رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السويس.. تاريخ ونضال

نحتفل هذه الأيام بالعيد القومى للسويس، هذا العيد الذى يتوافق مع بطولة أهل السويس أثناء حرب أكتوبر ١٩٧٣، وكيف استطاعوا ردع الحصار الإسرائيلى لمدينتهم. يسطر التاريخ كيف تحولت مدينة السويس إلى ستالينجراد جديدة، وهى المدينة الروسية التى قهرت الغزو النازى فى أثناء الحرب العالمية الثانية.

وربما لا يعرف الكثيرون أن السويس كانت من أهم الموانئ فى منطقة الشرق الأوسط لقرون طويلة، وعُرفت فى البداية باسم «القلزم»، وطبعت هذا الاسم على البحر الأحمر كله، فكان يُعرَف تاريخيًا ببحر القلزم، وحتى عندما تحول اسمها إلى «السويس» خلعت اسمها على هذا الخليج الكبير الذى يشكل الذراع الثانية للبحر الأحمر: خليج السويس.

كان القلزم، أو السويس بعد ذلك، هو الميناء الرئيسى لمصر على البحر الأحمر، ولم تكن السويس مجرد ميناء تجارى فقط، وإنما ميناء عسكرى أيضًا؛ إذ كانت تخرج منه الحملات العسكرية البحرية المصرية لتأكيد سيادة مصر على كل جهات البحر الأحمر، بل وحتى تأكيد السيادة المصرية على بحر العرب والمحيط الهندى.

وقبل حفر قناة السويس كانت مصر بالفعل واحدًا من أهم الممرات الكبرى للتجارة العالمية التى تُعرَف بتجارة الترانزيت، إذ كانت مصر بموقعها الجغرافى ملتقى الشرق والغرب معًا، تأتى إليها التجارة الشرقية من آسيا ليعاد تصديرها إلى أوروبا، كما تأتى إليها البضائع الأوروبية والأسلحة ليعاد تصديرها إلى آسيا، وكان الخط الرئيسى لهذه التجارة هو محور الإسكندرية- القاهرة- السويس، وبالعكس.

وعندما عرضت فرنسا على مصر مشروع حفر قناة السويس فى منتصف القرن التاسع عشر، اعترضت بريطانيا فى البداية على هذا المشروع الذى رأت فيه بوابة لعودة النفوذ الفرنسى إلى مصر من جديد، بعد أن نجحت بريطانيا من قبل فى إخراج الحملة الفرنسية من مصر، لذلك اقترحت بريطانيا مشروعًا بديلًا لضرب مشروع قناة السويس، وهو تطوير الطريق البرى التقليدى للتجارة: الإسكندرية- القاهرة- السويس، عن طريق إنشاء خط سكة حديد، وربما هذا هو السبب الرئيسى فى أن مصر كانت من أوائل الدول التى عرفت خطوط السكك الحديدية.

وحتى عندما نجحت فرنسا فى حفر القناة، لم تجد من اسم عالمى تُطلقه عليها إلا السويس؛ إذ عُرفت بـ«ترعة السويس» أو قناة السويس، نظرًا لشهرة السويس عالميًا، فكل المدن على القناة هى مدن حديثة وليدة القرن التاسع عشر، فيما عدا السويس التى لها تاريخ طويل فى التجارة الدولية.

ومع إنشاء قناة السويس تم الاهتمام بالمدن الجديدة: بورسعيد والإسماعيلية وبورفؤاد، وبدأت السويس للأسف تفقد أهميتها رويدًا رويدًا، خاصة مع تركز سُكنَى الأجانب من موظفى القناة فى هذه المدن الجديدة.

لكن السويس لم تفقد شهرتها العالمية، فعندما وقع العدوان الثلاثى- أو حرب ١٩٥٦- نجد الغرب يطلق عليها «حرب السويس»، رغم أن الحرب كانت بعيدة عن مدينة السويس، إذ دارت رحاها على وجه الخصوص فى بورسعيد، لكن هذا هو سحر التاريخ وقوته.

وعانت السويس بشدة مع حرب ٦٧، خاصة مع تركز مراكز البترول بها، وتم تدمير معظم مبانيها، لا سيما مع حرب الاستنزاف، وعادت السويس من جديد إلى الأضواء مع نضالها فى حرب أكتوبر وصدها الغزو الإسرائيلى، الذى اختار السويس لاحتلالها فى مغامرة إعلامية نظرًا لشهرتها العالمية.. وخلّدت أغنية الأبنودى والمغنى الجميل محمد حمام «يا بيوت السويس» صمود المدينة أثناء حرب الاستنزاف.. أما نضال السويس فى حرب أكتوبر فأتذكره كلما قرأت أو شاهدت «حكايات الغريب» لجمال الغيطانى، وفيلم «كتيبة الإعدام» قصة الرائع أسامة أنور عكاشة وإخراج المبدع عاطف الطيب.

تحية للسويس فى عيدها، تحية لبلد التاريخ والنضال.