رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كلٌ يذهب إلى معشوقه

 

استهوتني كلمات "سقراط" لأحد طلابه حين سأله: " لماذا عند الاشتعال تصعد النار إلى الأعلى ويهبط الرماد إلى الأسفل؟ فأجابه: " كل شئ يذهب إلى معشوقه، النار تعشق الهواء فتصعد إلى الأعلى والرماد معشوقه الأرض فيهبط إلى الأسفل، وكذلك الانسان عندما يموت تصعد روحه إلى الأعلى ويذهب جسده إلى الأرض، والكون يدور في حلقة دائرية لأن معشوقه الله، والكمال لله وحده والدائرة أكمل الأشكال الهندسية .
فلسفة بديعة أثارت في ذهني تساؤلات، حيث يقال أن "سقراط" أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض، فإن بدأنا بالعشق، فيمكننا أن نقول أن العشق هو أعلى درجات الحب وأنه هبة الوجود، وكل شئ مرجوعه الحب، حب الحياة.. حب الكون، حب الطبيعة.. حب العبادة، حيث معظم مهام الحياة بما فيها العبادة لو أننا أديناها دون حب فستصبح عبئا ثقيلا، فما يبديه الشخص من تحقيق للتكامل الاجتماعي يعتمد أولا وقبل كل شئ على دافع الحب، كما قال دكتور "يوسف مراد" والذي اعتبر أن دافع الحب قائم يمارس مهمته فينا منذ الطفولة المبكرة، وأنه السبب في أن الانسان اجتماعي بطبعه على حد تعبير "أرسطو" .
وإن تكلمنا عن التأمل واثارة الأسئلة والبحث عن اجابات، فسنجد أن إثارة الأسئلة هو نوع من الابداع، وأن الفكرة ما دامت لها القدرة على التفسير فهذا هو الابداع بعينه، فالابداع بدأ من طريقة "سقراط" في توليد الأفكار عن طريق طرح الكثير من الأسئلة فكان يقول: "أنا أولد الأفكار من العقول كما تولد أمي الأطفال من النساء" ، وربما يقودنا ذلك إلى الاشارة أن  حياة "سقراط" قد تغيرت بعد أن قرأ عبارة على أحد المعابد تقول: "اعرف نفسك بنفسك" ، فربما تكون اعادة اكتشافنا لذواتنا سببا في اعادة تنظيم حياتنا كل حين، لأن السعي نحو تحقيق رغباتنا واكتشاف المواهب الكامنة فينا ومنحها فرصة للظهور، يمهد لنا الطريق للاستمتاع بكل فترة نمر بها وكل مرحلة عمرية نحياها، كما أنها تمنحنا أكثر من حياة، فمن خلال ممارستنا لكل جديد يمكننا أن نحيا حياة العالم وحياة الفيلسوف وحياة الفنان وحياة الكاتب وحيوات أخرى عديدة، وسنكتشف حينها أننا لا نمتلك حياة واحدة فقط، لأنه مهما طال العمر لن تتسرب إلينا شيخوخة الروح والقلب .