كل يوم منها على ميزان تاريخنا القريب وما شهده من أحداث.

يوم السبت: يعد من وجهة نظر المصريين أنحس أيام الأسبوع، وكان أهالى المحروسة أوائل القرن التاسع عشر ينصحون بعضهم بعضًا بعدم السفر خلال هذا اليوم، لأنه «يوم النحس».. ولو أننا راجعنا أبرز الأحداث التى شهدتها مصر ووافقت يوم السبت فسنجد أن بعضها بالفعل يوصف بالسيئ أو شديد السوء، وبعضها غير ذلك كان مجيدًا وتاريخيًا فى حياة المصريين. 

وافق يوم «السبت ٢٦ يناير ١٩٥٢» الحريق الداهم الذى أكل القاهرة، وامتد من مكان إلى مكان فيها، وهو الحدث الذى وقع عقب مذبحة الإسماعيلية التى راح ضحيتها عدد من جنود وضباط الشرطة المصريين على يد المحتل الإنجليزى، وكانت هذه الأحداث من المقدمات الأساسية التى قادت إلى قيام ثورة يوليو ١٩٥٢.. وبعد الثورة وافق يوم السبت ١٤ نوفمبر ١٩٥٤ الإطاحة باللواء محمد نجيب، أول رئيس لجمهورية مصر العربية، بعد أزمة مارس ١٩٥٤. 

وليوم السبت سر خاص فى حياة الرئيس أنور السادات- رحمه الله- فقد ارتبط به العديد من الأحداث الكبرى التى شهدها عصره.. فقد وافق «السبت ١٥ مايو» موعد قيام ما أطلق عليه «ثورة التصحيح»، ثم كانت زيارته الشهيرة إلى إسرائيل بعد إطلاق مبادرة السلام يوم «السبت ١٩ نوفمبر ١٩٧٧»، واللافت أيضًا أن السادات اتخذ قرارات سبتمبر الخطيرة يوم «السبت ٥ سبتمبر ١٩٨١»، وهى القرارات التى كان لها ما بعدها.

فى المقابل كان يوم السبت واحدًا من الأيام المجيدة فى حياة كل من السادات والمصريين، حين اتخذ قرار العبور وتحرير أرض سيناء، لتنطلق واحدة من أمجد الحروب التى خاضتها مصر يوم «السبت ٦ أكتوبر ١٩٧٣»، بعدها عادت روائح الغدر المقترنة بهذا اليوم فى وجدان المصريين فى الانتشار، حين غرقت العبارة سالم إكسبريس «السبت ١٤ ديسمبر ١٩٩١»، والتى راح ضحيتها أكثر من ٤٥٠ مصريًا ابتلعتهم مياه البحر الأحمر.. ويوم «السبت ٦ سبتمبر عام ٢٠٠٨» قُتل العشرات من المصريين بمنطقة الدويقة بعد انهيار صخور المقطم فوق رءوسهم، واختتمت الأحداث الموجعة التى عاشها المصريون فى ذلك اليوم حين وقعت الحادثة الإرهابية بكنيسة القديسين بالإسكندرية، والتى راح ضحيتها ٢١ شهيدًا و٧٩ جريحًا، يوم «السبت ١ يناير ٢٠١١». 

الأحد والإثنين: اقترن يوم السبت بالفعل بالعديد من الأحداث العصيبة التى مرت على المصريين فى تاريخهم القريب، لكنه احتضن أيضًا يومًا سعيدًا من أمجد أيامهم، ويبدو أن وقوعه فى بداية الأسبوع العربى يجعله حاضنة للأحداث الكبرى، لأن المصريين ينشطون أول الأسبوع، وذلك خلافًا ليوم الأحد الذى يذكر «وليم لين» أن المصريين يعتبرونه يومًا مشئومًا بسبب اليوم الذى يليه وهو يوم الإثنين الذى شهد وفاة النبى، صلى الله عليه وسلم، لكن هناك من المصريين من يرى فى ليلة الإثنين ليلة سعيدة للدخول بالعروس خاصة.

وظنى أن المصريين غيروا مواقفهم فيما بعد من يومى الأحد والإثنين، حيث تعود العديد من الأسر على عقد القران يوم الأحد وليلة الإثنين بالتوازى مع عادتهم الشهيرة فى الزواج يوم الخميس وليلة الجمعة، لكن اللافت أن يوم الإثنين ارتبط فى تاريخنا القريب بالعديد من وقائع الوفاة، فيوم «الإثنين ٥ يونيو ١٩٦٧» حدثت واقعة نكسة يونيو وسقط شهداؤنا فى ذلك اليوم وما تلاه ليرووا بدمائهم رمل سيناء، ويوم «الإثنين ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠» توفى الرئيس جمال عبدالناصر، رحمه الله، ويوم «الإثنين ٢٩ أكتوبر ١٩٥٦» سقط شهداء العدوان الثلاثى على مصر وهم يدافعون عن بلادهم، كما وافقت محاولة اغتيال حسنى مبارك فى أديس أبابا يوم «الإثنين ٢٦ يونيو ١٩٩٥».

يوم الثلاثاء: اعتقد المصريون خلال القرن التاسع عشر أن هذا اليوم «منحوس» بل وصفوه بـ«يوم الدم»، ومن العجيب أن هذا اليوم احتضن فى تاريخنا القريب العديد من الأحداث الخطيرة، من بينها حادث المنصة الشهير يوم «الثلاثاء ٦ أكتوبر ١٩٨١» واغتيل الرئيس السادات- رحمه الله- على أثره، ليتولى الرئيس مبارك الحكم، وفى عهده وقعت مذبحة معبد الدير البحرى بالأقصر، وهى واحدة من أبشع الحوادث الإرهابية التى شهدتها مصر يوم «الثلاثاء ١٧ يونيو ١٩٩٧» وراح ضحيتها ٥٨ سائحًا أجنبيًا، ووافق يوم الثلاثاء أيضًا قيام ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١. 

يوم الأربعاء: وقد رأى أهل القرن التاسع عشر أن هذا اليوم لا يدل على شىء، وقد احتضن فى تاريخنا الحديث حدثًا واحدًا مهمًا، حين قامت ثورة يوليو يوم «الأربعاء ٢٣ يوليو ١٩٥٢».

يوم الخميس: ويسمى عند المصريين «الخميس المبارك» إشارة إلى يوم «الجمعة المبارك» الذى يأتى بعده، وحقيقة الأمر أن هذا اليوم كان متأرجحًا فى حياة المصريين، فقد احتضن واحدة من أكثر الحوادث مأساوية فى تاريخنا المعاصر، حين غرقت العبارة «السلام ٩٨» يوم «الخميس ٣ فبراير ٢٠٠٦» وراح المئات ضحايا لهذه الحادثة، لكنه أيضًا وافق قرار تأميم قناة السويس «الخميس ٢٦ يوليو ١٩٥٦» الذى كان واحدًا من أمجد الأيام فى تاريخ ثورة ٢٣ يوليو.

يوم الجمعة: الجمعة عند المصريين القدامى والمحدثين من أبرك الأيام، فهو يوم الراحة، وكان المصريون يطلقون عليه قديمًا «يوم الفضيلة»، لكن ذلك لا يمنع من وجود اعتقاد شعبى بأن يوم الجمعة فيه ساعة نحس، ويبدو أن إحدى هذه الساعات صادفت قوات الشرطة المصرية يوم «الجمعة ٢٥ يناير عام ١٩٥٢» فغدرتها قوات الاحتلال البريطانى، ليسقط من بين رجالها أكثر من ٥٠ شهيدًا، وعشرات الإصابات..

كلها أيام الله.. والصدفة لها أحكام.