رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تجفيف منابع تمويل الإرهاب

القطاع الخاص ورجال الأعمال فى أى دولة هما عمود التنمية الحقيقية، ووقود الدفع الرئيسية لرفع معدل النمو، وتوفير فرص العمل، لكن حين يتحول رجل الأعمال سواء كان اسمه «صفوان ثابت أو حسن مالك أو سيد السويركى أو خيرت الشاطر» إلى محفظة مالية، لدعم وتمويل تنظيم الإخوان الإرهابى المدرج على قائمة الإرهاب المصرية فى سبتمبر ٢٠١٣، فهذا يعنى أننا لا نتعامل مع رجل أعمال، بل مع متهم متورط بشكل أو بآخر فى تمويل أنشطة إرهابية.

ووفقًا لوحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وهى وحدة مستقلة ذات طابع خاص تتبع البنك المركزى المصرى، وأنشئت عام ٢٠٠٢، فإن المقصود بـ«تمويل الإرهاب» هو كل جمع أو تلقٍ أو حيازة أو إمداد أو نقل أو توفير أموال أو أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات أو مهمات أو آلات أو بيانات أو معلومات أو مواد أو غيرها، بشكل مباشر أو غير مباشر، بقصد استخدامها فى ارتكاب أى جريمة إرهابية.

الأمم المتحدة فى تعريفها لتمويل الإرهاب، قالت إن الجماعات الإرهابية بحاجة إلى المال لإعالة نفسها، وتنفيذ الأعمال الإرهابية، ويمكن أن تأتى هذه الأموال من مصادر مشروعة كأرباح الشركات والمؤسسات الخيرية، ويمكن أيضًا أن يأتى التمويل من الأنشطة غير القانونية، مثل الاتجار بالأسلحة أو المخدرات أو الأشخاص أو الاختطاف للحصول على فدية.

الضربة التى وجهتها وزارة الداخلية من خلال قطاع الأمن الوطنى، لتنظيم الإخوان الإرهابى الخميس الماضى ٣٠ سبتمبر- والتى أعلنت فيها عن تمكنها من إجهاض مخطط جديد يهدف لإحياء نشاط التنظيم عبر توفير مصادر تمويل للأنشطة الإرهابية- كانت ضربة كاشفة، وتعطينا جرس إنذار عن أن التنظيم سيسعى بكل الطرق لإعادة نشاطه فى الداخل.

بيان وزارة الداخلية أشار إلى قيام الإخوانى «يحيى مهران» وهو إحدى الأذرع الرئيسية للقيادى الإخوانى المحبوس صفوان ثابت، حيث كلفه ثابت باستغلال شركاته فى عمليات نقل وإخفاء أموال التنظيم، واستثمار عوائدها لصالح أنشطته الإرهابية فى محاولة للتحايل والالتفاف على إجراءات التحفظ القانونية المتخذة ضد الكيانات الاقتصادية المملوكة للتنظيم.

٨ ملايين و٤٠٠ ألف دولار بالإضافة إلى عملات أخرى، ما يتخطى بالعملة المصرية ١٣١ مليون جنيه، هى قيمة ما تم ضبطه فى مخبأ ذراع صفوان ثابت فى إحدى الشقق السكنية فى الجيزة بجانب كمية من الذخائر.

النيابة العامة والسلطات القضائية بالتأكيد تحقق حاليًا فى هذه القضية، لكن تخيل معى كيف يمكن توظيف هذا المبلغ «الكاش»، سواء فى دعم الأسر الإخوانية وعناصر التنظيم الخاملة، ودعونا نتذكر العمليات الإرهابية التى وقعت فى السنوات الماضية وكانت تقوم عليها اللجان النوعية للتنظيم سواء كانت عمليات تفجير أو اغتيالات، لم تكن لتحدث دون وجود محافظ مالية وتمويل ضخم، كان يأتى من الداخل أو يهرب من الخارج، لذا كان التحدى الأكبر أمام المؤسسات الأمنية المصرية خاصة قطاع الأمن الوطنى هو كيفية تجفيف منابع هذا التمويل.

مجابهة الإرهاب فى مصر لم تقتصر خلال السنوات الـ٨ الماضية على المواجهات الأمنية فقط، ولا على المواجهة الفكرية لدحض وتعرية أفكار التطرف، بل كانت المواجهة الأهم التى خاضتها المؤسسات الأمنية والمالية فى مصر هى تجفيف «منابع تمويل الإرهاب»، على كل المستويات، فدون الأموال سيعجز أى تنظيم إرهابى على شراء الأسلحة أو تدريب عناصره وإعاشتهم وتوفير ملاذات آمنة لهم، وتوفير أى دعم لوجستى على مستويات عدة كعمليات التجنيد والإمداد، وهذه استراتيجية تتبعها كل الدول، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية فى مواجهاتها مع تنظيمات كداعش والقاعدة، أو فى تعاطيها مع تنظيمات أخرى كحماس وحزب الله.

وفى مساعى الدولة المصرية لتجفيف مصادر تمويل تنظيم الإخوان فى الداخل، شرعت فى ٢٠١٤ فى إنشاء لجنة مستقلة ذات طبيعة قضائية لحصر والتحفظ وإدارة أموال وممتلكات الجماعة، وحققت اللجنة بالفعل خطوات كبيرة على مستوى التحفظ على مؤسسات اقتصادية واجتماعية تابعة لعناصر تنظيم الإخوان، منها سلاسل مدارس ومستشفيات وجمعيات خيرية وشركات صرافة وشركات تجارية متخصصة فى قطاعات التوزيع والتجزئة، بجانب تجميد ومصادرة- وهو الأهم- الأرصدة المالية لقيادات التنظيم وأى شخصية لها ارتباطات مالية، وتسهم بشكل أو بآخر فى إدارة وغسل أموال التنظيم.

منذ تجميد أموال «صفوان ثابت» فى أغسطس ٢٠١٥ ثم وضعه على قائمة الإرهاب فى ٢٠١٧ لثلاث سنوات، ثم القبض عليه فى ديسمبر ٢٠٢٠، وكثير من القصص والروايات الكاذبة يتم تسويقها بشكل واسع، لتصدير صورة أن الإدارة السياسية تحارب رجال الأعمال، وأنها تسعى للضغط على صفوان ثابت لتقديم تبرعات لصندوق «تحيا مصر»، ثم الجديد ادّعاء أن الضغط عليه بهدف التنازل عن حصته فى شركة «جهينة»، وهذه الادعاءات أسهمت فى ترويجها أسرة ثابت بجانب مسئولة العلاقات الخارجية فى شركته، سواء فى تصريحاتها لرويترز وبلومبرج وحتى لمنظمة العفو الدولية، فى محاولة لرسم صورة زائفة وتزييف حقيقة أن صفوان ثابت متورط بالفعل فى دعم وتمويل تنظيم إرهابى.

ونفس هذه الروايات والادعاءات تم تسويقها مع إدراج لاعب شهير على قوائم الإرهاب، أثبتت التحقيقات أنه جعل من شركته الخاصة بالسياحة ملاذًا لاستثمارات بعض الشخصيات الإخوانية.

لا هوادة فى مكافحة الإرهاب، فلن ننسى سنوات الإرهاب الأسود الذى أودى بحياة المئات من أبناء مصر من الشرطة والجيش والقضاة والمدنيين بعد إسقاط حكم الإخوان بثورة شعبية، وكبدتنا أكثر من ٣٠٠ مليار جنيه خسائر اقتصادية.

ورغم نجاحنا فى دحر الإرهاب وكسر شوكته ومطاردة عناصره وكشف مموليه فى الداخل والخارج، فإن المعركة لم تنتهِ بعد، وستظل مصر هدفًا لهذه التنظيمات المتطرفة، ويقينى أن المؤسسات المصرية فى حالة يقظة دائمة، ومدركة أن خطر عودة الأنشطة الإرهابية للإخوان وحلفائها ومموليها ما زال وسيظل قائمًا.