رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حديث الإصلاح فى مصر

 

القضية الأهم فى أى مجتمع صحى هى قضية «الإصلاح الشامل»، والإصلاح هنا معنىٌ به تبنى أفكار واستراتيجيات وترجمتها عمليًا على الأرض بغية تغيير حياة الناس نحو الأفضل، وهو يوازى فكرة التقدم، وغير مرتبط بأزمنة بعينها، ولا تقوم عليه المجتمعات لمرة واحدة، بل عملية مستدامة ومستمرة.

أحاديث الإصلاح فى مصر كثيرة ومتشعبة، وكلها تقر بأن ما تشهده مصر ليس إصلاحًا شكليًا وصوريًا بل هو إصلاح جذرى وعميق لكل الملفات والقضايا التى تمس حياتنا كمصريين وظلت لعقود بعيدة عن تدخلات الحكومات والأنظمة السياسية المتعاقبة، لدرجة أننا وقت استفاقتنا وشروعنا فى التغيير شعرنا جميعًا بالذهول من حجم التحديات والأزمات التى كنا نعيش فيها، وتساءلنا: كيف قَبِلنا بأن نترك هذا الواقع المرير دون تغيير؟!.

الرئيس عبدالفتاح السيسى هو من يقود عملية الإصلاح الجذرية فى مصر، وهو بلا شك قائد إصلاحى، أثبتت السنوات الماضية أن لديه أفكارًا تقدمية مبهرة لنهضة مصر ووضعها على الطريق الصحيح فى سلم التنمية المستدامة.. وإيمانه الحقيقى بالإصلاح كان دافعه الدائم لاقتحام الملفات والأزمات التى كانت فى الماضى من «التابوهات» التى يخشى أى حاكم مصرى الاقتراب منها، لكن السيسى كان يعلم أن تجاهل التعامل وعدم الانخراط بكل شفافية وحزم لإزالة هذه التحديات سيكونان فاتورته كبيرة على مصر وشعبها مستقبلًا. لم تكن مسيرة الإصلاح فى مصر، والتى بدأت فى ٢٠١٤، سهلة، بل واجهتها معوقات ضخمة وتحديات ومخاطر إقليمية ودولية، وحروب إعلامية سوداء من تنظيمات وجماعات معادية لمصالح المصريين، سعت طوال الوقت إلى التشكيك فى رؤى الإدارة السياسية وفى قدرتها على جعل ما تقدمه من خطط وأهداف واقعًا ينفذ على الأرض. ولا ننكر أنه كانت هناك مقاومة داخلية لثورة الإصلاح الشامل، لكن الشفافية والوضوح الكامل اللذين كانا ولا يزالا يتحدث بهما الرئيس السيسى مع الشعب كانا عاملين حاسمين فى تغيير اتجاهات قطاعات كبيرة من الرأى العام لتقتنع بحتمية الإصلاح وتحمل تداعياته على حياتها المعيشية، وهو ما عجز الرئيسان الراحلان السادات ومبارك عن فعله، واضطرا وقتها أن يقدما شعبيتهما على حساب مصالح المصريين الحقيقية، وتركا لنا أزمات وكوارث اقتصادية ومجتمعية دفعنا الكثير من الجهد والعرق والمال لمواجهتها.

لا تقتصر عملية التحديث والإصلاح فى مصر على ملف واحد، فكل الملفات تم اقتحامها والتعامل معها، سواء بشكل كامل أو جزئى، بدءًا من إصلاح الاقتصاد للبنى التحتية والإسكان والزراعة، لملف التعليم والصحة والبحث العلمى والتصنيع وقطاع الاتصالات والتكنولوجيا والقدرات العسكرية، وملف الخدمات، والإعلام والثقافة والإبداع، وملف الإصلاح الإدارى والتشريعى والقانونى، وحتى إصلاح الملف السياسى، وصولًا لملف إصلاح الخطاب الدينى وتنقية التراث من القصص والتفسيرات التى تُناقض القرآن والسنة وتُنافى الفطرة الإنسانية.. ولا نقول هنا إن قطار الإصلاح توقف لمجمل هذه الملفات، فهو كما ذكرنا فى الأعلى عملية مستمرة ومستدامة.

رغم وضوح عملية الإصلاح والتحديث والتنمية الشاملة والتى تتم وفقًا لرؤية «مصر ٢٠٣٠»، فإننا ما زلنا فى حاجة لتسويقها بشكل أوسع وخلق فلسفة ورؤى واضحة تكون جزءًا رئيسيًا من حديث المصريين اليومى فى كل ربوع مصر عن شكل مستقبلهم الجارى بناؤه، فهذه ليست مهمة ومسئولية الإدارة السياسية بمفردها، بل تشمل أيضًا مسئولية الأحزاب السياسية والنقابات والمجتمع المدنى والصحافة والإعلام، فالرئيس حين يفتح بجرأة ملفًا بعينه يحتاج لإصلاح وحلول، فهو يلقى الكرة فى ملعب كل القوى المجتمعية لتتناقش حوله، ويعقدوا الاجتماعات والمؤتمرات والندوات، ويتحدثوا فى الصحافة والإعلام، ويقدموا الأطروحات والبدائل والرؤى والأبحاث لكيفية التعاطى مع القضية المثارة، لا أن يقتصر التفاعل من بعضهم على مجرد الإشادة فقط، والتنظير السطحى والتملق بهدف تحقيق أهداف شخصية، فهذا سيجعل الرئيس فى النهاية يقود قطار الإصلاح والتحديث لمصر الجديدة دون وجود قوى مجتمعية وتنفيذية حقيقية مساندة له ولمشروعه الإصلاحى وتملك نفس الحماس وإرادة التغيير التى يتميز بها، وعليه فإن الفجوة الموجودة بين خطاب الرئيس والكتل الحرجة فى المجتمع يجب أن يتم ملؤها بجسور للتواصل وبفعاليات وحراك اجتماعى واسع يثرى الحياة العامة فى مصر.

حين تحدث الرئيس فى مداخلته الهاتفية مع «صدى البلد» عن دعمه الإبداع والثقافة والفنون، ودعمه تحديدًا كل الأعمال الدرامية والفنية التى تعالج أزمة تجديد الخطاب الدينى، هو بشكل مباشر يعطى إشارات ورسائل لأدباء ومثقفى مصر، ولكل شركات الإنتاج والمؤسسات القائمة على إنتاج المحتوى الصحفى والإعلامى والثقافى، بأن المجال العام مفتوح أمامهم لتقديم أعمال متنوعة تعالج قضايا المجتمع بكل حرية دون خوف من قضايا حسبة أو ازدراء أديان، وهذا يؤكد أن إصلاح الخطاب الثقافى هو الأساس لإصلاح أى مجتمع وبناء وعيه على أسس سليمة يتم فيها استخدام التفكير النقدى فيما هو قائم وموروث.

مصر أمام أكبر عملية تحديث وإصلاح فى تاريخها منذ عصر محمد على، وتحتاج لتعاوننا جميعًا، دولة ومجتمعًا، لاستكمالها، لأنها بالفعل تمتلك كل المقومات لتقود إقليمها وتعود لتكون نموذجًا لكل البلدان النامية الحالمة بالتنمية والرخاء والاستقرار، فهى قوة خير وسلام.