رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أن نثق بما نراه.. كيف غيرت الفوتوغرافيا حياتنا.. نساء الظل 2

ديان أربوس (Diane Arbus, 1923 -1971) مصورة أمريكية اشتهرت بصورها الحميمة بالأبيض والأسود.. غالبًا ما صورت أشخاصًا على هامش المجتمع، مثل المرضى عقليًا والمتحولين جنسياً وفناني السيرك.. تدور معظم مشروعاتها الفوتوغرافية حول مفهوم الهوية.. في مشروعها التوائم المتطابقة Identical Twins (1967) اهتمت بالتشابه الجسدي في مقابل الاختلافات غير الملحوظة بين الأخوات التوأم.. ترى أن: "الفوتوغرافيا سر يتعلق بسر، كلما ظننت أنها تكشف لك، اكتشفت أن ما تعرفه أقل".

مجموعة التوأم

 

مجموعة التوأم

مجموعة التوأم- ديان أربوس

نشأت ديان في أسرة ثرية مما مكنها من متابعة اهتماماتها الفنية منذ صغرها، وتأثرت بصور ماثيو برادي وبول ستراند ويوجين أتجيت أثناء زيارة معرض ألفريد ستيغليتز مع زوجها آلان أربوس في عام 1941.. خلال منتصف الأربعينيات من القرن الماضي بدأ الزوجان مشروعًا تجاريًا للتصوير الفوتوغرافي، وشاركا في نشر صورهما في مجلات Vogue و Harper’s Bazaar، لكن ديان كانت غير راضية، لقد أرادت تحقيق مفاهيم سامية وأفكار حالمة، لكنها أمضت أيامها في التعامل مع العارضات، وتثبيت ملابسهن في مكانها، وهو دور اعترفت بأنه «مهين»، بالإضافة إلى ذلك بدأت تسأل نفسها: ما الذي يمكن أن تتعلمه من خلال تصوير شخص بملابس مستعارة في أوضاع تمثيلية، وتصديرها كصورة بشرية حقيقية ومثالية لتحقق رغبات بعض المخرجين الاستهلاكيين وتمل أخيال المشاهدين بصور مزيفة؟

أغلفة مجلات 
أغلفة مجلات - ديان أربوس وزوجها

أغلفة مجلات- ديان أربوس وزوجها

لقد أرادت العمل بطريقة أكثر حميمية وأقل تمثيلا، وفي ربيع  الخمسينيات من القرن الماضي، بعد يوم عمل قضته ديان في تصوير فتيات صغيرات لمجموعة «فوغ»، تراجعت وأعلنت اعتزالها تصوير الاستديو: "لا يمكنني فعل ذلك بعد الآن لقد انتهيت من تصوير الاستوديو، أنا بحاجة إلى الخروج إلى العالم"، بدأت ديان في التجول في شوارع نيويورك بكاميراها لتوثيق المدينة، عُرضت هذه الصور لاحقًا جنبًا إلى جنب مع صور غاري وينوجراند ولي فريدلاندر في معرض متحف الفن الحديث "وثائق جديدة" (1967).

مجموعة من صور الشارع 
مجموعة من صور الشارع – دايان أربوس

مجموعة من صور الشارع- ديان أربوس

بحلول أواخر الستينيات من القرن الماضي، أصبحت ديان مشهورة بصورها المدهشة بالأبيض والأسود التي غالبًا ما تكون مفاجئة للغرباء، بدءًا من مرتدي الملابس المتقاطعة إلى فناني الأداء و السيرك.. لقد أعطت بُعدًا إنسانيًا للأفراد البسطاء الذين يعيشون على الهامش، في حين أن صورها للعائلات الأمريكية والأطفال والشخصيات الاجتماعية كانت ذات طابع مظلم لا يمكن إنكاره، لقد قلبت التوازن الاجتماعي، كما لو أن البلد بأكمله معروض ويُرى من خلال فاترينة زجاجية. 

الحياة الأمريكية - ديان أربوس

الحياة الأمريكية- ديان أربوس

بعد معاناتها من نوبات الاكتئاب طوال حياتها، انتحرت أربوس في 26 يوليو 1971 عن عمر يناهز 48 عامًا.. بوفاتها المفاجئة في عام 1971، أصبحت واحدة من أشهر المصورين الأمريكيين في التاريخ، وواحدة من أكثر المصورين إثارة للجدل.. حفظت أعمالها في مجموعات متحف متروبوليتان للفنون في نيويورك، والمعرض الوطني للفنون في واشنطن العاصمة، ومتحف مقاطعة لوس أنجلوس للفنون.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

يدور موضوع صور المصورة غيرترود كاسبير (Gertrude Käsebier -1852–1934) حول: "لماذا لا تستخدم الكاميرا كوسيلة لتفسير الفن كما يفهمه الرسامون والنحاتون وتنال نفس التقدير الذي يقدم للوحات؟".. في أواخر القرن التاسع عشر، كرست أعمالها للتصوير الفني وركزت على موضوعات مثل الأمومة وتصوير السكان الأصليين، جمعت Käsebier بين التأثيرات في المعمل والتكوينات القوية والألوان الدقيقة.

تعد ثاني عضو في مجموعة Photo-Secession لفناني التصوير، التي أسسها ألفريد ستيغليتز عام 1902 ، ونشرت صورها في مجلتهم المؤثرة Camera Work، تتفاخر كاسبير بكونها امرأة تكسب أموالها بنفسها في وقت كانت النساء تابعة للرجال، وقد حثت النساء عامة للسير على خطاها. 

 

مجموعة غيرترود كاسبير
مجموعة غيرترود كاسبير
مجموعة غيرترود كاسبير

مجموعة غيرترود كاسبير

"اغمر نفسك بموضوعك وستأخذ الكاميرا بيدك"- مارجريت بورك وايت

كانت مارجريت بورك وايت (14 يونيو 1904-27 أغسطس 1971) مصورة صحفية رائدة، اشتهرت بأنها أول مصورة أجنبية سُمح لها بالتقاط صور للصناعة السوفيتية، وأول مصورة حربية أمريكية، وأول مصورة لمجلة هنري لوس لايف، حيث صورتها ظهرت على الغلاف الأول.

رسخت سمعتها كمصورة بارعة بصورها لروسيا في الثلاثينيات، والصناعة الألمانية، وتأثير الكساد في الغرب الأمريكي، والتقطت بعض الصور الأولى داخل معسكرات الاعتقال الألمانية في إرلا وبوخنفالد بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، والتقطت آخر صور للمهاتما غاندي في الهند.

مجموعة صور مارجريت بورك وايت
مجموعة صور مارجريت بورك وايت
مجموعة صور مارجريت بورك وايت

مجموعة صور مارجريت بورك وايت

التحقت بورك وايت بجامعة كولومبيا عام 1921 لدراسة علم الزواحف، وفي العام التالي التحقت بدورة التصوير الفوتوغرافي التي قام بتدريسها كلارنس وايت في مدرسة كلارنس إتش، وهو ما غير مسيرتها على الرغم من أنها واصلت دراسة علم الحيوان في جامعة ميتشيغان، إلا أنها لم تغادر الغرفة المظلمة منذ ذلك الحين.. في عام 1927 تخرجت فى جامعة كورنيل بدرجة علمية في علم الأحياء، لكنها قضت معظم وقتها في العمل كمصورة فوتوغرافية محترفة.

مجموعة صور مارجريت بورك وايت

مجموعة صور مارجريت بورك وايت

افتتحت بورك وايت أول استوديو لها في شقتها في أوهايو.. من خلال صور الهندسة المعمارية والصناعة، لفتت أنظار هنري لوس، مؤسس مجلات Time and Fortune، الذي دعاها في عام 1929 لتصبح أول مصورة لفريق Fortune، ثم عادت إلى نيويورك، وفي عام 1930، أنشأت ستوديو للتصوير الفوتوغرافي في مبنى كرايسلر، عندما أطلقت Luce مجلة Life في عام 1936 انضمت Bourke-White إلى طاقم العمل، وظهرت صورتها Fort Peck Dam، مونتانا على الغلاف الأول.

كانت فرانسيس بنجامين جونستون (1864- 1952-Frances Benjamin Johnston) واحدة من أوائل المصورات الصحفيات الأمريكيات.. نشأت في عائلة ثرية وذات علاقات جيدة مما أتاح لها وصولا غير مسبوق إلى الشخصيات البارزة، فصورت الرئيس وعائلته والمشاهير في ذلك الوقت، بمن في ذلك سوزان ب. أنتوني، ومارك توين، وبوكر تي واشنطن.

ميكنلي 

آخر صور الرئيس الأمريكي «ماكينلى»- فرانسيس بنجامين جونستون

كانت جونستون من المدافعين دائمًا عن دور المرأة في فن التصوير الفوتوغرافي الجديد، حيث كتبت مقالا بعنوان: "ما يمكن أن تفعله المرأة بالكاميرا" لمجلة Ladies 'Home Journal في عام 1897، وشاركت في تنظيم معرض للمصورات في معرض 1900 Exposition Universelle.

 

بورترية من تصوير فرانسيس بنجامين جونسون

بورتريه من تصوير فرانسيس بنجامين جونستون

عندما اشترى جون مالوف، وهو وكيل عقارات ومؤرخ هاوي، صندوقًا من الصور الفوتوغرافية في مزاد في إحدى ضواحي شيكاغو عام 2007، وجد صورا توثق حياة الشارع باسم فيفيان ماير (vivianmaier-1926 2009) وسرعان ما أدرك أنه عثر على أحد مصوري الشارع العظماء المجهولين، لم يستطع العثور على أي سجل لفيفيان ماير، الاسم مكتوب على قصاصات الورق التي وجدها بين السلبيات والمطبوعات ولفائف الفيلم غير المعالجة. 

قام بتعقب بقية الصناديق، وجمع مجموعة من مئات الآلاف من الصور التي صورت في نيويورك وشيكاغو وفرنسا وأمريكا الجنوبية وآسيا بين الخمسينيات والسبعينيات.. بعد عامين من شرائه الصندوق الأول، بحث في Google عن الاسم مرة أخرى، ولدهشته، وجد نعيًا يعلن وفاة فيفيان ماير قبل أيام قليلة فقط.. ماير عملت كمربية في إحدى ضواحي شيكاغو.

في المقابلات التي أجريت في فيلم "Finding Vivian Maier"، وهو فيلم وثائقي حول اكتشاف مالوف الذي أخرجه مع Charlie Siskel، فإن المتعاملين مع فيفيان يتذكرونها كامرأة متناقضة، صارمة لكنها مرحة، فضولية لكنها تقدس الخصوصية، يمكن أن تعتبر منعزلة إلى درجة الوحدة، إلا أنهم يتذكرون عددًا لا يحصى من الرحلات اليومية إلى شوارع شيكاغو ، والتقاطها لصور كثيرة ولحظات عابرة وتحويلها لشيء غير عادي.

"لماذا تلتقط مربية كل هذه الصور؟" يسأل مالوف في  فيلم "العثور على فيفيان ماير"، معربا عن حيرته: لماذا تحجب مصورة ذات تفانٍ ورؤية إبداعية ومهارة أسطورية عملها عن العالم وتختار بدلاً من ذلك قضاء حياتها في تربية أطفال آخرين؟

بالنسبة لمعجبيها وللأشخاص الذين عرفوها عندما كانت على قيد الحياة، فإن قصة ماير مثيرة للغاية بسبب انحرافها عن الروايات المألوفة حول الطموح الفني، ولا يمكنهم أن يفهموا سبب عدم تركها مهنتها كمربية والسعي وراء شغفها، بالنسبة لماير يبدو أن حياة المربية سمحت لها بالتواجد مع الناس دون أن تكون منهم. 

جاهدت لحجب هويتها، لم تتحدث أبدًا عن رغبتها في كسب العيش كمصورة.. في شيكاغو، حيث عاشت لعقود من الزمن، رفضت إعطاء ستديوهات الأفلام اسمها الحقيقي، وبدلاً من ذلك وزعت أسماء مزيفة في جميع أنحاء المدينة.. طالبت بأقفال منفصلة لغرفها في منازل أصحاب عملها، ومنعت أي شخص من دخول مساحتها الخاصة، ربما تكون المربية هي الشخص المثالي لتصوير العالم دون أن يلاحظه أحد.. ربما كان الشيء ذاته الذي جعل الناس يوظفونها كمربية أطفال هو "يقظتها للمآسي الإنسانية ولحظات الحميمية والعذوبة".