رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد انهيار الجيش الأفغانى.. روسيا وأمريكا.. الحفاظ على الحلفاء للنهاية

أقل ما توصف به الأحداث فى أفغانستان، من انسحاب الولايات المتحدة السريع، واستيلاء حركة طالبان على السلطة بعد عشرين عاما من الغزو الأمريكي، وإسقاط حكم الحركة- أنه فضيحة أمريكية بامتياز، رغم خفايا وترتيبات هذا الانسحاب برعاية قطرية، وهذا الاستيلاء من رغبة أمريكية في تسليم أفغانستان لطالبان والتفرغ وتوفير الجهد المالي والعسكري لمواجهة روسيا والصين، بالإضافة إلى خلق عدو تاريخي وعقائدي لهما في أفغانستان.

ما حدث أضر كثيرا بسمعة الولايات المتحدة في العالم، وهي القوى العظمي الوحيدة المحكمة في العالم، هذه القوى التي ظلت طوال 20 عاما، مدة وجودها في أفغانستان، تدرب وتسلح وتنشئ جيشا جديدا سمي الجيش الافغاني زودته بأحدث الأسلحة.. وحين جاء وقت الامتحان وتجربة هذا الجيش واعتماده على نفسه وقدراته في الحفاظ على وحدة الأراضي الأفغانية ومواجهة ميليشيات حركة طالبان ذات الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، سقط في الامتحان وفرت وحداته ومقاتلوه كالفئران المذعورة أمام هجمات طالبان.. وكأن مليارات الدولارات التي صرفت على تدريب وتسليح هذا الجيش طوال 20 عاما مضت ذهبت أدراج الرياح. 

الرئيس الأمريكي بايدن خرج علينا ليبرئ بلاده مما حدث، ويقول إن الولايات المتحدة لم تذهب لبناء دولة وإقامة ديمقراطية، وإن الأفغان عليهم أن يحاربوا بأنفسهم ولن نحارب نيابة عنهم.. بايدن باع الجيش الذي صرف عليه مليارات الدولارات.. بل الأصح أنه تآمر عليه ورفع يده عنه بعد أن انتهى دوره وجاء وقت طالبان لتنفيذ الاستراتيجية الأمريكية في آسيا الوسطى.. حتى لا ننسى، حدث هذا السيناريو مع بعض الاختلاف مع الجيش العراقي في 2014، فبعد 11 عاما من احتلال العراق وسقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وحل الجيش العراقي، قامت أمريكا أيضا بإنشاء جيش جديد ودربته وسلحته، وفي أول اختبار لقدرات هذا الجيش فشل أمام تنظيم «داعش»، حيث سيطر التنظيم على الموصل وأجزاء واسعة من مدن العراق في أيام قليلة، ولولا تكوين ميليشيات شيعية تسمى «الحشد الشعبى»، تحت إشراف قائد فيلق القدس في الحرس الثورى الإيراني الجنرال الراحل قاسم سليماني، لما تمت استعادة المدن العراقية مرة أخرى.. كل هذا يثبت فشل الاستراتيجية الأمريكية في إنشاء جيوش في دول احتلتها وأشرفت على تدريبها وتسليحها.. والخاسر الأكبر ليس فقط سمعة الولايات المتحدة حول العالم، ولكن هذه الدول ومؤسساتها التي أصبحت كالريشة في الهواء، بمجرد أن ترفع أمريكا عنها حمايتها تنهار جيوشها وتصبح دول فاشلة ليس لها درع وسيف يحميها من غزوات الأعداء في الداخل والخارج. 

وإذا قارنا النموذج الأمريكي بالنموذج الروسي في هكذا مقاربات لوجدنا اختلافا كبيرا.. فعندما تدخلت روسيا في سوريا في 2015 بعد سيطرة «داعش» على أجزاء واسعة من سوريا، وكاد نظام الرئيس السوري بشار الأسد أن يسقط، انقلبت الأمور، وحوّل الجيش الروسي الهزيمة إلى انتصارات، وقدّم مساعدات للجيش السوري مكنته بمساعدة سلاح الجو الروسي من استعادة معظم الأراضي السورية من داعش، ولم يتبق إلا إدلب، وأثبت الروس كفاءة عالية في الحفاظ على حلفائهم ومنعهم من السقوط أمام الإرهاب.. ودون التدخل الروسي، لما كانت الدولة السورية موجودة والرئيس بشار الأسد على سدة حكمها.. إذن، فرق كبير بين الحليف الموثوق به كروسيا وحليف يتخلى عن حلفائه بمجرد انتهاء دورهم المرسوم لهم والمجىء بغيرهم..