رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسئلة القراءة فى العالم العربى

فى روايته الشهيرة «بعد النهاية» التى صدرت فى مصر مؤخرًا بترجمة للدكتور يحيى مختار، يدعم الأديب الصينى تشو داشين الأحداث بالعديد من الحقائق والأرقام والوقائع التاريخية والمعلومات والإحصائيات الاقتصادية، ما يضفى على الأحداث صبغة أقرب للحياة الواقعية بمستوياتها كافة، سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا، على أن أكثر ما استوقفنى فى هذه المعلومات هو حديث أستاذ الجامعة لصديقه حاكم المقاطعة عن ضرورة زيادة الاهتمام بالقراءة، وطباعة الكتب، والمقارنة بين متوسط عدد الكتب التى يقرأها المواطن الصينى فى السنة مقابل مثيله فى كوريا واليابان وأوروبا وأمريكا وبقية دول العالم.

كان أستاذ الجامعة يتحدث عن أهمية القراءة، والكتاب، باعتبارهما مؤشرًا على النمو العقلى للمواطن، والطريق الأكثر فاعلية لرفع مستوى ذكاء الفرد، ويقول له إذا كانت الدولة تريد التقدم بين دول العالم فعليها العمل على رفع مستوى ذكاء المواطن، وهذا لن يتأتى بغير رفع حصته من الكتب والقراءة، ثم يسرد عليه بعض الإحصائيات والأرقام العالمية الحقيقية بشأن معدلات القراءة فى بعض الدول ويقارنها بالمعدلات الصينية.

والحقيقة أننى عندما وصلت إلى هذه الجزئية من الرواية وجدت ابتسامة مريرة ترتسم على شفتى، فقد كانت مأساة القراءة فى العالم العربى تتجسد أمام عينى واضحة لا لبس فيها.

تقول الإحصائيات الدولية المعلنة إن متوسط الكتب التى يقرأها المواطن الصينى فى السنة يصل إلى ٨ كتب، منها ثلاثة كتب إلكترونية، يرتفع العدد إلى ١١ كتابًا لمثيله الأمريكى، ثم يصل إلى ٣٥ كتابًا للفرد فى دول الاتحاد الأوروبى، ترتفع إلى ٤٠ كتابًا للفرد الإسرائيلى، أما فى العالم العربى فلا أظن أن أحدًا يريد أن يعرف الحقيقة المفزعة، فرغم اختلاف مصادر الإحصائيات، وغياب المعلومات الدقيقة إلا أن معدلاتنا لم تصل بحال من الأحوال إلى أى أرقام يمكن البناء عليها أو التفاؤل بها.

أحدث هذه الإحصائيات قالت إن كل ٨٠ عربيًا يقرأون كتابًا واحدًا فى السنة، وقالت أخرى إن المواطن العربى يقرأ ربع صفحة سنويًا، أما أكثرها تفاؤلًا فرفعت العدد إلى ٦ صفحات فى العام. 

كم علامة تعجب واستفهام يجب وضعها هنا؟.. الحقيقة أننى لا أجد مبررًا لها على أى حال، خصوصًا إذا عرفت أن بيانات الكتب الأكثر مبيعًا بحسب معرض القاهرة الدولى للكتاب، وبعض المعارض العربية، على سبيل المثال تتصدرها الكتب الدينية، تليها الكتب التعليمية ثم كتب الطبخ والأبراج.

هنا لا بد لدوامة من الأسئلة أن تطرح نفسها على مائدة البحث والدراسة والتنقيب، فكم عدد الكتب التى تنتجها المطابع العربية سنويًا؟ ما عدد النسخ الأنسب لطباعة الكتاب الواحد؟ وما النوعية التى تنتجها؟ كيف تدعم الحكومات صناعة الكتاب؟ وما السبيل الأمثل للنهوض بحرفة النشر، وتيسير الكتاب للقارئ الذى يصارع من أجل الحياة على حد الكفاف فى ظل ارتفاع معدلات الفقر فى الكثير من الدول العربية؟ لماذا تراجع مشروع كبير مثل «مكتبة الأسرة»، الذى كانت تدعمه جميع وزارات وهيئات الحكومة المصرية، وكانت كتبه تنفد فور صدورها؟ لماذا لا تستلهم دور النشر واتحادات الناشرين العربية تلك التجربة المصرية الرائدة وتفكر فى إعادة إنتاجها، ودعمها وتعميمها على مستوى الدول العربية؟ متى تختفى ظاهرة «الناشر تاجر الورق»، الذى لا يعرف شيئًا عن محتوى الكتاب الذى ينشره، ولا يهمه سوى تحقيق أكبر ربح ممكن من بيعه؟ هل ينبغى أن تتدخل الحكومات لتوجيه سوق الكتاب ومحتواه أو نوعيته وآليات تسعيره والكميات التى يتم طبعها؟ وما حدود ذلك التدخل الذى يمكن القبول به؟

الأزمة كبيرة، والفقر لا يبرر الجهل أو التكاسل فى البحث عن المعرفة، والمعرفة لن تأتى بغير القراءة والبحث والدراسة، ولن نتقدم أو نحجز لأقدامنا مكانًا بين دول العالم بغير القراءة.. وبغير الكتاب.