رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بطل داخل غرفة «507».. إصابة حرب منعته من مغادرة المستشفى منذ 48 عامًا

العميد السيد وجدي
العميد السيد وجدي

في يوم 17 أكتوبر 1973، كان يبلغ من العمر 21 عامًا، وشارك في حرب أكتوبر كملازم أول حينها، فهو أحد أبطال اللواء 25 مدرع، الذين دافعوا عن كل شبر في الأرض، وكلفهم ذلك حياتهم فداءً للوطن.

إنه العميد السيد وجدي، الذي أصيب بشلل ثلاثي، إثر إصابة دبابته بصاروخ تاو أمريكي الصنع أثناء محاولة إغلاق ثغرة الدفرسوار، حين كان متواجدًا مع الكتيبة الخاصة به، يحاول الدفاع عن وطنه، ولم يكتشف مرضه إلا بعد يومين من إصابته داخل المستشفى التي لم يخرج منه حتى وقتنا هذا.

داخل غرفة 507 بمستشفى المعادى العسكري، تجده يجلس والبهجة تعتال وجهه، لم ينس أي ذكريات عن الحرب أو فترة خدمته بالقوات المسلحة، دائمًا ما يتحدث عنها ويفخر بها.

ولد البطل في حي شبرا بمحافظة القاهرة، عام 1948، كان عمره 8 سنوات فقط حين تعرضت مصر للعدوان الثلاثي، الحدث الذي زرع بداخله حب الدفاع عن الوطن، حين اعتاد على غناء الأناشيد الوطنية، واصفًا ذلك: "في مرحلة الابتدائي كان لي مدرس يكلفنا برسم شكل الخيانة، و كان يحدد لنا 3 شخصيات نرسم الخيانة عن طريق رسمهم، الشخصيات كانت الإنجليزي والفرنسي واليهودي".

من الذكريات التى لم تمحى من ذاكرة البطل، حين كان يستعد لخوض امتحانات الثانوية العامة في يونيو 1967، واصطدم بسماع الأخبار تذيع قيام العدو الإسرائيلي بضرب الجيش المصرى، وقع الخبر عليه كالصاعقة، واضطر لتأجيل امتحاناته لمدة شهر، بسبب تأثره الشديد بتلك الأحداث، وبالأخص خطاب تنحي "عبد الناصر".

وفور تخرجه من مرحلة الثانوية، لم يتردد في تقديم أوراقه للكلية الحربية، وبالفعل التحق بها، ثم تم تحويله للكلية الجوية لكنها أعادته مرة أخرى للحربية، بعد إجراء الكشف الطبي، الذي أثبت أنه غير لائق جويا لكنه لائق حربية.

 "من هنا بدأت مرحلة جديدة من حياتى، بدأت حياتي العسكرية، تعمقت أكثر وأكثر داخل الحياة العسكرية بكل تفاصيلها، وأتذكر أول يوم لي فى الكلية الحربية، كان مدير الكلية يستقبل بنفسه الطلاب الجدد للتعرف عليهم والتحدث معهم، فكان يقوم بسؤالي لماذا تقدمت للكلية الحربية، أجابته برغبتى الشديدة بإزالة آثار النكسة واسترداد أرضنا من اليهود"، يروي "وجدي".

في أكتوبر 1970، كان قد أتم دراسته في الكلية الحربية: "كنا نتدرب على طابور حفل التخرج لكن شاءت الظروف أن يكون تدريبنا ليس لحفل التخرج، ولكن للسير فى جنازة جمال عبدالناصر فقد توفى قبيل تخرجنا بقليل".

تخرج من الكلية الحربية كقائد فصيلة، ما يعني جاهزيته لقيادة طقم دبابة مباشرة دون الحاجة لأخذ فرقة تأهيل: "تم توزيعنا على اللواء ثم جاءوا قادة الكتائب لاستلام الضباط الذين على قوتهم، وكنت أنا و5 ضباط آخرين من قوة اللواء 25 مدرع مستقل، وكان مقر اللواء بمدينة نصر، وعقد حينها رئيس أركان اللواء العقيد أ.ح/ حمدي شعراوي، اجتماعًا للضباط الجدد وبعد الانتهاء من الاجتماع قام قادة الكتائب باستلامنا، وكان قائدي فى الكتيبة اللواء أ.ح/ محمد العشري، الذي كان يشغل منصب رائد وقتها".

كانت إمكانيات اللواء هائلة، فقد كان يحتوي على دبابات ومشاة لهم مركبات مدرعة (مشاة ميكانيكي)، وقبل الحرب استلموا مدفع بى إم دبليو، وهو مدفع مركبة مشاة بمعنى أن الفصيلة البى دبليو فصيلة مشاة مكونة من دبابتين داخلهما فصيلة مشاة كل منهما له مدفع مثل مدفع الدبابة، لكن معياره كان أقل قليلاً، فكان عيار 76 والمدى المباشر حتى 3 كيلو، وذلك المدفع يختلف عن المدفعية.

وقبل الحرب بعام تقريبًا، تم تغيير الدبابة، واستلمت الكتيبة دبابة جديدة T62، كانت أحدث دبابة في مصر وقتها، وأخذوا فرقة سريعة عن كيفية استخدامها، وكانت الفروق بسيطة بين الدبابة القديمة والحديثة.

وعن اللحظات التي سبقت اندلاع الحرب: "قبل خروجنا من مدينة نصر مقر اللواء 25 مدرع مستقل حتى وصولنا على الجبهة، لم نكن نعلم شيئا عن الحرب، وكنا نعتقد أنها مناورة عادية مثل التى قبلها، بجانب عدم استخدامنا لأضواء الدبابات العادية، والسير فقط بضوء البلادوس الخاص بكل دبابة، رغم كونه ضوءًا ضعيفًا للغاية".

وتابع: "فى اليوم الثاني لنا على الجبهة صدرت لنا الأوامر بتجهيز الدبابات للقتال، وفي يوم 6 أكتوبر 1973، تحديدًا في الساعة 12 ظهرًا، قام قائد الكتيبة بعقد اجتماع لنا، وأخبرنا بموعد الحرب والمهمة المكلفين بها، وأخبرنا أن ساعة الصفر هى الساعة 14:50، وعند الانتهاء من الاجتماع رأينا الطائرات المصرية تقوم بالضربة الجوية الأولى معلنة بدء حرب التحرير واسترداد الأرض المغتصبة.

كانت المهمة المكلفين بها هى العبور للضفة الشرقية للقناة، وصد هجمات العدو الإسرائيلى المضادة بالدبابات، والتي كانت متواجدة بالمضايق، وكانت المسافة بينها وبين خط القناة مسافة من 26 إلى 27 كيلو، وبما إن عبور المدرعات والدبابات لجبهة القتال يستغرق بعض الوقت فكان سلاح المشاة يقوم بالتعامل مع دبابات ومدرعات العدو الإسرائيلى على الضفة الشرقية لقناة السويس، وتعطيل موعد وصولها للجبهة حتى تتمكن مدرعاتنا ودباباتنا من العبور.

وفي فجر يوم 7 أكتوبر، استطاع الجيش المصري العبور من خلال معبر الشهيد أحمد حمدى: "لم نكن نعتمد على المياه فقط للعبور، فرغم استخدام المياه لفتح ثغرات فى الساتر الترابى، إلا أن الميل كان شديداً، وكان يوجد خطورة على المدرعات والدبابات فى العبور، فكنا نعتمد أيضًا على التفجير بجانب المياه".

واستكمل: "وفى الليلة ذاتها، تمكن البطل من آسر دبابة، وكان معنا طلقة تسمى "سابو" قطرها 23 مم تقريبًا، والتي تقوم بإحداث فتحة بسيطة فى جسم الدبابة، ولا تقوم بتفجيرها ولكن كان تأثيرها على الطقم الموجود داخل الدبابة، وفي نفس الوقت تقوم بتفريغ الهواء الموجود داخل الدبابة، لذا استخدمناها لإصابة الهدف".

تحدث عن يوم إصابته التي رافقته حتى وقتنا هذا، قائلًا: "في يوم 17 أكتوبر، سقطت دانة مدفع على يساري فأصيب الجزء الأيسر منى بشظايا الدانة منهم 4 شظايا فى الرئة، وشظايا أسفل الظهر، كان مجموع الشظايا التى أصبت بها 13 شظية، وكانت الدانة رد فعل من دبابات العدو بعد أن أطلق الرامى الطلقة الثانية، وفقدت الوعي على الفور ساقطًا داخل الدبابة، وكان الدم ينزف مني في كل مكان".

وصلت فرق الإخلاء، ونقلته إلى المستشفى بالسويس، وهناك سمع الطبيب يخبرهم بضرورة نقله إلى مستشفى القوات المسلحة بالمعادى: "كنت غير مستوعب تماما لما يدور حولي إلى أن تم نقلى إلى مستشفى القوات المسلحة بالمعادى، كنت فاقد الوعى وعندما عاد إلى الوعى اعتقدت إنى داخل إسرائيل وليس مصر".

منذ ذلك الوقت، قضى "وجدي" حياته بأكملها داخل المستشفى، وسافر للخارج 3 مرات للعلاج مرة إلى إنجلترا ثم إلى فرنسا، ووجهته الأخيرة كانت أمريكا، فأصبحت حياته بعد الإصابة داخل المستشفى، يعاني دائمًا من نزيف مستمر، ويخرج يوم السبت فقط إذ كانت حالته تسمح بذلك لمقابلة الأصدقاء القدامى، وتقضية بعض الوقت معهم طوال اليوم، ثم العودة إلى المستشفى مرة أخرى.