رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القمص أثناسيوس يطلق دراسة حول «لاهُوت النَّفْي»

القمص اثناسيوس فهمي
القمص اثناسيوس فهمي جورج

أطلق القمص أثناسيوس فهمي جورج، مدير مدرسة تيرانسي للعلوم اللاهوتية بالاسكندرية، دراسة حول "لاَهُوتُ النَّفْيِ".

وقال: "أطلق علماء اللاهوت المستيكي على المعرفة اللاهوتية (لاهوت النفي) إذ يصعب التعبير عنها بواسطة الألفاظ، على اعتبار أنها معرفة عالية على الأفهام، وتمثل سعيًا روحانيًا يخوض في غمار "الحياة السلبية"؛ لأن الإلهيات في كثير من الأحيان لا يمكن التعرف عليها إلا عن طريق السلبيات التي يعبر عنها البعض بأنها "غَمامة عدم المعرفة"؛ حيث يشرق الله بنفسه ليستعلن نفسه بنفسه خلال إشراقات أمجاده السمائية، وبفيض نوره الإلهي، وسحابة مركبته الملوكية.

وأضاف: "وتلك النفحات الروحانية النسكية، التي لا يمكن تحديد مداها أو الإلمام بها إلمامًا محسوبًا ومدركًا، وبفيض نوراني إلهي من القداسة الحقة والنعمة الفيّاضة التي لا يمكن صياغتها في ألفاظ، وهنا يجدر بنا أن نتبين الفوارق القائمة بين الجوهر والعَرَض السطحي، فجوهر الحق قائم بذاته في استمرارية، أما العَرَض فهو ما يتصل بالسطحيات ذات البريق المفتعل، وحداثتها وقابليتها للفناء والزوال. 

وتابع: "يتصف الجوهر بالوحدانية والتماسك والبقاء، على العكس من الأعراض المتشعبة والعناصر المتنافرة، وعلى أيَّة حال ؛ فهذه كلها تتجمع في غير تنافر، وتتحد في انسجام رائع في بؤرة الجوهر الإلهي، والذﻱ يعبر عنه بمفهومات واصطلاحات تصف الأمور السرمدية غير المدركة، لتقودنا إلى فهم ما لا تره عينٌ ولم تسمع به أذنٌ، من كنوز وأسرار لم يسبق لها أن خطرت على قلب بشر، لكننا نقترب منها لنتعرف على حقائقها بالسعي المستيكي والتأمل الروحي والقراءات الإنجيلية المعاشة، وغذاء النفس الخاشعة بسجود العقل التي تصف السمائيات.

وأكمل: "لا عن طريق مناظرات وسَفْسَطات كلامية، بل عن طريق روح الحكمة والإعلان، ما أسماه القديس كيرلس الكبير (السعي الدائم وراء المعارف الإلهية) في صدق كامل وأمانة حقة، حينئذٍ كما يقول القديس: (سيشرق شمس البر على الأبرار ؛ ونعمة الروح القدس ستشملهم جميعًا، ونور الحق سينير لهم السبيل). وهذا هو شعاع المعرفة الروحية السامية السماوية غير المائتة، التي تكشف الأسرار الثمينة، وتتحد بالنفس الصافية بالله؛ لتسبح لحن اللاهوت الخالد بروعة سماوية باهرة، وبفرحة الطيب الغامر، التي يتردد صداها على جدران القلب العطشان للمراحم وللمعرفة؛ فيشبع العقل والقلب، بلغة جديدة.

واردف: “عندما تصطبغ التقوى وتتلازم بالتأمل في الأسرار الإلهية ؛ ينفتح إلهام الرؤية الروحية، ويصير معينه لا ينضب، بنعم الومضة والسكينه الإلهية، وشركة الثالوث المقدمة لنا بالوسائط التي نفهمها، وبهذه الوسائط نستطيع أن نقبل الكثير من أوجُه السر؛ حتى ولو لم نستطع أن ندرك أو نَسْبِر عمق جوهره”.

واستطرد: “يرتكز لاهوت النفي على التشبيهات المأخوذة من العالم الحِسّي، لتكشف لنا الأسرار الإلهية ، فيتسامَى المحسوس وينقلنا إلى الروحي الفائق للطبيعة؛ الذﻱ هو الحكمة اللاهوتية الكاملة؛ والتي هي ثمرة مواهب الروح القدس، والتي بموجبها نتحد بالثالوث في صلاة القديسين عبر دفقات إلهية تقودنا لا إلى عقائد جامدة، بل إلى قانون حياة يتحول إلى سلوك حي بالمحبة المسيحية الحقيقية”. 

واختتم: "يُعتبر القديس غريغوريوس اللاهوتي أشهر الآباء الذين نحتوا هذه التعبيرات اللاهوتية فيما يسمَى بـ(لاهوت النفي) عندما وصف الصفات الإلهية عن طريق نفي أضدادها  (غير المبتديء- غير الموصوف- غير المتغير- غير المخلوق)، وهذا يرجع إلى أن لاهوت الإيجاب؛ أﻱ وصف الصفات الإلهية بالألفاظ التي نستخدمها يجعلها مجرد تشبيهات ورموز، لأن الألفاظ هي نسبية (المحب، القادر على كل شيء، الرحوم)، وتجعلنا نفهم صفات الله، كما نفهم صفات البشر، وفي هذا قصور، مما حدا بالقديس النزينزﻱ إلى استخدام (لاهوت النفي) للتعبير عن الأسرار غير المفحوصة التي لا يمكن استعلانها إلا بنعمة التأمل؛ وسجود العقل والقلب  لنستجيب لنعمة عطية  الفهم التي من فوق، لأنها لاتصنع بل تكتشف بتصديق الخبر واستعلان ذراع الرب، في صعود المصاعد السرية لإدراك ما لا يدرك.