رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العنف والتصاقه بالدين

من العنوان يبدو أن به شيئًا من التناقض أو التضاد، فالمنطق والعقل لا يتوافق مع  ما جاء بالعنوان عما يجب أن يكون، فالعقل والمنطق يقولان إن طبيعة الأديان تحمل في طياتها تهذيب الإنسان والارتقاء بالإنسان من التوحش والأنانية والأطماع المادية والمعنوية والتقرب إلى الله والابتعاد عن الجريمة والرذيلة والتحلي بروح الحب لخليفة  الله حتى الضعيف منها من حيوان وطير ونبات وبالأولى رفيقه الإنسان الذي اشتق منه صفة الإنسانية، وتعبير الإنسان مجمع عليه في جميع اللغات على تعدديتها التي زادت عن ألفي لغة ولهجة. 
أما ما ينبغي الإشارة إليه أنه قد أسىء إلى المعنى الراقي العظيم الذي ميزه الخالق كما سلطه على كل الكائنات الأخرى من طير أو حيوان حتى المتوحش منها. أما ما يؤسف له أن الانسان قد أساء إلى القيمة والمعنى عندما طغت الأنانية على الانسانية ، فبدلًا من التعاطف والتسامح والشراكة فيما لنا إذ به يبتعد عن معناه إلى هواه، ومن دوره الإنساني إلى ضيق الأفق حتى كاد ألا يرى إلا نفسه دون سواه، مهما قربت المسافات العاطفية والروحانية، بل والأسرية.
ومن المؤسف أن شر الإنسان قاده إلى السباق حول العنف الديني ففقد الامتيازين روحانية الأديان وكرامة الإنسان الذي يدمر كل ما حوله كما دمر أتباع حركة طالبان في أفغانستان تمثالي بوذا في منطقة الباديان حتى علق على ذلك المفكر يوسف زيدان بالقول  "إنهم مخبولون" ، وعلى النقيض احتفظ البوذيون بهدوئهم النفسي الذي أمرتهم به ديانتهم وحزنوا حزنًا عميقًا على تراث إنساني باهر " (يوسف زيدان).
أما مهاتما غاندي فيوجه حديثه لأهله من الهندوس " أن تكونوا على أحسن هندوس، وكذلك المسلمون أفضل مسلمين، والمسيحيون أفضل مسيحيين" .أما أبراهام جوشوا (Abraham Joshua)  فيقول "إن المشكلة الحقيقية التي تواجه العالم هي كيف يكون ولاؤنا لتفكيرنا مرتبطًا باحترامنا للتقاليد الأخرى". 
وكم سمعنا بل وشاركنا في حوارات محلية وإقليمية بل وعالمية جمعت بين أبناء الثقافات والديانات المختلفة لا بهدف تغيير الآخر ليصبح كما يسعى الآخر أن ينتهي إليه، وهنا ينتفي المعنى والمغزى للحوار الذي يهدف إلى هزيمة طرف من طرف آخر ، فينتهي اللقاء ليس فقط كما بدأ بل ربما إلى الأسوأ. 
أما ما نسعى إليه فهو تحقيق حوار لا شجار ، بل هو حديث الواحد للآخر وكلاهما لبعضهما الآخر، حيث لا فرق، فالهدف ليس لكسب المعركة أو لفت الانتباه الأناني، بل هو هدف في ذاته نحو التعايش الإيماني الذي يقود إلى اكتشاف غنى التعددية في المجتمع الواحد أو المجتمعات الإنسانية كلها، ففي الحراك الآدمي لم تعد هناك دولة واحدة مغلقة على ذاتها، ووحدها صاحبة فكر واحد أو عقيدة واحدة أو ديانة واحدة، حتى إن البلدان الانفرادية العقيدة لم تستطع أن تعيش في عزلة عن المجتمع العالمي، فمنهم من خرج لعالم آخر إما بحثًا عن العلم أو العمل أو العلاج حتى تكاد أن تسقط الحواجز الطبيعية أو الجغرافية لحاجة الواحد إلى الآخر، فمهما اختلفت نسبة المكونات العقائدية أو الدينية فلن يستطيع شعب بذاته أن يعيش في عزلة عن العالم، غير ناسين أن في التعدد غنى، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن اليابان التي يبلغ تعداد سكانها نحو مائة وستين مليون نسمة أكثرهم يدينون بالبوذية وأكثرهم عدديًا الشنتو ثم المسيحية بنحو مليونين أي أقل من واحد في المائة، وعدد من المسلمين يقدر بسبعمائة ألف، ولكن لا يستخدمون كلمة أقليات، تمامًاً كما شاهدنا في كردستان فهم يستخدمون تعبير مكونات الدولة. 
أما الصين والتي يبلغ تعدادها نحو المليار ونصف المليار من السكان، أي ما يقرب من ربع سكان العالم والغالبية لا دينية إلا أنها تحمي كافة أتباع الديانات الأخرى كالمسلمين  والمسيحيين واليهود، أما الديانة الأكبر فهي الطاوية وتبلغ نسبتهم نحو ٢٧ في المائة، وبها ٥٦ قومية مختلفة، أما البوذية فيبلغ تعدادها نحو ستة في المائة والمسلمون ستة في المائة والمسيحيون واحد في المائة ونسبة الذين يقرأون ويكتبون نحو ستة وتسعين  في المائة ومعدل البطالة لا يزيد عن تسعة في المائة. 
وحرية الاعتقاد مطلقة والجميع أمام القانون متساوون (بجد) حتى إن تاريخهم الطويل لم يسجل أية نزاعات بسبب الدين، كما ينص دستورهم على أن "جميع مواطني الصين الشعبية أصحاب حق في حرية الاعتقاد الديني أو عدم الاعتقاد به، ويحظر التعصب ضد
أي مواطن صيني بسبب اعتقاده، وتحمي الدولة الجميع في مساواة  كاملة". وبعد هذه الجولة التي لا تحتاج إلى أكثر من الإشارة إلى بعض القواعد المعاونة على شراكة التعايش السلمي وأدب الحوار وذلك بالإشارة إلى بعض المحاذير ومنها:
التحذير الأول: وهو الاحترام المتبادل بين الجميع، فيحظر الاستهانة بالآخر بسبب الدين أو العقيدة أو النسبة العددية.
أما الملاحظة الثانية: فهي أن احترامك لعقيدتك أو ديانتك لا يعني الإساءة للآخرين تصريحًا أو تلميحًا، بل يحاول كل طرف أن يبحث عن المشترك مع الآخر . 
ثالثًا: ادب التخاطب مع الآخر أو عن الآخر ، فيقدّر الواحد اعتقاد الآخر الذي لا فضل له فيه . 
رابعًا: ليعمل الجميع كل في دائرته على إزالة الحواجز التي في غيبة وسهولة بنيت الأسوار العازلة في فصول التعليم ومؤسساته وفي دوائر كثيرة من المجتمع.
خامسًا: ومسك الختام قيل عن إبراهيم الخليل أن خيمته كانت لها أربعة أبواب في الاتجاهات الأربع دلالة على ترحيبه بكل غريب مهما كانت عقيدته وديانته، فهل تعلمنا منه أم ما زلنا في احتياج إلى إبراهيم آخر يعلمنا الدرس؟  أعتقد لا، فقد انتهى زمن الأنبياء.