رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السينما والمجتمع المصرى

 

«إن لم تكن السينما مرآة عاكسة للمجتمع، فهى صورة لواقع موازٍ للمجتمع، لكنها نابعة عنه وتظل مرتبطة به».

هذه العبارة البليغة والتحليل العميق للسينما والمجتمع هى عبارة راهب السينما المصرية الأستاذ «هاشم النحاس»، ويحتار المرء كثيرًا عندما يحاول التعريف به؛ هل يبدأ بالقول إنه المخرج التسجيلى الكبير، الذى قدم العديد من الأعمال المهمة فى هذا المجال، لعل أشهرها فيلمه «النيل أرزاق»، على الرغم أنه أخرجه فى شبابه فى عام ١٩٧٢؟ أم يتحدث عن الناقد هاشم النحاس ومؤلفاته العديدة فى هذا الجانب، وأهمها «نجيب محفوظ على الشاشة» و«الهوية القومية فى السينما العربية» وغيرها من الدراسات، هذا فضلًا عن إشرافه على سلسلة «الكتاب السينمائى»، هذه السلسلة المهمة التى صدر منها ٢٧ كتابًا؟ هل ننسى هاشم النحاس كأستاذ أكاديمى لدراسات السينما، سواء فى مصر أو فى بغداد؟ وعلى مر أيامه- أطال الله عمره- شارك هاشم النحاس فى تأسيس جمعيات السينما، مثل «جماعة السينما الجديدة» وغيرها، فضلًا عن دوره التأسيسى فى مهرجان الإسماعيلية للسينما التسجيلية والقصيرة.

ولم يكتفِ هاشم النحاس بكل ذلك، بل نجده يتجه إلى مجال التأريخ للسينما والمجتمع المصرى، ونتيجة دراسته الفلسفية- قبل التحاقه بمعهد السينما- وبفضل ثقافته الواسعة، يصل النحاس إلى حقيقة مهمة ليفتح بابًا جديدًا ليس فقط فى عملية التأريخ للسينما المصرية، ولكن أيضًا رصد علاقة السينما بالمجتمع المصرى، يقول هاشم النحاس:

«فى يقينى أن السينما المصرية لم تنل حتى الآن ما تستحقه من دراسات متعمقة، باعتبارها فنًا أو باعتبارها عنصرًا ثقافيًا فاعلًا ومتفاعلًا فى المجتمع، ومن ثم فإن دراستها لا تقتصر على مجال الدراسات الفنية فقط، وإنما تمتد لتشمل مجالات علوم الاجتماع والنفس والسياسة والتاريخ والاقتصاد والأنثروبولوجيا وغيرها من الدراسات الإنسانية».

ويوضح هاشم النحاس أن هدفه من دراسة السينما المصرية على هذا النحو ليس هدفًا نظريًا فحسب، ولكن لأهداف عملية أيضًا؛ إذ إن دراسة السينما المصرية على هذا النحو ستساعد بالتأكيد فى تحقيق هدفين: أولهما تطور فن الفيلم المصرى ليكون أكثر إبداعًا وأكثر قدرة فى التعبير عن أنفسنا، أما الهدف الثانى فهو محاولة تعميق فهمنا لأنفسنا: «فقراءة الأفلام وبخاصة التى تحظى بالإقبال الجماهير تكشف لنا عن الكثير من أحوال هذا المجتمع التى قد يصعب التوصل إليها بطريقة أخرى».

وبالفعل استطاع هاشم النحاس عقد عدة ورش بحث عن تاريخ علاقة السينما بالمجتمع المصرى، صدرت أعمالها فى مجلدات مهمة سدَّت فراغًا كبيرًا فى هذا المجال، ونجح هاشم النحاس فى باكورة هذه الورش فى جذب اهتمام المفكر الكبير وعالم الاقتصاد «جلال أمين» إلى دراسة السينما المصرية من هذا المنظور، ليقدم لنا دراسة غير مسبوقة عن «التحليل الاجتماعى للسينما المصرية فى الثلاثينيات»، لينتهى جلال أمين فى تحليله الفذ إلى نتائج مهمة: «جاءت النهضة السينمائية المصرية فى الثلاثينيات نتيجة تضافر عدة عوامل مواتية، منها تراكم رءوس أموال فى أيدى المصريين فى العقد السابق، وإنشاء بنك وطنى قام بتعبئة هذه المدخرات، ونمو سريع فى الطبقة الوسطى فى أعقاب الحرب العالمية الأولى نتيجة لنمو التعليم من ناحية وللروَّاج الاقتصادى وزيادة الإنفاق الناشئ عن هذه الحرب من ناحية أخرى. ومع زيادة القوة الشرائية فى أيدى شريحة اجتماعية جديدة لها حظ من التعليم، وُجِدَت سوق رائجة لأعمال ترفيهية وثقافية فى نفس الوقت، فازدهر المسرح والأدب والصحافة والموسيقى، ثم السينما».

تحية وتقدير لهاشم النحاس، أحد رموز السينما والثقافة فى مصر المعاصرة.