رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإعلام فى عالم متغير

 

من سمات عالم اليوم، وبفضل وسائل الإعلام التقليدية والرقمية، أصبحت شريحة كبيرة من شعوب الأرض تتشارك نفس الاهتمامات من منطلقات ودوافع ومصالح مختلفة، فمن واشنطن لبكين لموسكو للندن لباريس للقاهرة للرياض لطوكيو لنيودلهى لإسلام أباد لتل أبيب لأنقرة لطهران؛ تابع أكثر من نصف سكان المعمورة توابع الانسحاب الأمريكى من أفغانستان، وما نتج عنه من سيطرة حركة طالبان المتشددة على العاصمة كابول.

تطورات أفغانستان، على مدى أكثر من أسبوع، كانت ولا تزال على قائمة أجندة التغطية للإعلامين الدولى والإقليمى، وتسعى كل وسيلة إعلامية، سواء تقليدية أو رقمية إلى تقديم تغطيات وتحليلات وفقًا لتوجهاتها التحريرية، تشرح طبيعة ما حدث هناك ومآلات الانسحاب الأمريكى ومستقبل أفغانستان بعد عودة طالبان للحكم، وتأثيرات ذلك على دول الجوار الأفغانى، وكيف ستتفاعل مع هذا التطور الكبير، وعلاقة ما حدث بمستقبل صراع الأفيال القائم بين واشنطن وبكين وموسكو على من سيقود العالم فى العقود المقبلة.

أجندة الإعلام الدولى هى أجندة سياسية بالأساس، تعكس مصالح أهم عاصمتين للإعلام والصحافة فى العالم، هما «واشنطن ولندن»، اللتان يتركز فيهما أهم وأقوى شبكات تليفزيونية وصحفية فى العالم كله، قادرة على فرض قضايا وملفات على موائد السياسة الدولية، وقادرة على تغيير سياسات ومواقف وخلق ضغوطات على حكومات ومؤسسات دولية وحتى إقليمية فى منطقتنا.

لا توجد مؤسسات صحفية وإعلامية حيادية فى العالم، فالحياد فى الإعلام والصحافة كذبة كبيرة، فالجميع بلا استثناء لديه أجندات بدوافع سياسية واقتصادية وحتى أيديولوجية، ويمكن اختصارها بأن الكل يتبنى أجندة صاحب رأس المال، سواء كانت دول وراء هذه الوسائل أو أجندة شركات ومؤسسات وأشخاص. لكن وجود أجندات وعدم الحياد لا يعنى بالضرورة أن هذه الوسائل لا تتبع، بأنماط مختلفة، معايير ومواثيق صحفية وإعلامية تضمن لها استدامة التأثير على المستوى الدولى.

أصبحت وسائل الإعلام، سواء كانت تقليدية أو رقمية، ضمن أهم أدوات الدول لضمان استقرارها داخليًا، أو للتعبير عن سياساتها والدفاع عن مصالحها وتسويقها خارجيًا، وأضحت الحروب الإعلامية والدعايا الرقمية السوداء سمة غالبة على مسرح الصراعات الإقليمية والدولية، ومواكبة بالتأكيد للثورة التكنولوجية الهائلة فى وسائل الإعلام والنشر والاتصال الحديثة، التى خلقت حالة تكامل بين التقليدى والرقمى، وجعلت تفاعلات متلقى الخدمة الإعلامية جزءًا من صناعة الأحداث ومحرك لمسارات الأزمات. وهو ما نتج عنه خلق تحديات كبيرة لدى القائمين على صناعة الإعلام فى العالم، على مستوى ضرورة التحديث المستمر لوسائل البث والنشر، وكذلك امتلاك أدوات المعالجة السريعة والاستيعاب لكم ضخم من المعلومات فى صورة أخبار وتحليلات وتحقيقات حول صراعات وملفات عديدة، بالإضافة إلى توافر «الأهم» وهو العنصر البشرى صاحب المهارات والمؤهل للتعاطى مع كل هذه الوسائل والأدوات.

ملفات وأزمات منطقة الشرق الأوسط جزء رئيسى من اهتمامات الإعلام والصحافة الدولية، وأستطيع أن أعدد لك مئات من العناوين الرئيسية فى النصف الأول من ٢٠٢١ كانت ولا تزال فى صدارة الاهتمام العالمى، كون منطقة الشرق الأوسط ساحة للتنافس على النفوذ والمصالح بين القوى الدولية الكبرى، ممثله فى الغرب بقيادة أمريكا بجانب روسيا والصين، كما أنها منطقة تنافس وصراع بين قوى إقليمية غير عربية كتركيا وإيران وإسرائيل وقوى عربية رئيسية على رأسها مصر التى يعول عليها الكثيرون فى قدراتها وأدواتها السياسية والدبلوماسية والعسكرية على الدفاع عن المصالح العربية وتحجيم التدخلات الدولية والإقليمية فى المجال الحيوى العربى.

هناك ٩ قوى دولية وإقليمية غير عربية شرعت، خلال العقدين الماضيين، فى إطلاق قنوات ومنصات وصحف باللغة العربية، لمخاطبة الجمهور العربى، فى مسعى منها للتأثير عليه وتسويق سياساتها ورؤاها تجاه قضايا وأزمات الإقليم والعالم. أمريكا مثلًا أطلقت قناة وموقع «الحرة»، كما أن لديها «راديو سوا» وموقع «سى إن إن عربى»، وروسيا أطلقت قناة وموقع روسيا اليوم، بجانب نسخة عربية من وكالة «سبوتنك»، وبريطانيا لديها قناة وموقع «بى بى سى»، والصين أطلقت قناة وموقع «سى جى تى إن»، وفرنسا أنشأت نسخة عربية من قناة وموقع «فرانس ٢٤»، وألمانيا تخاطب الجمهور العربى عبر قناة وموقع «دويتش فيلة» بجانب منصة «السلطة الخامسة»، وتركيا تخاطب الوعى العربى بمجموعة قنوات ومنصات ومواقع باللغة العربية كـ«قناة تى أر تى» ووكالة أنباء الأناضول ووكالة أنباء تركيا ونسخة عربية من صحيفة «ينى شفق التركية»، أما إيران فهى تنفذ للمجال العربى بمجموعة قنوات ومنصات كقناة الميادين والعالم والنسخة العربية من وكالة أنباء فارس، وأخيرًا إسرائيل التى وجدت فى الإعلامين التقليدى والرقمى فرصة للنفاذ للعقل العربى فى محاولة لاختراقه، فأنشأت قناة «أى ٢٤ نيوز» باللغة العربية وموقع «تايم أوف إسرائيل»، بالإضافة إلى منصات رقمية على مواقع التواصل باللغة العربية، كحساب «إسرائيل بالعربية» و«إسرائيل فى الخليج» وحسابات باللغة العربية لشخصيات ومسئولين إسرائيليين، كرئيس الوزراء، والمتحدث باسم رئيس الوزراء، والمتحدث باسم وزارة الدفاع وغيرهم.

الإعلام العربى بشكل عام والمصرى بشكل خاص أمام تحدٍ ضخم، فصراع الأفكار وتشكيل وعى المجتمعات العربية سياسيًا وثقافيًا تجاه قضاياها الداخلية ومستقبل أوطانها تتنافس عليه شبكات إعلامية وصحفية مملوكة لدول لها مصالح مغايرة للمصالح العربية، وهو ما يفرض علينا أن نواكب باستمرار التطور والتحديث فى وسائل صناعة الإعلام والمحتوى فى العالم، وأن نهتم دائمًا بالعنصر البشرى داخل المنظومة الإعلامية والعمل على صقله ببرامج تدريب متقدمة حول استخدام وسائل وتكنولوجيا البث والنشر الحديثة وشكل وماهية الصراعات على المسرحين الإقليمى والدولى، وأن نبتعد قدر الإمكان عن الاكتفاء باستهلاك المحتوى الإخبارى للمؤسسات الإعلامية والصحفية الأخرى، وأن تكون لدينا أطر تشريعية وقانونية تلائم الثورة الحالية فى وسائل الإعلام، ونضمن من خلالها حرية الرأى والتعبير وحرية تداول المعلومات، وترسيخ قيم المهنية والموضوعية فى التعاطى الصحفى والإعلامى وجعل إنتاج المضامين والمحتوى أكثر عمقًا واحترافية وقدرة على التأثير فى مختلف قطاعات الجمهور بكل توجهاته وقطاعاته.